بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تشرين الثاني 2019 12:30ص لبنان على مفترق: الإصلاح أو الإفلاس والحرب

حجم الخط
يبدو بأن الأوضاع اللبنانية السياسية والاقتصادية والمالية تسير من سيء إلى أسوأ. تسير الأمور السياسية والأمنية منذ عقود نحو حالة من استيلاد الأزمات المتجددة، وخصوصاً منذ عملية إغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعد خروج القوات السورية من لبنان في عام 2005. وبالرغم من النتائج المدمرة والخطيرة لحرب 2006 التي شنتها اسرائيل على لبنان ولحركة 7 أيار 2008 واحتلال ميليشيات حزب الله وحركة أمل لبيروت الغربية، والتي فرضت على القوى السياسية الذهاب إلى مؤتمر الدوحة بحثاً عن تسوية سياسية هشة، سمحت بانتخاب العماد ميشال سليمان كرئيس للجمهورية وبتشكيل حكومات جامعة وفضفاضة تحت شعار الديمقراطية التوافقية، والتي اثبتت فشلها وعدم قدرتها على إدارة شؤون البلاد سياسياً واقتصادياً. لكن بالرغم من تردي الأوضاع السياسية، فقد نجحت القدرات المالية التي امتلكتها المصارف اللبنانية، وقدرات مصرف لبنان على سد العجز في خزينة الدولة والاستمرار  في تغطية الفساد المستشري في كل المؤسسات العامة ومنها كهرباء لبنان وبقية الخدمات الاساسية الأخرى، في منع انفجار الأوضاع الأمنية وتهديد الاستقرار، على خلفية الفساد وتردي الحالة الأقتصادية والإجتماعية.

لكن في غياب قدرة عهد الرئيس ميشال عون وحكومتيه على اعتماد آية تدابير إصلاحية لوقف الفساد وضبط مالية الدولة، بالرغم من التحذيرات الدولية من مخاطر الاستمرار في هذا النهج السيء لأداء الحكومة، والتي كانت قد التزمت بإجراءات اصلاحية في مؤتمر «سيدر» ولكنها عجزت عن الوفاء بها، فقد عمدت مؤسسات التصنيف الدولي الى خفض التصنيف الإئتماني على سندات الخزينة اللبنانية إلى ccc وذلك اعتباراً من 23 آب الماضي. بعد عشرة أيام فقط من خفض التصنيف الإئتماني فقد أعلن المسؤولون في السلطة ومعهم جمعية المصارف حالة طوارىء إقتصادية ومالية « قبل فوات الأوان». وكان مصرف لبنان قد حاول استباق خفض التصنيف بسلسة اجراءات مالية لحماية القطاع المصرفي، ولكنها لم تكن كافية، في ظل تأثر القطاع بالعقوبات الأميركية ضد حزب الله وعدد من المؤسسات المالية والتجارية، خصوصاً مع تراجع حجم التدفقات المالية للمغتربين كودائع في البنوك اللبنانية، والتي استثمرت الجزء الأكبر منها في شراء الأسهم السيادية من أجل سد العجز المتنامي في الموازنة، حيث بلغ العجز المتراكم لقطاع الكهرباء 36 مليار دولار، والذي يرتفع مع احتساب فوائده إلى 56 مليار دولار.

تدهورت الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية نحو الأسوأ في ظل حكومة العهد الثانية، حيث تحول مجلس الوزراء إلى مجموعات متحاربة لكل منها متاريسها تدافع فيها عن مصالحها وفسادها.

أدت الإهتزازات السياسية التي شهدها لبنان منذ بداية العهد، وفي ظل حالة التفكك للسلطة داخل مجلس الوزراء، بالإضافة إلى حالة الوهن والضعف المالي والاقتصادي، الى تراجع السيولة المتوافرة في الأسواق، وخصوصاً السيولة بالدولار، والتي دفعت اسعاره للإرتفاع في السوق الموازية دون وجود حسيب أو رقيب.

بعد إنقضاء 41 يوماً على انطلاق الانتفاضة الشعبية، وبعد شهر على اسقاط الحكومة استمرت الخلافات السياسية حول تشكيل حكومة قادرة على إدارة دفّة الحكم، وضمن شروط تتجاوب مع مطالب المتظاهرين. فالعهد بتياره الوطني الحر ومع حليفه حزب الله يصران على تشكيل حكومة مختلطة من السياسيين والخبراء المستقلين، في الوقت الذي تطالب فيه القوى الأخرى بحكومة مستقلين قادرة على تحقيق مطالب الانتفاضة وأبرزها الاقتصاص من السياسيين واسترداد المال العام المنهوب.

كان من المتوقع والطبيعي أن تؤدي الضغوط المختلفة في الشارع الى حدوث احتكاكات بين جمهور الانتفاضة ومحازبي حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر، على غرار ما جرى تكراراً في وسط بيروت ومناطق أخرى. ولم تنفع كل المعالجات الأمنية في وقف تسعير الاحتكاكات والمواجهات الجارية على الأرض وقد وصلت إلى مستوى من الحدّة والفلتان لدرجة أنها باتت تهدد باندلاع اشتباكات مسلحة، بعد المظاهرات في الضاحية الجنوبية ومحاولاتها الاحتكاك مع عين الرمانه وشارع مونو في اليومين الماضيين، وما تبعه من محاولات للاقتصاص من المعتصمين في صور وبعلبك البارحة، مع جنوح ظاهر للعنف وإطلاق النار ترهيباً.

ما زال هناك أمل في تدارك الوضع السياسي والأمني قبل الإنزلاق إلى الفتنة، كما يبدو بأنه مازال هناك فرصة لانقاذ الوضع الاقتصادي والمالي قبل الانزلاق الى حالة من الكساد وتعثر النظام المصرفي الى حد الافلاس، إذا ما تراجع العهد وحزب الله وحركة أمل خطوات إلى الوراء للإتيان بحكومة مستقلة تلبي تطلعات الإنتفاضة.

والآن لم يعد لديهم أي عذر للسير قدماً في تشكيل حكومة مستقلين بعد أن أعلن الرئيس الحريري عزوفه عن تشكيل الحكومة المختلطة لتلبية رغبات العهد وحزب الله.

الطريق أمام الرئيس عون وحزب الله بات مفتوحاً لتشكيل حكومة جديدة وفق رؤيتهما، ولكن حذار أن يترافق التحضير لها بمحاولة فض الإنتفاضة بالقوة، تمهيداً لفرض حكومة أمر واقع، لن ترضى بها الإنتفاضة أو الطائفة السنية أو القوى السياسية الآخرى. إن الدفع بالأزمة السياسية إلى هذا المستوى سيعرض المصارف لمخاطر الإفلاس الكامل، كما أنه يضع البلد على طريق فتنة جديدة، كما يؤسس لإمكانية الدفع نحو حرب مع إسرائيل، مع أخطار تمددها لتتحول إلى حرب إقليمية.