بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الأول 2019 06:00ص أسبوع التأجيل: فسحة للتفاهم أو توسيع التفاقم؟!

الخطيب ينسحب من البازار .. وعودة يتّهم نصرالله بالتفرّد في البلد وقبلان ورعد يردّان

عودة الحشود إلى محيط ساحة النجمة ليل أمس احتجاجاً على طريقة تشكيل الحكومة (تصوير: جمال الشمعة) عودة الحشود إلى محيط ساحة النجمة ليل أمس احتجاجاً على طريقة تشكيل الحكومة (تصوير: جمال الشمعة)
حجم الخط
المسألة أبعد من تأجيل الاستشارات النيابية إلى الاثنين المقبل، أو انسحاب المرشح سمير الخطيب أو تسمية هذه الشخصية أو تلك، فهي تتعلق بالتداعيات الخطيرة لمؤشرات الخلافات حول الخيارات، وهي تتجاوز في نتائجها مسألة حتى المطالب، والوضع الاقتصادي الصعب، والذي يتوقع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل ان «لبنان إذا استمر على هذا المنوال، لن يتمكن من الصمود طويلاً، وتعد له فوضى لن تكون خلاقة بل مدمرة».

في الوقت هذا، دخل حزب الله في خضم الأزمة عبر الاشتباك الكلامي بين متروبوليت بيروت للطائفة الأرثوذكسية المطران الياس عودة وكل من المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد، الذي اعتبر كلام عودة عن السيّد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله والمقاومة بأنه ليس بريئاً ومن يقوله ليس بريئاً.

الأهم في موقف رعد انه يلمح إلى رفض حزب الله تمثيل الحراك، لأن الهدف الضغط على المقاومة، وهو تجاوز لاتفاق الطائف.

على ان الأهم، في ضوء تأجيل الاستشارات اسبوعاً تعويم صيغة ما قبل الخطيب، والتي تقوم على الركائز الأربع التالية:

1 - تأليف حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري بعدما استقر رأي الطائفة السنية على ذلك.

2 - ان تكون الحكومة من 24 وزيراً.

3 - يكون أربعة من هؤلاء وزراء دولة، يمثلون جهات سياسية، لكن من دون شخصيات «فاقعة» أو مكشوفة الانتماء.

4 - ان يمثل الحراك بثلاثة وزراء، وقد تمّ الاتصال بثلاثة من النشطاء في الشارع، لتمثيل الحراك، بشخصيات لا شبهة حولها من جهة الانتماءات أو العلاقات مع السفارات.

وتوقع مصدر واسع الاطلاع، ان تتكثف الاتصالات لتوفير ارضية تفاهم، تسمح بالاسراع بالتفاهم على الصيغة الحكومية، لجهة الوزراء والشخصيات، قبل الاثنين المقبل.

اعتذار الخطيب

ووفق ما كان مرتقباً، أعلن المرشح لرئاسة الحكومة المهندس سمير الخطيب، اعتذاره عن اكمال المشوار الذي رشح من أجله، وذلك بعد زيارة لدار الفتوى، استتبعها بزيارة ثانية لـ«بيت الوسط» حيث اطلع الرئيس سعد الحريري على الموقف الذي تبلغه من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، والذي يؤيد إعادة تسمية الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة.

وأعاد انسحاب الخطيب من السياق الحكومي اسوة بما حصل مع غيره من المرشحين، خلط الأوراق والمعطيات، لكنه هذه المرة حشر الجميع في الزاوية الحادّة، خصوصاً وان الإعلان عن هذه الخطوة جاء عشية الاستشارات النيابية الملزمة التي كان مقرراً اجراؤها اليوم في قصر بعبدا، الأمر الذي اقتضى اجراء مشاورات سريعة بين الرئيس ميشال عون وكل من الرئيسين نبيه برّي والحريري، انتهت ليلاً إلى إعلان تأجيل هذه الاستشارات اسبوعاً، بهدف إفساح المجال امام مزيد من الاتصالات، لمعرفة ما إذا كان الرئيس الحريري سيرضى بالنزول عند رغبة دار الفتوى للترشح مجدداً لرئاسة الحكومة بعدما كان مصراً على موقفه المعلن: «ليس أنا بل أحد غيري»، ووفق أية شروط يمكن ان يقبل بها للعودة، فضلاً عن استطلاع آراء بقية الكتل النيابية، ولا سيما تكتل «لبنان القوي» الذي كان تردّد انه قد لا يسمي الخطيب بسبب خلافه مع الحريري على تشكيلة الحكومة، ما يعني خلافاً أيضاً مع الخطيب على شكل الحكومة وتوزيع الحقائب.


