بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 تشرين الأول 2019 06:00ص ليلة التظاهرات العاصفة: مَنْ يبادر إلى الإنقاذ قبل فوات الأوان؟

تباطؤ في إستشارات إعادة التكليف.. واحتكاكات دموية في عكّار والشمال

ساحة النور في طرابلس كما ظهرت ليل أمس حشود غفيرة من المواطنين، كأنها في يوم الثورة الأول (تصوير: حسام الحسن) ساحة النور في طرابلس كما ظهرت ليل أمس حشود غفيرة من المواطنين، كأنها في يوم الثورة الأول (تصوير: حسام الحسن)
حجم الخط
عصفت تظاهرات ما بعد المساء، والتي استمرت حتى ساعات الصباح الأولى، في طرابلس والشمال والبقاع الغربي والأوسط، مرورا بصيدا فضلاً عن العاصمة بيروت «بالتطورات الايجابية» التي عبرت عن نفسها، بانفراجات واضحة طوال النهار: من الإعلان عن فتح المدارس والجامعات إلى استئناف العمل في المصارف فضلاً عن تكليف الحكومة تصريف الأعمال، فضلاً عن انطلاق هادئ للاتصالات السياسية بحثاً عن مخارج.

وبدا ان الإسراع بإعادة تطبيع الوضع، وكأن شيئاً لم يكن لم يقنع مكونات الاحتجاج في مختلف المناطق، في حين بدا الإرباك سيّد الموقف، لجهة من سيبادر إلى الانقاذ، قبل فوات الأوان، ومن باب حكومة جديدة، من الصعب ان تكون مكوّنة من المكونات التي اوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، وسط حالة من تجدد الاحتقان، والاشتباكات التي وقعت ليلاً في عكار والعبدة، وارتفاع منسوب الشائعات، حيث سارعت قيادة الجيش إلى نفي كلام عن إعلان حالة الطوارئ.

بدا المشهد واضحاً ان التظاهرات العاصفة، تهدف إلى إعادة رسم الوقائع: فإما ان يخرج الجميع من السلطة، أو يعاد تكليف الرئيس الحريري، الأقدر على لملمة الوضع، كما أوضح نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي، بعد زيارة «بيت الوسط».

وكان المواطنون خرجوا ليلاً إلى التظاهر والتعبير عن تعاطفهم مع الرئيس سعد الحريري الذي سارع إلى دعوة النّاس إلى الخروج من الشارع.


مسيرة سيارة للدراجات النارية في بيروت ليلاً (تصوير: طلال سلمان)

انقلاب المشهد: عودة الحراك إلى الشارع

إذا كان الحراك الشعبي، الذي يقود انتفاضة 17 تشرين الأوّل، قد أظهر حسن نية تجاه السلطة القائمة، بقبول خروجه من الشارع، أو على الأقل إعادة فتح الطرقات الرئيسية بين المناطق، ولو تحت ضغط الجيش والقوى الأمنية، على أساس ان استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري شكلت انتصاراً لأحد مطالبه الرئيسية، وذلك بقصد إفساح المجال امام أرباب الحكم إعادة إنتاج حكومة حيادية أو تكنوقراط تتولى إدارة شؤون الحكم في هذه المرحلة ومحاسبة الفاسدين واعداد قانون انتخاب جديد لاجراء انتخابات نيابية مبكرة، فإن اللافت وربما المستغرب، كان في تباطؤ رئاسة الجمهورية في الدعوة إلى اجراء استشارات نيابية ملزمة لتكليف شخصية سياسية أو غير سياسية تشكيل الحكومة الجديدة، بعدما كانت تمهلت بإعلان قبول الاستقالة منذ لحظة تقديمها، وبالتالي تكليف الرئيس الحريري الاستمرار في تصريف الأعمال، بحسب منصوص الدستور اللبناني.

وإذا كانت الشكوك بنيات الحكم هي التي دفعت قيادات الانتفاضة، إلى إعطاء السلطة مهلة زمنية 48 ساعة، للخروج من الشارع، لمراقبة ما يمكن ان يحصل سياسياً، وارتضت فتح الطرقات، ولا سيما الاوتوسترادات الرئيسية على طول الخط الساحلي من صور جنوباً وحتى عكار شمالاً، على الرغم من رفض جزء من الحراك هذا الأمر معتبراً انه «غلطة كبيرة» فقد كان لافتاً للانتباه، انقلاب المشهد مساءً على ما كان عليه فمن هدوء صباحاً، حيث فتحت معظم الطرق والاوتوسترادات، باستثناء اوتوستراد الجنوب عند مفرق الجية، قبل ان يعاد فتحه عند السادسة غروباً.

