بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الثاني 2024 12:09ص نحو عدالة دولية حقيقية

حجم الخط
اعتادت الأسرة الدولية بعد كل حدث جلل يعصف بالأرض وسكانها على دراسة هذا الحدث لمعرفة اسبابه واستخلاص العبر من نتائجه توصلا الى حلول تمنع من تكراره حفاظا على الجنس البشري.
هذا ما فعلته هذه الأسرة بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى. والتي تبين لها ان الأسباب الرئيسية لتلك الحرب الطاحنة التي اودت بحياة الملايين من البشر كانت النزعة التوسعية لدى بعض الدول الكبرى والقوية ولدى قادتها ما انتج قهرا للشعوب الضعيفة. ولهذا استنبطت حلا اعتبرته انقاذيا يجنب البشرية حربا مماثلة. فكانت ان اوجدت اول منظمة دولية للحفاظ على السلم الدولي هي «عصبة الأمم».
لقد ترتب على استنباط هذا الحل اعادة رسم الحدود بين الدول وسلخ اراضٍ وضم اخرى وخلق كيانات جديدة. كما شجعت على تطور الصناعة والتجارة ليعم السلام الإقتصادي.
لكن هذه الحلول لم تكن على مستوى الآمال لأن النزعة التوسعية لدى البشر والأنانية واحتكار السلطة بالمفهوم السياسي والإقتصادي ساهمت كلها بإفشال كل الطموحات ما ادى الى نشوب الحرب العالمية الثانية التي لا تختلف أسبابها ومناخها العام عن اسباب الحرب الأولى. 
ومثلما تعاطت الأسرة الدولية مع احداث الحرب الأولى ونتائجها تعاطت مع اسباب ونتائج الحرب الثانية آخذة بالإعتبار ان شعوب الأرض صارت اكثر وعيا ومع ذلك اعيد رسم خارطة للكرة الأرضية، واقتسمت الدول المنتصرة في الحرب فيما بينها اراضي وكيانات جديدة غالبا ما كانت تتصف بعدم الإنسجام فيما بينها وفرضت هيمنتها على الأقسام الداخلة تحت سيطرتها.
لذلك برزت الى الوجود حرب من نوع آخر جديد هي «الحرب الباردة» بين حلفاء الأمس، ثم تسابقت هذه الدول على انتاج السلاح النووي الذي استعمل بالفعل وظهرت آثاره المدمرة ما ادى الى خلق توازن جديد يقوم على توازن الرعب. 
وبدلا من ان تتسابق الدول المنتصرة على تكريس السلام ومنع الحروب ذهبت الى التوسع في انتاج  السلاح النووي وضم المزيد من اراضي الدول الصغرى بحيث نتج عن ذلك مؤسسة دولية جديدة هي «النادي النووي».
وعلى خط موازٍ اجتهدت بعض الفعاليات الدولية للعمل على تنظيم الإتفاقات والمعاهدات الدولية التي تهدف الى منع الحرب وترسيخ السلام والأمن الدوليين. فكانت منظمة دولية جديدة بما فيها مجلس الأمن الدولي أُنشئت على انقاض عصبة الأمم لتحقيق طموحات البشرية السلمية وهي منظمة الأمم المتحدة.
لكن بدا واضحا ان الأسرة الدولية لم تتفق على قواعد صارمة لمنع الحروب وانما اكتفت في بعض الأحوال على تنظيم الحرب فكانت قوانين مثل قانون الحرب.
لكن عجز المجتمع الدولي كان واضحا من خلال عجزه عن صياغة قواعد حقيقية لتوفير القوة اللازمة لحماية الإجراءات التي تتخذها الأدوات الدولية بحيث بقيت هذه الإجراءات غير فعالة اذ كان ولا يزال من السهل خرقها وتقويض نتائجها.
ان الأمثلة على ضعف القرارت الدولية عديدة لعل اهمها حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الذي يحول دون صدور قرارات حاسمة. يضاف الى ذلك ان قرارات هذا المجلس التي تصدر لا تتمتع بحماية دولية تجعل تنفيذها امرا واقعا. ويضاف الى ذلك ان قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة ليست لها اكثر من قيمة معنوية.
وهكذا فإن الجهد الدولي والقرارات التي تصدر تبعا له لم تعد اكثر من امنيات واحلام ليس ثمة قوة تجعلها حقيقة واقعة. 
لذلك اذا اردنا قرارات ذات قيمة تنفيذية يجب الغاء حق النقض في مجلس الأمن واستبداله بقرار بالأكثرية شريطة ان تكون هذه القرارات صادرة تحت بند الفصل السابع من الميثاق ما يستدعي تكوين قوة دولية دائمة مستقلة ومحايدة تتولى الإشراف على تنفيذ القرارات الدولية.

* مدعي عام التمييز سابقاً