بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تشرين الأول 2017 12:32ص ما بين العرب والإسبان.. وزمان الوصل بالأندلس!

حجم الخط
ها هي المحاولات الإنفصالية تمتد إلى خارج هذه المنطقة المنكوبة بجملة من التناقضات، فتتسلل أمراضها الفتاكة من سوريا، حيث مباضع التقسيم تعمل بأشكالها المتخفية والمُتَلبّسة لكل أصناف الخبث والمصالح والمطامع بالأرض السورية، نفطا وغازا وموقعا استراتيجيا، ومشاريع إعمار ما هدمته الحروب وفي طليعتها حرب النظام ضد شعبه، وحرب روسيا ضد كلِّ مقاومٍ لمطامعها بالموقع السوري، سواء كان داعشيا أم مواطنا ثائرا أو مواطنا ينشد السترة والسلامة. كما تتسلل المحاولات الإنفصالية بوجه خاص من كردستان، التي نفّذت بالفعل، إستفتاءً انفصاليا واضحا ودعت إلى تكريس نتائجه في خلال انتخابات شاملة مقبلة تفرز حكومة كردية ودولة ذات سيادة مستقلة، رغم ما يعانيه هذا التوجه الكردي من معارضات داخلية واقليمية ودولية وفي طليعتها المعارضة الرئيسية المنطلقة من العراق، صاحب السيادة المطلقة على أرضه وشعوبه المتشاكسة بانتماءاتها الإتنية والطائفية والمذهبية، ويا للغرابة! التمدّد الإنفصالي وصلَ إلى إسبانيا، وبالتحديد إلى كاتالونيا،الممثلة لحوالي 17% من الشعب الإسباني، كأنما العدوى الإنفصالية والتقسيمية تحتاج إلى تلك العلاقة «الوراثية» التي كانت قائمة في زمان الوصل بالأندلس، ما بين عرب واسبان، تمازجت دماؤهم وصفاتهم وتوجهاتهم، وربما تكون تلك النزعة الإنفصالية التي توالدت بدءا من الشرق الأوسط الملتهب، إلى الطرف الأوروبي المجاور للمشرق العربي، فيا مرحبا «بالأخوة الأسبان» في ما ابتلى به العرب إنطلاقا من «الربيع العربي» رحمهُ الله، وصولا إلى ذلك الإستفتاء الذي انتقل من اربيل إلى كاتالونيا، مع الإشارة في هذا المجال إلى تحولات لدى العالم الغربي إلى كلٍّ من مشروعي الإستقلال العراقي والكاتالوني، حيث لمس المراقبون في الفترة الأخيرة تصريحات ومواقف غربية مختلفة تعارض بقوة مشروع الإنشقاق الكاتالوني، في الوقت نفسه الذي تبدي فيه ميلا إلى إيجاد حلّ وسط يعطي للأكراد جزءا هاما من مطالبهم الإستقلالية، ولعل الولايات المتحدة المصرّة على التصرف عسكريا في المنطقة من خلال فصائل مقاتلة كردية أبرزتها ودفعت بها إلى موقع عملاني ومعنوي، لعله يخفي حقيقة نوايا واشنطن وتوجهاتها الإستراتيجية في المنطقة. 
وبالرغم من ذلك كلّه، ستظل معارضة انفصال اقليم كردستان عن مجمل الوطن العراقي، موضعا يجابه الكثير من الصعاب والعداوات الإقليمية الرّافضة لمبدأ نشوء الكيان الكردي المستقل، فهي بالتالي وبالرغم من اندفاعاتها العجولة والمتهوّرة في بعض وجوهها، تبقى معارضة آنية لها خلفيات وممارسات سابقة لطالما استهدفت تحقيق الإستقلال الكردي عن دولته ومحيطه العربي.
ولعل ما يستدعي الملاحظة واستخلاص حقيقة الأوضاع الإقليمية المستجدة، ذلك الموقف الإسرائيلي المؤيد لنشأة دولة جديدة في صلب الكيان العربي والإسلامي الشامل، وتتمثل في علاقات قائمة فعلا على أرض الواقع ما بين كردستان واسرائيل، ومتمثلة بزياراتٍ لقياداتٍ كردية معروفة للكيان الصهيوني، بما أثار تحفظات لها ما يبررها، نشأت في العالم العربي نتيجة لهذا التلاحم المعنوي المسبق بين كيانين باتت تشدّهما بعضا إلى بعض، جملةٌ من المصالح والتطلعات المستقبلية. 
عطفاً على ذلك كله، شرقنا العربي ومحيطنا الإسلامي وصولا إلى العالم الغربي وأوضاعه المستجدة في اسبانيا، وقبلها في نتائج الإستفتاء الذي أدى إلى انسحاب انكلترا من الاتحاد الأوروبي، وتركيزا لا بد منه على الأوضاع السائدة في كل من سوريا والعراق وما ذكرناه عن نشاطات مشغولة لتناتش أرضهما وثرواتهما ومصالحهما، وتسليطا منا لأضواء كاشفة على خطورة ما يتم من أعمال إجرامية الطابع والتوجه والغايات المشبوهة والتي لا تقتصر أدوارها الرئيسية على جهة محددة، أقامت فيما بينها نوعا من «الشراكة المساهمة» التي حفظت لكل فريق حصته من اللحم والجبن السوري وما يستوجبه من المشاركين، من تقطيع للأراضي والمواقع الإستراتيجية، استعمارية الطابع بأشكاله المستحدثة، وشعوبا محكومة بالحديد والنار، تتراوح وسائلها الضاغطة والفارضة ما بين قوى محلية مدجنة ومبرمجة، وقوى إقليمية يحكمها الشّره والنهم. 
وعطفاً على الغليان الدولي المنطلق من وضعيات الإرهاب وأخطاره وتمدده إلى مجمل العالم الغربي، 
في أيام نستذكر فيها «سيايس بيكو»، وما افتعلته بالعالم العربي. إنها أيام يعدُّ فيها للمنطقة ما هو اسوأ من الوضعيات التي نشأت في تلك الأيام الغابرة، ومن خلال جملة من الإحترابات العالمية كنا فيها الضحية، وما نزال، والمنطقة بأسرها معرّضة إلى ما هو أسوأ. ولنقرّ ونعترف، أننا بصورة عامة، غافلون عمّا يخطط وينفّذُ ويجري، وقد جرّدتنا الأحداث والتطورات من معظم وسائل الدفاع عن أنفسنا وعن بلادنا وعن مستقبلنا في هذه الأرض المنكوبة. 
انها أيام القتل والذبح والصواريخ البرية والجوية والبحرية، التي توجه إلى الأرض العربية وشعوبها سواء كان القاتل والذابح «داعش وأخواتها» أم تلك الطائرات المغيرة على أوطاننا صبح مساء، تقتل وتشرّد وتبدد على هواها، وحتى إشعار آخر لا بد من الاعتراف بأننا نتوغل في عصر جديد من الإنحطاط العربي المذهل.