واتخذ انقلاب المشهد طابع العودة إلى قطع الطرقات مساءً، بدءاً من جسر «الرينغ» حيث عاد المعتصمون الذين كانوا يتجمون في ساحة رياض الصلح، إلى نقطة الاعتصام قرب «برج الغزال» وقعطوا طريق الجسر المؤدية إلى الأشرفية، بعد ان اعادوا نصب الخيم إلى جانب الطريق تمهيداً لتمضية الليل هناك.

وفسرت عودة المعتصمين إلى قطع الطريق إلى انه جاء تضامناً مع زملائهم الذين تعرضوا للضرب من القوى الأمنية في كل من صيدا والعبدة في عكار، إضافة إلى أن ساحة النور في طرابلس بقيت على توهجها بعشرات الألوف من المتظاهرين الذين رفضوا الخروج من الساحة، وهتفوا بسقوط النظام ورحيل جميع المسؤولين عنه، وهو ما لحظه المتظاهرون بشعار «كلن يعني كلن» من دون استثناء أحد.


ليلاً: إعادة قطع جسر الرينغ في بيروت (تصوير: محمود يوسف)

صدامات في عكار وصيدا

وكانت السلمية والهدوء اللذان اتسم بهما نهار أمس، تعكرت ليلاً، في كل من عكار والبقاع وصيدا، حيث سجلت صدامات بين المتظاهرين والقوى الأمنية، لا سيما بعد ان نزل مناصرو تيّار «المستقبل» بدورهم إلى الشوارع، معلنين رفضهم ان يدفع الرئيس الحريري وحده ثمن الحراك والانتفاضة الشعبية، وهتفوا ضد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله.

وأفيد عن خروج تظاهرات في كل من سعدنايل وتعلبايا وبرالياس والمرج في البقاع، من دون ان يسجل أي اشكال مع القوة الأمنية،  فيما تطوّر الموقف في ساحة الاعتصام في صيدا، وسجل سقوط 3 اصابات بتدافع بين الجيش والمتظاهرين، بعد مسيرة جابت شوارع المدينة وصولا إلى ساحة ايليا.

كما تطوّر الموقف في ساحة العبدة في عكار بين المعتصمين والجيش الذي حاول إعادة فتح الطريق، ما اضطره إلى استخدام القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاط لتفريق المعتصمين الذين سجلت اصابات طفيفة في صفوفهم.

وأعاد الجيش كذلك فتح اوتوستراد شكا في الشمال على المسلكين بعدما اقدم مجهولون على اقفاله بالاطارات المشتعلة، فيما أعاد المتظاهرون قطع اوتوستراد طرابلس- المنية، عند نقطة البداوي بالاتجاهين، ومنع الجيش عدداً من المتظاهرين من اقفال الطريق العام عند جسر جل الديب.

وازاء تطوّر الأمور على نحو سلبي في المناطق، غرد الرئيس الحريري عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «مع تقديري لكل مشاعر التعاطف العفوية، اكرر الطلب إلى جمهور تيّار «المستقبل» ومناصريه الامتناع عن العراضات في الشوارع والتزام التعاون مع الجيش وقوى الأمن الداخلي».

وقال: «الحفاظ على الهدوء ومنع أي انزلاق إلى الاستفزازات مهمتنا جميعاً الآن».

يُشار إلى انه جابت في بيروت مسيرات على الدراجات النارية شوارع: قصقص، البربير، الطريق الجديدة وعائشة بكار مؤكدين دعمهم للحريري.

ماذا سيجري السبت والأحد؟

تزامناً، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي، دعوات للتظاهر والتواجد والانتشار حول مقر الرئاسة الثانية في عين التينة عصر يوم السبت المقبل في الثاني من تشرين الثاني المقبل، لكن المكتب الإعلامي للرئيس نبيه برّي وصف هذه الدعوات بأنها مدسوسة يراد منها الفتنة واغراق البلاد في مزيد من الفوضى.

ودعا بيان المكتب جميع الحركيين وانصار حركة «امل» إلى البقاء في قراهم ومنازلهم واعمالهم درءاً للفتنة، وتفويت الفرصة على الساعين لزعزعة استقرار لبنان.

