بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 تشرين الأول 2019 12:30ص موت الفكرة العربية

حجم الخط
بعد تفجيرات أرامكو دخلت المنطقة مرحلة من التطورات الكبرى على قاعدة حدث يأكل حدث، لأن تجاوز حدث أرامكو كان يستدعي صناعة حدث اكبر يأخذ الاهتمام الإعلامي إلى ساحة جديدة، فكانت محاولة صناعة فوضى في الشارع المصري عبر مقاولة سخيفة أخذت الكاميرا إلى القاهرة وشغلت الاهتمام العربي والدولي لأيام محدودة، ثم كانت محاولة إنتاج مقاولة لبنانية عبر التظاهرات والدعوات المقنعة لإسقاط الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط، والتي حظيت أيضا باهتمام إعلامي محدود، لتنتقل الكاميرا إلى العراق لتغطية ما شهدته بغداد من مظاهرات وشعارات وعنف أدى إلى سقوط عدد كبير من الجرحى والقتلى. 

جاءت عملية الاجتياح التركي لمنطقة شمال شرق سوريا لتشكل الحدث الكبير الذي يمكن أن يتجاوز تفجيرات أرامكو ويسيطر على الاهتمام الإقليمي والعربي والدولي السياسي والإعلامي، وخصوصا أن العملية جاءت بعد إعلان الرئيس الأميركي عن انسحاب قواته من سوريا، وهذه العملية منسقة بدقة بين دول منتدى أستانا حول سوريا وهي تركيا وروسيا وايران، وهذه المجموعة كانت قد توصلت باجتماعها الأخير في أنقرة بعد تفجيرات أرامكو إلى الاتفاق على اللجنة الدستورية في سوريا، ويشكل الاجتياح التركي بداية خلط أوراق عسكرية وسياسية جديدة إقليمية وعربية ودولية.

تأتي العملية العسكرية التركية بعد سيل من التحولات في الإدارة الأميركية، والتي بدأت بإقالة مستشار الأمن القومي بولتن، ثم فشل العملية التفاوضية الأميركية الإيرانية بوساطة فرنسية، ثم شروع مجلس النواب الأميركي بمحاكمة الرئيس ترامب مع نهاية السنة الرئاسية الثالثة المخصصة للسياسة الخارجية حسب الأعراف الأميركية، والتي انتهت بدون أي إنجاز خارجي يذكر، وخصوصاً لجهة ما يسمى صفقة القرن بسبب هروب إسرائيل نتنياهو من الحرب والسلام عبر الانتخابات المبكرة وبذلك يدخل ترامب الانتخابات الرئاسية بسياسة انكفائية بعد فشل إدارته بالسياسة الخارجية.

سيبقى الحدث التركي لأيام طويلة يتصدر الاهتمامات السياسية والإعلامية في المنطقة والعالم بما هو الحدث الأكبر والذي لا يمكن تجاوزه إلا بحدث اكبر منه يعيد التوازنات الإقليمية والعربية والدولية، التي كانت سائدة قبل أحداث أرامكو، والاجتياح التركي للشمال السوري يشكل عملية تحد ومواجهة مع المجموعة العربية المناهضة للتوجه التركي القومي والحاضن للإسلام السياسي في المنطقة العربية، وأردوغان كان واضحا باستهداف السعودية ومصر بالذات بما هما الدولتين العربيتين الكبيرتين في منطقة جنوب غرب آسيا وهي تركيا وايران وإسرائيل ومصر والسعودية.

واليوم، يعقد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري لجامعة الدول العربية بدعوة من مصر، ويصادف هذا الاجتماع عشية الذكرى الخامسة والسبعين للتوقيع على بروتوكول الإسكندرية، المؤسس لجامعة الدول العربية في ٧ تشرين الأول ١٩٤٤، والغاية من اجتماع الجامعة هي مواجهة عملية الاحتلال التركي لسوريا في حين أن الشعب السوري يواجه منذ سنوات عملية ممنهجة لتشريده وتمزيق وحدته وهويته العربية، وتأتي الدعوة المصرية نتيجة ادراك خطورة اللحظة الراهنة وتحدياتها الوجودية والسياسية والفكرية وأهمية تحقيق إنجازات جدية وعملانية تنقذ وظيفة منظومة الجامعة العربية التي أصبحت تعاني من الشلل التام أو الموت السريري بسبب عدم وجود دول قاطرة للعمل العربي المشترك أو نخبة نهضوية قادرة على إدراك تحديات الواقع العربي الراهن والمأساوي ومؤمنة بأهمية المبادرات الهادفة لتجديد وتطوير أسس وآليات منظومات التكامل العربي، وأتمنى ألا نشهد هذا المساء موت الفكرة العربية.