بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 نيسان 2020 12:20ص وضع الرؤية الإنقاذية المطلوبة أو الاستقالة

حجم الخط
لا تجد في الحديث عن اداء الحكومة في مقاربتها لحل الأزمة المالية والاقتصادية أي كلام أفضل وأعمق مما قاله ابن خلدون في مقدمته عن السياسة والملك «هي كفالة للخلق، وخلافة لله في العباد لتنفيذ احكامه فيهم؛ واحكام البشر إنما هي من الجهل والشيطان بخلاف قدرة الله؛ فإنه فاعل للخير والشر معاً». وبالفعل يمكن توصيف مضمون الخطة الانقاذية التي سربتها وكالة «رويترز» قبل أيام، والتي أثارت ردود فعل رافضة وغاضبة بأنها ضرب «من الجهل وعمل الشيطان»، حيث ان الإصرار على اقتطاع نسبة من اموال المودعين سيؤدي حتماً الى الاضرار بالمصارف وبالتالي تقييد النظام الاقتصادي الحر وخراب البلد.

يبدو أن الحكومة جاهلة ومترددة، ولا تملك أية رؤية واقعية لحل الازمة، بالاضافة الى انها لا تقرأ، حيث اثبتت بأنها عاجزة عن مراجعة السبل والحلول التي اعتمدتها بعض الدول وعلى رأسها اليونان في مقاربة حل ازمة الديون المتراكمة، والتي بلغت في الحالة اليونانية 318 ملياراً، والتي لجأت ثلاث مرات متتالية لطلب مساعدة صندوق النقد الدولي ما بين عامي 2009 و2015. صحيح ان الحكومة اليونانية قد لجأت الى موجودات المودعين، ولكن مقابل اسهم قدمتها لهم في صندوق سيادي مضمون انشأته برأسمال واضح ضم ممتلكات الدولة وبشراكة ما بين القطاعين العام والخاص.

لم تجد حكومة حسان دياب من وسيلة لإطفاء الخسائر التي منيت بها الدولة عبر ما يقارب ثلاثة عقود سوى مصادرة اموال المودعين والمصارف ووضع اليد عليها، بدل البحث من مخرج من خلال طلب مساعدات مالية وقروض طويلة الأمد يقدمها صندوق النقد الدولي. وكان اللافت انه بنتيجة حجم المعارضة الداخلية لهذا الخيار الوارد في المسودة «الانقاذية» المسرّبة، والتي شارك في وضعها عدد من الوزراء والمستشارين وبمساعدة مباشرة من شركة «لازارد»، فقد عمد رئيس الحكومة الى التبرؤ منها، متراجعاً عن التصريح الذي ادلى به لوسائل الإعلام بعد جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي والذي اعترف فيه بأن الاقتطاع سيشمل نسبة عشرة بالمائة من المودعين. والموقف المستجد لرئيس الحكومة بالتهرب من مضمون الخطة المسربة يؤشر إلى مدى تردّد وعجز الحكومة عن وضع خطة إنقاذية واقعية بعيداً عن نهب اموال الناس، والتسبب بهجرة قسرية جديدة، للبنانيين وللمستثمرين العرب، حيث لن يكون من السهل استعادة الثقة بالنظام المصرفي اللبناني لعقد أو عقدين مقبلين.

إن الرئيس دياب ووزراءه مطالبون بالبحث عن رؤية واقعية للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية، وبالتالي إثبات انهم الخبراء والتكنوقراط القادرون على تقديم الآليات والتحفيزات اللازمة لإعادة الرسملة المطلوبة للدولة والمصارف من خلال ضبط المالية العامة واستعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها داخلياً وخارجياً، وفي حال فشلهم في وضع مثل هذه الرؤية العملية الشاملة فإن عليهم الاعتراف بفشلهم وبعدم كفاءتهم للمهمة التي انتدبوا من اجلها.