المهندس الخطيب يعلن انسحابه من إكمال المهمة بعد لقائه الرئيس الحريري في «بيت  الوسط»  نزولاً عند رغبة دار الفتوى (تصوير: محمود يوسف)


وفي كل الأحوال، فقد بات من الصعب ان تعود الأمور إلى الوراء بعد ان عادت إلى نقطة الصفر، وبات الحريري الوحيد في الساحة الذي يحظى بالغطاء الطائفي والدعم السياسي، وان بقي الشارع متردداً بين القبول به أو رفضه مجدداً، في سياق رفعه شعار: «كلن يعني كلن بمن فيهم الحريري»، لكن المشكلة ان تكليف الحريري يعني ان أزمة التأليف ستعود إلى النقطة صفر، أي حكومة تكنوقراط غير مطعمة بسياسيين، أو ان يعود الحريري فيعود معه الوزير جبران باسيل؟ أو يقبل الحريري بحكومة تكنوقراط مطعمة بسياسيين، وليس حكومة سياسيين مطعمة بتكنوقراط، وهذا يعني احتمالاً من اثنين:

اما يحصل تكليف للحريري ويتعذر أو يتأخر التأليف نتيجة الخلاف على تشكيل الحكومة، أو لا يحصل تكليف الحريري بل شخصية أخرى غيره، وهذا يعني انه أياً كان المكلف سيعيد تجربة الرئيس نجيب ميقاتي بعدم وجود غطاء سني وسياسي واسع له، ومع ذلك استمرت حكومته قرابة سنة ونصف السنة.

وثمة من يذهب للتشاؤم أكثر ليقول: ان الأزمة طويلة وقد لا يخرج منها لبنان قريباً في المدى المنظور، ما يعني دخول البلاد في الفراغ، أو في «الفوضى غير الخلاقة» على حدّ تعبير وزير الخارجية جبران باسيل، الذي «توقع ان لا يتمكن لبنان من الصمود طويلاً إذا استمر على هذا المنوال».

وقال باسيل في تصريحات لـ«فرانس 24» امس الأوّل، ان «لبنان مهدد في حال استمرت التوترات الحالية بالوقوع في فوضى لن تكون خلاقة بل ستكون مدمرة».

وأضاف «إذا لم نتدارك أنفسنا بالإصلاحات المطلوبة وبحماية البلد من التدخلات.. قد نكون أمام باب التدهور المالي والاقتصادي الذي يوصلنا إلى حالة من اللااستقرار المعيشية والاجتماعية وللأسف قد تتطور إلى أكثر من ذلك».

تأجيل الاستشارات اسبوعاً

في كل الأحوال، فإن المشاورات السريعة التي جرت مساء أمس، في أعقاب اعتذار الخطيب عن ان يكون مرشحاً للتكليف، أظهرت رغبة الكتل النيابية في تأجيل الاستشارات الملزمة اسبوعاً، لاجراء اتصالات في ما بين هذه الكتل، حول احتمال عودة الحريري، أو تسمية أحد غيره، وهو ما ألمح إليه بيان التأجيل الذي صدر قرابة العاشرة عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، وفيه: «في ضوء التطورات المستجدة في الشأن الحكومي، ولاسيما ما طرأ منها بعد ظهر اليوم، وبناء على رغبة وطلب معظم الكتل النيابية الكبرى من مختلف الاتجاهات، وافساحا في المجال امام المزيد من المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية المختلفة  ومع الشخصيات المحتملة تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة، قرر فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة التي كانت مقررة غدا الاثنين 9 كانون الاول 2019 الى يوم الاثنين 16 كانون الاول الجاري وفق التوقيت والبرنامج والمواعيد التي نشرت سابقا».

وأوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» انه كان هناك توقع بما حصل في الموضوع الحكومي لجهة وجود «افخاخ» مشيرة الى اتصالات تمت مع القصر الجمهوري لتاجيل الاستشارات وافيد انها تمحورت مع عين التينة وبيت الوسط.

واعلنت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية لـ«اللواء» انه بعد كل ما جرى لم يكن الرئيس عون يوما محبذا التأجيل في التكليف او التأليف قبل التكليف وتأبيد تصريف الأعمال، واملت ان يكون قد ادرك الشعب اللبناني من يحدد ومن يرجىء.

