بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الثاني 2019 12:00ص مأزق التشكيل تعديل الصيغة أو الحرب!

حجم الخط
كتب لي سفير أميركي سابق وخبير في شؤون الشرق الأوسط ولبنان، ويعمل الآن كأستاذ جامعي رسالة عبر فيها عن مدى الحزن الذي يشعر به جراء أزمة الحكم التي يواجهها لبنان والتي تفاقمت الى حد عجز القوى السياسية على التوافق لتشكيل حكومة قادرة على مواجهة الاستحقاقات السياسية والاقتصادية التي يواجهها لبنان في ظل الظروف المعقدة والخطيرة التي تجتازها المنطقة. 
يضيف صديقي في رسالته «أني اشعر بعميق الاسى حول الوضع الذي يجتازه لبنان، حيث أرى بأنه ولو جرى تشكيل حكومة في المستقبل المنظور، فإنني لا أتوقع أن تكون قادرة على الحكم بصدق واستقامة وامانة». لم تكن هذه المرة الوحيدة التي يعبر فيها صديقي عن تشاؤمه من ترهل الحكم في لبنان حيث سبق له أن تحدث في ندوة دولية عن ان مستوى الحكم في لبنان قد تعدى الخطوط الحمر للدولة الفاشلة ليدخل في حالة «اللادولة». لكن لا يتوانى صديقي في نهاية رسالته عن التخفيف من تشاؤمه تجاه حالة الحكم المتردية حيث يقول بأن الأميركيين باتوا ينافسون اللبنانيين في تدهور مستوى الحكم وسوء ادارته للشأن العام. 
في الواقع وفي تقييم شامل للوضع السياسي، مع الأخذ بعين الاعتبار كل الطروحات المتداولة من قبل مختلف القوى السياسية فإنه لا يبدو بأن هناك أية بارقة أمل من أجل فتح أية ثغرة في جدار أزمة تشكيل الحكومة، لا بل يبدو الآن بأن الأمور قد عادت فعلاً الى المربع الأول في ظل استعادة قيادات بارزة في حزب الله لمشروع حكومة من 32 وزيراً، وهو الخيار الذي رفضه رئيس الحكومة المكلف منذ البداية، وذلك انطلاقاً من رفضه زيادة عدد وزراء الدولة، والذين ليس لهم أية وظائف يؤدونها، في الوقت الذي من المفترض فيه أن تعمل الدولة على خفض الانفاق غير المجدي مع ضرورة التمسك برفض اعتماد اعراف جديدة في آلية تشكيل الحكومة، بعيداً عن نص الدستور والأعراف السياسية المتبعة. 
يبدو بأن التفاؤل الذي عبر عنه الرئيس سعد الحريري مع مطلع العام الجديد عندما قال بأن هناك عقدة واحدة، واعداً بالتوصل الى حلها في القريب العاجل قد تبدد في ظل الطروحات الجديدة القديمة لحزب الله، وفي ظل الخيارات شبه المستحيلة التي يتحدث عنها رئيس التيار الوطني الحر. 
وتدعو الواقعية السياسية الى ربط ازمة تشكيل الحكومة بالمحاولات الواضحة لتعويم النظام السوري عربياً من النافذة اللبنانية، حيث يبذل حلفاء سوريا قصارى جهدهم، وبشتى الوسائل لإيجاد المخرج المناسب لتوجيه دعوة للرئيس الأسد لحضور القمة الاقتصادية العربية التي ستنعقد في لبنان يومي 19 و20 من الشهر الجاري. ولا بد من ربط الموقف المتشدد الذي تعبر عنه مجموعة سنّة 8 آذار بقولها بأنها لن تقبل بأقل من أن تتمثل بأحد أعضائها مع حقيبة وزارية دعوة سوريا للقمة الاقتصادية الى واجهة الجدل السياسي، وذلك على حساب ان تبقى الأولوية السياسية لتشكيل الحكومة كخطوة أساسية لانجاح القمة الاقتصادية. 
في ظل تنامي العقبات والحواجز لمنع تشكيل حكومة جامعة لمختلف الكتل السياسية من 30 وزيراً، لا بد من التساؤل عن البدائل الممكنة للخروج من المأزق الراهن الذي تواجهه البلاد، بالإضافة الى مخاطر ما يمكن أن تتسبب به التطورات الإقليمية الضاغطة، مع ما تمارسه إسرائيل من ضغوط مباشرة على لبنان وحزب الله على الحدود ومع الأخذ بعين الاعتبار التساقطات الخطرة لاستمرار إسرائيل في محاولات استئصال الوجود الإيراني في سوريا. 
في رأينا يبدو بوضوح بأن على الرئيس الحريري أن يدرك بأن صيغة التشكيلة الممثلة للمجلس النيابي قد سقطت، ولا يمكن أن تمر بفعل عامل الزمن، أو من خلال ادخال تعديلات جزئية لتجاوز العقد وتبادل الأدوار المعطلة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وبأنه قد بات لزاماً عليه التفتيش عن صيغة بديلة، فالزمن قد تغيّر ولم تعد موازين القوى على ما كانت عليه في زمن والده، حيث كان بالإمكان تجاوز عقد التعطيل عبر النفوذ السوري أو عبر عامل المال والمصالح المتبادلة مع الأفرقاء الآخرين. 
من هنا بات من الضروري وقف هذا الهدر للوقت وتبديد الفرص الممكنة، وأن الخطوة الأولى على المسلك البديل لا بد أن تكون بالبحث مع رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة أكثرية، تضم وزراء من الكتل النيابية الرئيسية، والتقدم بها الى مجلس النواب لطلب الثقة. 
إذا سقطت حكومة الأكثرية في المجلس النيابي، فإن هذا سيعني دخول البلاد والنظام في مأزق سياسي، والذي قد يستدعي فعلياً الدعوة الى طاولة حوار للتباحث في تعديل صيغة الحكم وإرساء موازين بديلة للتوازنات القائمة بين الطوائف وبين القوى السياسية الراهنة. 
إن الفشل في التوصل الى توافقات عملية للخروج من المأزق سيضع البلاد حتماً على أبواب حرب جديدة، ستكون أخطر من الحرب السابقة في ظل التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة والشقيقة سوريا.