بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 نيسان 2021 12:02ص مصر الشقيقة وتلاحُقِ المآسي السلبية

حجم الخط
لا يمكن أن تنفصم العلاقات المتجذرة في التاريخ القديم والحديث، والقائمة ما بين جمهورية مصر العربية ولبنان القديم بتألقه وازدهاره الذي كان له طوال عهود متألقة سابقة، وبأحواله المأساوية القائمة التي طرحته أرضا وأعملت فيه نهشاً وتشويهاً، وألقته في صميم جهنم ولهيبهاً الذي ما زال يمعن في الإشتداد وزعزعة كل الأسس الكيانية التي حملت ركائز بلد تزداد انهياراته وقربه من أحوال الزوال الكامل. لن ينسى لبنان الوقفات المادية والمعنوية التي ما زالت جمهورية مصر العربية تتمسك بها وتحاول ما أمكنها تقديم العون والمساندة إلى الشعب اللبناني المكابد في أحواله الإنحدارية القائمة، ولنا في المساندة السياسية والقومية، وفي الدعم الإغاثي مختلف الوجوه، المقدم إلى الشعب اللبناني المكابد، خير صورة وأبرز دليل. 

وبعد: جمهورية مصر العربية تعاني في هذه الأيام، من جملة من الأحداث المتلاحقة التي وضعت بعض أرجائها ومصالحها في لجّة مأساوية لا يستأهلها شعب مصر على الإطلاق، بدأت مطاعن الزمن بمأساة تلك الباخرة المجنونة التي اقتحمت قناة السويس وعطلت كل شرايين الحياة فيها وتركتها للمرّة الأولى في تاريخها شريانا حياتيا مسدودا وموقوفا عن العمل والحياة والإنتاج المادي الوفير الذي تستند إليه مصر الشقيقة في تعزيز أحوالها الإقتصادية وانطلاقتها إلى لملمة ثغرات أوضاعها التي تزداد شكواها من تضاعف أعداد مواطنيها، وتراكم التحديات العدائية من حولها كما هو الشأن الخطير الذي سبق أن أطلقته تطورات الأوضاع في ليبيا واقتحامات اثيوبيا من خلال سدّ النهضة الذي أصبح في بدايات مراحله التنفيذية الأخيرة، وتهديداته لصلب الكيان المصري، متطاولا على ثروة مصر الحقيقية والأساسية التي يمثلها نهر النيل للأرض المصرية وللشعب المصري، وهو اقتحام شرس ووقح للقوانين الدولية ولمبدأ عزيز رافق التاريخ المصري من خلال واقع أطلق عليها التسمية التاريخية المشهورة: مصر هبة النيل، وما إن أطلّت علينا قناة السويس منذ أيام بوجهها التخريبي القبيح والمعطل لشريان أساسي من شرايينها الإقتصادية الحديثة التي وفرت لها موقعا اقتصاديا دوليا وإمكانات تنموية لطالما حلمت بها وحقّقت من خلالها وسيلة إنقاذية انتشلتها من جملة سابقة من أوضاع الركود والتخلف، ما إن أوقفت الباخرة التي أوقفت الحياة في ممر مائي يعج بالحياة، ويعرّض العالم إلى خسارة جملة من المنح التي أمنت له توفير الوقت وتقليل الكلفة المادية، ووفرت للعالم ممرا غمره بالتسهيلات والإمتيازات. أضيف إلى طارىء القناة ذلك التصادم الرهيب ما بين قطارين يعملان على خط واحد، فإذا بنا أمام مأساة أسفرت عن جملة من الضحايا والمصابين، ما زال تعدادهم وما فتئت الأضرار الهائلة التي نشأت عن ذلك التصادم الرهيب، قيد الدرس والتدقيق والبحث عن الأسباب التي أدّت إلى تلك الماساة. 

وفي المرحلة الزمنية القصيرة نفسها، وقعت تلك الفاجعة المتمثلة بإنهيار مبنى سكني مؤلف من عشر طوابق بينها ثلاث طوابق تضم معملا لصنع الألبسة، ولئن كان هذا البناء حافلا بمخالفات فاقعة ومفتقرا إلى التراخيص اللازمة، ما يهمنا هنا نتائحه الصادمة التي خلّفت أضرارا ما زالت قيد التدقيق والتحقيق من قبل السلطات المسؤولة، دون أن يجعلنا ذلك في منأى عن تسجيل حصول تلك المأساة التي لحقت في ظرف ساعات بسابقتيها في القناة وفي خط السكة الحديد. 

كل هذه الإشكالات الجدية التي راكمتها الظروف القاسية، نذكرها وكلنا ثقة بسعي المسؤولين نحو النهوض بمصر الشقيقة إلى أوضاع أفضل، تختصر من خلال الحالات التي ما زال بعضها قائما في بعض الأنحاء من الاراضي المصرية الشاسعة. 

نذكر ذلك كله، في الوقت الذي يغامرنا فيه كثير من الشك حول مسببات ما حدث، ووجود حالات محتملة من التآمر وربما بعضٌ أو كثير من التقصير الذي أدّى إلى ما حصل. 

بكثير من التعاطف والتلاحم، نشارك الإخوة في مصر في المآخذ التي طاولت بعض أنحاء هذا البلد الذي لم يقصر تجاه لبنان في الكثير من المواقف المؤازرة للبنانيين في محنهم القائمة والمستمرة، هو شعور أخوي يدفعنا ونحن في صلب الماساة القائمة لدينا، إلى أن نتمنى للأوضاع المصرية، أن تستعيد كل أدوارها الإيجابية في المنطقة وأن تستمر في مسيرتها الهادفة إلى استعادة موقعها العربي، ذلك أنه منذ الغياب النسبي لمصر عن ريادتها وفعاليتها القصوى في مجمل الأوضاع العربية، ومنطقتنا تعاني من أحوال وأهوال شديدة القساوة وبالغة الضرر على جملة من الكيانات العربية التي هددتها الغزوات الغريبة بكل أنواع المخاطر والإحتمالات شديدة الحدّة والقساوة، دون أن نغفل مشروعا كان مخبأ في جوارير المخططات الإسرائيلية، يخطط لإنشاء قناة أخرى مجاورة ومنافسة لقناة السويس (قناة بن غوريون)، ومتحسبة لكل المزالق القائمة التي تعطل بعض ميزاتها. 

وبعد: أعاننا الله جميعا على قساوة التحديات المفروضة التي بتنا نعاني منها جميعا، ولنا في الممارسات المصرية تجاه أخوتها في العالم العربي عموما ولبنان خصوصا، مثال لما يمكن أن يكون عليه التعامل في لجّة الأوضاع الحرجة القائمة والمتفاقمة. 

مع تحيتنا للجهود المحلية المصرية التي تمكنت بمهنية وكفاءات عالية، من وضع حدٍّ لحالة التعطيل التي تسببت بها الباخرة العملاقة وعطلت أعمال القناة وإنتاجها المادي على مدى أيام كانت حافلة بالجهود والكفاءة، وانتهت إلى تحرير القناة من المساويء والتحديات التي طاولتها.

المحامي محمد أمين الداعوق