وفهم من المصادر نفسها ان سلسلة اتصالات سياسية ستجري في الفترة الفاصلة عن الموعد الجديد للاستشارات في السادس عشر من كانون الاول المقبل وتتركز على الملف الحكومي برمته.

مجموعة الدعم

ولم تستبعد مصادر مطلعة، ان يكون تأجيل الاستشارات اسبوعاً، جاء لمعرفة نتائج اجتماع مجموعة الدعم الدولية الأربعاء المقبل، والتي قد يتمثل فيها لبنان بالرئيس الحريري، الذي سيقدم شرحاً حول الوضع اللبناني بما يؤمن الدعم المطلوب في هذا الظرف، وهو كان واصل بذل جهوده لمعالجة النقص في السيولة، وتأمين مسلتزمات الاستيراد الأساسية للمواطنين، عبر توجيه المزيد من الرسائل إلى رؤساء ووزراء ومسؤولي عدد من الدول الصديقة، شملت أمس الأوّل كلاً من المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون واسبانيا بيدرو سانشيز.

وذكرت مصادر مطلعة ان الدعوة التي تسلمها الأمين العام للخارجية السفير هاني شميطلي من نظيره الفرنسي عبر السفير الفرنسي في بيروت، لاجتماع مجموعة الدعم الدولي في باريس في 11 الجاري، موجهة للبنان. فمجموعة الدعم تأمل أن تكون المشاركة اللبنانية فاعلة ومكونة من مسؤولين يمثلون مركز القرار كما ويتمتعون بتفويض كافٍ يخوّلهم التفاعل والتجاوب مع باقي الأعضاء المشاركين بالإجتماع، خصوصا أنه سيصدر في الختام بيان يحدد التوجه في الفترة المقبلة.

ولفتت المصادر إلى دقة توقيت هذا الإجتماع الذي يتزامن مع سعي لبنان لتأليف حكومة توحي بالثقة داخليا أو خارجيا، معتبرة أنه يبرز اهتمام مجموعة الدعم بوضع حد للتدهور الحاصل في لبنان.

إشارة إلى أن هذا الإجتماع الذي سيعقد في وزارة الخارجية الفرنسية وسيترأسه الأمين العام للخارجية الفرنسية، دعيت إليه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية، ألمانيا، إيطاليا، مصر، ونظرا لأهمية ودقة التوقيت دعيت أيضا السعودية والإمارات. ومع أن المجموعة لم تتلقّ بعد جوابا من المملكة العربية السعودية والإمارات حول الحضور أو عدمه، لكنّ المصادر أشارت إلى أن الأجواء إيجابية.

الكتل والحراك

إلى ذلك لفت الانتباه ان الكتل النيابية لم تكن مستعجلة لتحديد موقفها في الاستشارات، ربما لأنها كانت تتوقع مفاجأة اعتذار الخطيب، إذ لم ترد معلومات عن اجتماع كتلة نيابية، وحتى إعلان كتلة «اللقاء الديموقراطي» عن مقاطعة الاستشارات، جاء في تغريدة عبر «تويتر» لرئيس اللقاء النائب تيمور جنبلاط، فيما أعلن رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل رفضه تأجيل الاستشارات، وانتقد «اللقاء التشاوري» الذي يضم مجموعة من النواب السنَّة من خارج «المستقبل» ان مصادرة المرجعيات الدينية للحياة السياسية في البلاد ينهي دور المؤسسات الدستورية، في إشارة ضمنية، إلى الموقف الذي صدر عن دار الفتوى وأنهى مسألة ترشيح الخطيب لرئاسة الحكومة.

اما الحراك المدني الذي كان يتهيأ للقيام بسلسلة خطوات لمنع وصول النواب إلى قصر بعبدا اليوم، فقد بدا واضحاً انه لم يتخذ أي موقف في هذا الصدد، بسبب انقسام الآراء داخل مجموعاته إلى فريقين، فريق يميل إلى قطع الطرقات على النواب، ويتركز في المناطق خارج العاصمة، حيث أعلن الحراك في  طرابلس عن تنفيذ إضراب عام اليوم مع قطع الطرق ابتداء من الرابعة فجراً، ودعمه الحراك في عكار في حين أعلن حراك صيدا انه لن يقطع الطرق، وانه سيتخذ الموقف في ضوء ما سينجم عن الاستشارات.