في رأينا، يمكن للحكومة اذا تحررت من كل الإلزامات السياسية المفروضة عليها من قبل القوى السياسية المشاركة فيها ان تنطلق من جديد في اجراء عملية تقييم للمراحل والاسباب التي تسببت بتراكم الدين العام والذي بات يقارب مئة مليار دولار، والخروج بالتالي برؤية شاملة، مع جدول اولويات متدرج لما يمكن عمله من اجل اعادة رسملة الخزينة والمصارف. ويمكن ان تشمل مثل هذه الرؤية والأولويات الخطوات الآتية:

أولاً: العمل على استعادة اموال المصارف والأموال الخاصة التي هربت الى خارج لبنان والتي تبلغ ما بين سبعة الى ثمانية مليارات دولار والتي يعتبر وزير المالية غازي وزني امر استعادتها كأولوية لتأمين السيولة المالية للبلد.

ثانياً: إصلاح الموازنة العامة وتخفيض كل ابواب الهدر، لا بل اقفالها ووضع موازنات لثلاث سنوات متتالية، كخطوة اساسية لاستعادة الثقة بقدرة وتوجه الحكومة على التوصل الى عجز صفر وبالتالي إظهار نيّة وقدرة الدولة على سداد ديونها في المستقبل.

ثالثاً: إعادة هيكلة الدولة وترشيقها، وتنشيط جميع مؤسسات الرقابة، والتخلص من فائض الموظفين، وتعميم الحكومة الالكترونية على جميع مؤسسات وإدارات الدولة، كخطوة أساسية على طريق تفعيل المعاملات ومنع الرشوة والفساد. ولا بد من العمل على إقفال كل الصناديق وإلغاء الإدارات غير اللازمة.

رابعاً: إعادة هيكلة الدين العام من خلال الاستعانة بصندوق النقد الدولي والحصول على دعمه المالي وضمانته للرسملة ولضمان مسار خطة الهيكلة، وذلك من خلال الالتزام بالشروط الإصلاحية التي ينصح بها الصندوق.

خامساً: العمل على استعادة الأموال المنهوبة من خلال تحقيق استقلالية القضاء وتفعيله، وتشريع القوانين اللازمة لتخفيف هذه الغاية.

سادساً: تكليف شركة دولية لتدقيق كل حسابات مصرف لبنان والإدارات الرئيسية المهمة كخطوة اساسية على جمع المعلومات عن الاموال المهدورة او المنهوبة وتحديد الجهات المسؤولة عنها.

سابعاً: انشاء صندوق سيادي، يتشكل رأسماله من بعض قطاعات الدولة واملاكها، واصدار اسهم يمكن تمليكها للمؤسسات وللافراد، ومن ابرز هذه القطاعات: المواصلات، والكهرباء، والموانئ، والمطارات المدنية وكازينو لبنان، وشركة طيران الميدل ايست، وما تبقى من «تركة انترا» على أن يجري تشغيل هذه المرافق بشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، وذلك على غرار التجربة اليونانية.

ثامناً: الدعوة لحوار وطني برعاية رئيس الجمهورية من اجل سد كل الثغرات في نظام الطائف من اجل تفعيل عمل مؤسسات الدولة الاساسية، والبحث في وضع استراتيجية دفاعية تستبعد الدولة من خلالها كامل سيادتها، وبما يؤهلها لاستعادة موقعها ودورها داخلياً وعربياً ودولياً.

تقضي الضرورة البدء فعلياً لا بل تسريع إصلاح وضع الدولة وتفعيل عملها بدءاً من تأمين استقلالية القضاء، واطلاق التشكيلات التي وضعها مجلس القضاء الاعلى وتسريع عملية التعيينات المالية والادارية اللازمة.

سيؤدي وضع مثل هكذا رؤية إنقاذية والبدء بتنفيذها الى استعادة ثقة اصدقاء لبنان العرب والاجانب، وحثهم على تقديم كل الدعم والمساعدات المطلوبة للنهوض.