بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الثاني 2017 12:18ص موقف بريطاني صادم للأصدقاء العرب وغيرهم

حجم الخط

لقيت تيريزا ماي بعدما تسلمت رئاسة الحكومة البريطانية من الرأي العام العربي عموماً ومِن قادة دول الخليج في شكل خاص ترحيباً وإهتماماً، حتى أنها كانت ضيفة شرف في القمة الخليجية في البحرين يوم الثلاثاء 6 كانون الأول 2016 وكان يمكن أن تحظى بالإستضافة الشرَفية هذه في الكويت إذا نجح السعي الكويتي لعقد القمة، وهو أمر ما زال في عِلْم الغيب من دون أن يعني ذلك فقدان الأمل في إنحسار التحفظات الناشئة عن أزمة قطر.
وهذا الإهتمام والترحيب أن ترؤس تيريزا ماي للحكومة جاء في وقت إقتراب مئوية الوِزْر الذي لا يغفر العرب لبريطانيا القرن الذي مضى إرتكابه والمتمثل ڊ«وعد بلفور» وأن هذه السيدة المتربعة على كرسي الرئاسة البريطانية تبدو أقل تصلباً من نظيرتها مارغريت تاتشر وتتفهم الأماني العربية عكس تاتشر الحديدية التي من «مآثرها» ليس فقط عدم الأخذ بما تمناه عليها الملك عبدالله بن عبد العزيز عندما زار بريطانيا عام 1988 وكان ما زال ولياً للعهد وأطلق منها قوْلة الحق مخاطباً تاتشر«إن وعْد بلفور عار يجب على الجيل الحالي في بريطانيا أن يصححه» وإنما شاركت الرئيس جورج بوش الأب حرباً متعمدة ضد العراق.
رحلت تاتشر وبقي الوِزْر قائماً. ثم تعاقب قبل تيريزا ماي ثلاثة رؤساء حكومة (براون. بلير. كامرون)، من دون أن يتفهم أي منهم الأماني العربية وهي السعي الجدي والمخلص لقيام دولة فلسطينية على حدود الخامس من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وهذا ما إنتهى قراراً يحمل تواقيع القادة المشاركين في القمة العربية الدورية في بيروت عام 2002.
من دون مبرر إتخذت تيريزا ماي موقفاً لا نظنه يخدم سعيها لولاية رئاسية جديدة، كما أنه لا يخفف من التداعيات الناشئة عن فكْ إرتباط بريطانيا بالإتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه يصدم الأصدقاء العرب الذين إفترضوا أنها سترد على الإهتمام النوعي بها، بمواقف تساعد في حل قضايا عالقة وبالذات الموضوع الفلسطيني متوقعين ذلك في ضوء الحراك النوعي الذي قام به الجانب الفلسطيني مع الإدارة الأميركية مدعوماً من المملكة العربية السعودية ومصر، والخطوات التي تحققت على طريق القبول للسلطة الوطنية الفلسطينية في منظمات أممية. ثم أخيراً الخطوة النوعية على طريق المصالحة وبما ينسجم ذلك مع المبادرة العربية للسلام. وإذا جاز التحديد فإن الأصدقاء العرب رأوا كما غيرهم في معظم دول العالم أن إعادة نظر من جانب الحكومة البريطانية في سبب العلة أي إعتبار«وعد بلفور» الذي على أساسه تم إغتصاب الوطن الفلسطيني، من شأنها إفساح المجال أمام المزيد من التوافق الفلسطيني - الإسرائيلي والذي لا يلقى ممانعة عربية، على حسْم الصراع وإقامة الدولتيْن.
هذا ما كان مأمولاً من الحكومة البريطانية القيام به، خصوصاً أن الوعد العلة مضى عليه قرابة مئة سنة وبات جائزاً إعتباره من سياسات الماضي التي يجب طيْ صفحتها تماماً كما حصل من جانب بريطانيا الماضي مع الهند ومصر والسودان وغيرها من الدول.
بدلاً من ذلك فاجأت رئيسة الحكومة البريطانية الأصدقاء العرب وكذلك الحكومات والهيئات المتفهمة للموضوع الفلسطيني، بأنها بدل إعادة النظر سجلت موقفاً بالغ السوء تَمثَّل بقولها أمام مجلس العموم يوم الخميس الماضي (26 تشرين الأول 2017) رداً على سؤال أحد النواب «إننا نشعر بالفخر للدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل ونحن بالتأكيد سنحتفل بالذكرى المئوية لوعد بلفور...». وعندما تنبهت إلى إرتفاع منسوب الإستفزاز في ما قالته أضافت مستدركةً «لكن أيضاً علينا فهْم الشعور السائد لدى بعض الناس بسبب وعد بلفور ونعترف أن هناك مزيداً من العمل يجب القيام به...».
لو أن المزيد من العمل هذا حدث من قبْل لكان ربما كان هنالك بعض التفهم لهذه الإحتفالية التي هي ليست على الإطلاق مصدر فخر لبريطانيا. 
قد يقال إن بعض المسؤولين الفلسطينيين إستفزوا الحكومة البريطانية بكثرة مطالبتهم إياها بالإعتذار، كما أن الرئيس محمود عباس أحرج تريزا ماي عندما طالب مِن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها قبل أسابيع(أيلول 2017) بريطانيا بالإعتذار وتحمُّل المسؤولية. ومن هنا جاء الكلام الخشن من جانب رئيسة الحكومة البريطانية التي بدت في ما صدر عنها (أي الإفتخار بوعد بلفور والإحتفال بمئويته) كأنما تريد القول وعلى الملأ للرئيس عباس ما معناه إنه كان من الأفضل أن يقول الذي قاله في مكتبها في «10 داوننغ ستريت» وليس مِن على منبر الجمعية العامة، لكنه بما فعل أحرجها فأخرجها.
عسى ولعل يتم في ما هو آتٍ ما حدث في ما فات. والله يغفر لمَن يسيء التصرف قولاً ويعنيه فعلاً إذا أراد التصحيح. والكلام هذا برسم الرئيسة تريزا التي صدمت الأصدقاء العرب أشد صدمة.