أم الفريق الآخر، فقد كان من رأيه التوجه والاعتصام امام مجلس النواب في ساحة النجمة، ولهذا الغرض، حاولت مجموعة حزبية من الحراك التسلل إلى ساحة المجلس، عبر البوابة الحديدية التابعة لكنيسة مار جاورجيوس، مستغلة احياء الذكرى الرابعة عشرة لاستشهاد جبران تويني، لكن حرس المجلس تنبه للمحاولة ومنع أفراد المجموعة من الوصول إلى الساحة.

ولاحقاً، سجل تدافع بين المتظاهرين والقوى الأمنية، عند مدخل ساحة النجمة لناحية أسواق بيروت، مع تزايد اعداد المتظاهرين الذين حاولوا الوصول إلى مبنى المجلس، وهم يهتفون: «توت.. توت.. عالمجلس بدنا نفوت»، وهتف آخرون تجمعوا امام أحد مداخل «بيت الوسط»: «ما رح ترجع حريري»، في حين انطلقت مسيرة دراجات  من منطقة الطريق الجديدة إلى دار الفتوى، أعلنت تأييد المشاركين ودعمهم لموقف المفتي دريان والرئيس الحريري.

ومن جهته، دعا حزب «سبعة» في بيان إلى التظاهر الضاغط والدائم امام القصر الجمهوري ومجلس النواب والسراي، معتبرا انه حان وقف التصعيد السلمي على كل الصعد وتسريع الأحداث، فالوطن لم يعد يحتمل المماطلة».

وأعلن انه لن يتوقف قبل تشكيل حكومة حيادية انتقالية وتحديد موعد لانتخابات نيابية مبكرة من أجل تغيير مجلس النواب، داعيا إلى «الانتقال من مرحلة التحركات الرمزية إلى مرحلة المقاومة المدنية بكل ما للكلمة من معنى».

سجال عودة- «حزب الله»

وبعيداً عن مسألة الحكومة والحراك، اندلع سجال يخشى ان تكون له تداعيات، على هامش القدّاس بذكرى تويني، حيث سأل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، في عظته: «هل نعيش في جمهورية اصنام أم دمى؟

وقال في إشارة واضحة إلى «حزب الله» وامينه العام السيّد حسن نصر الله، «ان هذا البلد يحكم من شخص كلكم تعرفونه ومن جماعة تحكمنا بالسلاح، شخص يرجع الله ولا يرجع إلى الأعلى منه».

وسرعان ما رد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب ​محمد رعد، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان على المطران عوده، حيث رأى رعد «ان هناك من يطلع ليقول ان البلد يحكم من رجل واحد وبقوة السلاح مع احترامنا لهذا الرجل وحكمته ولأنه حكيم فهو لا يسمح لنفسه بحكم البلاد وفيها عقول ومكونات أخرى لكن هذا الكلام يصدر عمن يحاول ان يجهّل الاسباب الحقيقية للازمة ويحاول ان يعطي ويبرر استهداف المقاومة في لبنان وهذا الكلام ليس بريئاً ومن يقوله ليس بريئاً».

اما المفتي قبلان فقال في تصريح له «لبنان يمر بأدق مراحل تاريخه الحديث، وليس مسموحا لأحد أن يزيد النار تسعيرا، سواء أكان مطرانا أو شيخا، بل الواجب الديني والأخلاقي يفرض عليه أن يسهم في إطفائها».

وتوجه الى المطران عودة قائلا: «هذا الشخص وتلك الفئة حررت وقاومت وحمت وصانت وأعادت الحرية والسيادة والاستقلال لبلد كان محتلا ودولة كانت بين أنياب إبليس، حررت ولم تحكم، قدمت ولم تأخذ، أعطت لله وللوطن، قاومت وعينها على لبنان وليس على كراسيه.

ومن جهته، اعرب رئيس أساقفة القدس وفلسطين للروم الارثوذكس المطران عطاالله حنا، عن حزنه وصدمته من كلام عودة الذي وصفه بأنه «غير مبرر وغير مقبول ولا يمثلنا كمسيحيين. مشيراً إلى «ان الكنيسة ليست مكاناً للتحريض ولا الإساءة لأحد». والى ان السيّد نصر الله وحزب الله كان لهم دور في الدفاع عن الحضور المسيحي في سوريا وفي أكثر من موقع، وانه يرفض التطاول عليه وعلى الحزب.