بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 آب 2023 12:15ص من «خضَّة» الكحالة.. إلى فضائح سلامة!

حجم الخط
لم يكن اللبنانيون بحاجة إلى «خضَّة» الكحالة، ليُدركوا حجم المخاطر المحيطة بهم، جراء الإنقسامات السياسية والحزبية الراهنة، والتي سرعان ما تتخذ طابعاً طائفياً مقيتاً، تُلهب الخطاب السياسي الشعبوي، وتضاعف من أجواء التوتر والإحتقان. 
لم يكن اللبنانيون ينتظرون نتائج التدقيق الجنائي ليدركوا أن الدولة، من القمة إلى أصغر موظف فيها، غارقة في مستنقعات من الفساد، يُسيطر عليها حيتان المال الحرام، الذين يكدسون المليارات المنهوبة بشراهة، لا تعرف حدود القناعة، ولا الإكتفاء المالي. 
بين الحادثة المؤلمة في الكحالة، وتقرير التدقيق الجنائي في البنك المركزي، ظهرت هزالة المنظومة السياسية، المتلهّية بخلافاتها الفئوية، وبصراعاتها الأنانية، على حساب سيادة الدولة وسمعتها. وسقطت آخر حصون الدفاع عن الفساد والفاسدين في مواقع المسؤولية المالية الأولى للبلد. 
في حادثة الكحالة نجح تدخل الجيش السريع في تطويق تفاعلات الإشتباك الناري فوراً، وتصرفت القيادة بكثير من الحصافة والحكمة لحصر التداعيات في أضيق نطاق ممكن، وعملت على تبريد الإنفعالات المشتعلة من طرفي الحادثة، إثر سقوط الضحيَّتين، وحافظت على كرامة أبناء الكحالة، واحترمت أسباب غضبهم. مما ساعد لاحقاً على عودة الحركة على الطريق الدولية إلى طبيعتها قبل طلوع فجر اليوم التالي. 
ولكن أصحاب الرؤوس الحامية لم يعجبهم نجاح الجيش في وأد الفتنة، فراحوا يصبّون زيت المزايدات على نار الإنفعالات، ويصوِّبون سهام التشكيك ضد الجيش، الذي كان دائماً محور الدفاع الأول في الخطاب السياسي للأحزاب المسيحية بالذات. 
فهل كان المطلوب أن لا يتدخل الجيش، ويترك الإشتباك على غاربه ليتحول إلى مجزرة، بعد سقوط قتيلين في دقائقه الأولى؟. 
أم أن المفروض أن يشتبك الجيش مع عناصر حزب الله في معركة، لا أحد يعرف أين ستؤدي بالبلاد والعباد، ونستعيد المشهد السوداني الدرامي في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، ونشر الدمار والخراب في طول البلاد وعرضها، وتهجير البقية الباقية من اللبنانيين؟. 
والأنكى أن الوضع على جبهة حزب الله لم يكن أقل إشتعالاً، حيث طفحت الخطابات والتعليقات على وسائل التواصل بنبرات التحدي والإستفزاز، واستعراضات فائض القوة، قبل أن تصدر التعليمات بلجم التدهور، ووضع حد للفلتان الكلامي، وإعادة الأمور إلى مستوى الحوارات المقبولة. 
يبقى أن تتحول هذه الحادثة المؤلمة والخطيرة إلى فرصة لإستعادة التواصل بين الأطراف السياسية، يُبادر من خلالها حزب الله إلى تطمين اللبنانيين، بكلام واضح  وبضمانات موثقة، بأن سلاح الحزب لن يُستعمل في الداخل، وأن أولوية الحزب هي إعادة الحياة إلى الوفاق الوطني، وإنجاز الإستحقاق الرئاسي بأسرع وقت ممكن في إطار من التفاهمات الوطنية، التي تفتح الطريق إلى الإصلاح المطلوب، وصولاً إلى الإنقاذ المنشود. 
ومن يعتبر أن مثل هذا الكلام هو من نوع الشعر، غير قابل للصرف في خضم هذه الأزمة وتداعياتها المدمّرة، عليه أن يطرح على اللبنانيين أفكاراً وخططاً بديلة، غير تفتيت البلد وتقسيم المقسم أصلاً، وبعيداً عن الإنفعالات والتهديدات بالتصعيد والتجييش، والذهاب إلى «المواجهة الشاملة»، بما يُذكّر الناس ببدايات الحرب السوداء. 
أما نتائج التدقيق الجنائي، كما وردت في تقرير شركة «الفاريز ومرسال»، فقد أكدت وقائع النهب والهدر والسمسرات الملتبسة في المالية العامة، والتجاوزات التي كانت تحصل في البنك المركزي دون حسيب أو رقيب، وبتغطيات سياسية نفعية في معظم الأحيان، وكل ذلك على حساب خزينة الدولة، ودون مراعاة حُرمة أموال المودعين، الذين تحوّلوا إلى ضحايا الصفقات المليارية، والعمولات المليونية التي كانت تذهب إلى شقيق سلامة وعائلته ومعاونته. 
ما ورد في التقرير من فضائح ومخالفات وتجاوزات وسمسرات غير محقة يُعتبر بمثابة «مضبطة إتهام»، على القضاء أن يقول كلمة الفصل فيها ، نتيجة تحقيقات ومتابعات دقيقة، بعيدة عن الغرضية والتسييس من جهة، وخالية من شوائب التستر والإنحياز طمعاً بمنافع شخصية أو مالية، طافحة بالشبهات. 
ولكن من غير المقبول أن تضيع هذه الإتهامات الواضحة، في متاهات الصراعات السياسية والشخصية بين القضاة، والتي تجعل من عرقلة التشكيلات القضائية مخرجاً لتعطيل العدالة، والتنصُّل من كشف حقيقة ما كان يجري في البنك المركزي في السنوات الأخيرة لولاية رياض سلامة. 
تقرير «الفاريز ومرسال» عن نتائج التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، سيكون الإختبار الأول للعهد العتيد، لإثبات مصداقيته وقدرته على إطلاق ورشة الإصلاحات المطلوبة، والتي بدونها لن تكون قيامة جديدة للبنان.