بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 تشرين الأول 2023 12:04ص مناقلات قضائية حرَّة هي الحل؟!

حجم الخط
11/10/2017 كان تاريخ آخر تشكيلة قضائية صدرت في لبنان. في العام 2020 جرت محاولة يتيمة لإصدار تشكيلة قضائية جديدة لم يكتب لها النجاح، وبعد أن «احتجزت» صورياً لدى وزير المال بذريعة وهمية. وبعد أن أفرج عن هذه التشكيلات اخذت طريقها للصدور بعد أن مرت بصعوبات أخرى،لكن وبدلا من أن تقترن بتوقيع رئيس الجمهورية لكي تصبح نافذة نامت في أدراج مكتبه.
منذ العام 2017 والعمل القضائي يمارسه قضاة إما بالإنابة وإما بالتكليف وذلك لعدم وجود تشكيلات رسمية كما جرت العادة. ولقد راقت هذه الطريقة للسلطة السياسية الحاكمة والمتحكمة إذ صار من السهل عليها أن تكلف قاضيا أو محكمة بتوقيع واحد او توقيعين ولمدة محددة يتحكم بها صاحب السلطان طولا أو قصرا بحسب رضاه على القاضي المعني. وقد وجدت هذه السلطة في موضوع الإنتدابات والإلحاقات سبيلا أسهل من سبيل التشكيلات لخلوه من التعقيد أو عقبات تعترض سبيله وتوفر لصاحب السلطان فرصة للتحكم في عمل القضاء.
لقد أدت هذه الأمور الى مشاكل كثيرة اعترضت العمل القضائي وحالت دون إستقرار هذا العمل ودون ثباته،وقلصت فرص المطالبة باستقلال القضاء التي يطالب بها القضاة والمجتمع المدني منذ سنوات طويلة، ولكن دون جدوى.
كذلك أدت الى بروز حالة ضيق لدى القضاة خاصة الشباب منهم الذين وجدوا أن ثمة عرقلة في انطلاق عمل العدالة لأن السلطة القضائية المكلفة رعاية هذا العمل كانت عاجزة عن القيام بما هو مطلوب منها، لأن هذه السلطة وبطريقة تركيبتها وإختيار اركانها خاضعة لهيمنة السلطة الحاكمة والمتحكمة.
 ولهذا السبب تنادى القضاة وبدأوا يعملون همسا ثم جهارا وينتقدون الحالة القضائية السائدة ويطالبون بإصلاحات خارقين بذلك موجب التحفظ الذي على القاضي أن يتحلى به لكي يبقى هذا القاضي موصوفا بأنه الصامت الأكبر. لكن هذا التحرك لم يلقَ تجاوبا من قيادات الشأن القضائي لا بل لاقى نقدا مريرا ما أدى الى زيادة مقدار الأذى الذي يلحق بعمل العدالة.
لا شك أن الحل هو بالدرجة الأولى في إجراء المناقلات القضائية. هذه المناقلات لم يرد ذكرها صراحة في القانون لكن العادة التي صارت عرفا مكرسا سارت على نهج اجرائها مرة كل ثلاث أو اربع سنوات على أبعد حد.
إن الغاية من وراء هذه التشكيلات هي ضخ دم جديد في العمل القضائي وذلك لأنها تسمح للقضاة أن يتبوؤا مراكز بدلا ممن سبقهم فيها والذي قد يكون قد توفي بعضهم أو احيل للتقاعد أو استقال الخ... وما يشجع على هذا هو ثبات القاضي الجديد في عمله الجديد الذي يمارسه بحرية دون سيطرة من السلطان السياسي الذي لا يستطيع أن يبعده عن مركزه الا وفقا لإجراءات معقدة قليلا خلافا لما هو الحال في حالة التكليف أو الإلحاق.
والأهم من كل ذلك أن التشكيلات القضائية من شأنها أن تقنع القاضي بأن المركز الذي عين فيه بموجبها ليس ملكا له ولا يملك حقا للبقاء فيه كما يريد. كما تمنعه من نسج شبكة علاقات شخصية تنعكس سلبا على صحة عمله القضائي. 
وإذا كان صحيحا أن القانون لم ينص على زمن إجراء تشكيلات قضائية إلا أنه حدد طريقة إجرائها وأعطى لمجلس القضاء الأعلى صلاحية واسعة في إجراء هذه التشكيلات لكن هذه الصلاحية تصطدم دائما «بشهية السلطة السياسية» وإرادتها الهيمنة على السلطة القضائية.
إذا اردنا اصلاحا حقيقيا للشأن القضائي علينا إجراء تشكيلات قضائية دورية وفقا لما يرتئيه مجلس القضاء الأعلى دون تدخل معه لأنه الأدرى بشؤون هذه المؤسسة التي يديرها.

* مدعي عام التمييز سابقاً