وفي المقابل، ذكرت معلومات ان «التيار الوطني الحر» يخطط للنزول إلى الشارع قبل ظهر يوم الأحد المقبل، في مهرجان وتظاهرة يريد منها إعادة الاعتبار لشارعه وقوته.

وأفاد موقع «ليبانون فايلز» ان ما يخطط له التيار سيكون بمثابة انتفاضة أخرى، وان وجهة التظاهر ستكون القصر الجمهوري في بعبدا، دعماً للرئيس عون من أجل مكافحة الفساد وبناء دولة قوية.

ونفت قيادة الجيش في بيان ما تداولته بعض المواقع عن إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول في المناطق، ودعت المواطنين إلى عدم الانجرار وراء الشائعات والتأكد من صحة المعلومات.

وأعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ليلاً رفضه استغلال الشارع لأسباب غير التي رفعها الحراك، مؤكداً ادانته أي حراك آخر يريد سرقة الحراك وادخاله في لعبة السياسات الضيقة والانتهازية.

كذلك اعلن وزير التربية والتعليم العالي اكرم شهيب ليلاً، انه خلافاً لقرار فتح المدارس اليوم الخميس، يترك لمدير المدرسة دراسة الأوضاع المحيطة بمدرسته واتخاذ القرار على مسؤوليته، فتح المدرسة ومباشرة التدريس أو تمديد الاقفال حيث تدعو الحاجة.

مشاورات تشكيل الحكومة 

في هذا الوقت، تجري مشاورات بين القوى السياسية حول تشكيل الحكومة الجديدة، في محاولة للوصول الى توافق على رئيسها وشكلها وعدد وزرائها وعناوين برنامجها، بانتظار تحديد الرئيس ميشال عون موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف، وسط تضارب المعلومات حول رغبة الرئيس سعد  الحريري بقبول ترؤس حكومة، قيل ان  نصفها من التكنوقراط. فيما قالت مصادر رسمية ان الرئيس عون سيعتمد الاليات الدستورية في مثل هذه الحالات.

وكررت مصادر تكتل «لبنان القوي» القول: ان الرئيس الحريري لم ينسق في استقالته مع رئيس الجمهورية للاتفاق على الخيارات البديلة، «مع اننا وقفنا معه ووقف معه الرئيس بري و»حزب الله» والحلفاء الاخرون، لكنه فضّل هذا الخيار لا نعرف كيف ولأي سبب فعلي». 

وقالت: ان الاستقالة بهذا الشكل غير المنسّق مع رئيس الجمهورية امر مخالف للاعراف من جهة، ويؤخر عملية التوافق على حكومة بديلة ما يضع البلاد في حالة فراغ. واذا كان الحريري لم يعلن رسميا سقوط التسوية السياسية فهو اخرج نفسه منها، فبات لنا الحق بإعادة النظر في حساباتنا والتشاور مع الحلفاء للاتفاق على قرار موحد.

لكن مصادر نيابية متابعة قالت: انه من المبكر الحديث عن شكل الحكومة قبل التوافق على شخص رئيسها، وضمن اي تسوية سياسية جديدة تضمن ارضاء كل الاطراف، في ظل الشروط المطروحة المتممة لمطلب استقالة الحكومة وأبرزها اعداد قانون انتخابات نيابية جديدة واجراء انتخابات مبكرة، وهو الامر الذي ترفضه اغلبية القوى السياسية، ويتبناه بشكل اساسي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

وتشير المصادرالى ان تلبية شروط «القوات اللبنانية» والحزب الاشتراكي بتشكيل حكومة تكنوقراط، واشتراط استبعاد جبران باسيل عن اي حكومة جديدة بوجوه جديدة كما يطلب جنبلاط ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، امر ليس من السهل تلبيته، لأن ذلك يعني انتصاراً سياسياً لمعارضي العهد، ولن يقبل به بسهولة حلفاء العهد، إلا في حال حصول تسوية سياسية جديدة تُرضي الجميع وهو امر ليس متاحاً بهذه السهولة. 

وتفيد المعلومات ان «حزب الله» وحلفاءه لا زالوا يدرسون موضوع تشكيل الحكومة وظروف تشكيلها، فيما يركز الرئيس بري على سرعة الانتهاء من تشكيل الحكومة، بينما تقول مصادر موالية للحكم ان نظام لبنان البرلماني الديموقراطي التوافقي الميثاقي يجعل من تشكيل حكومة بشروط سياسية من قبل جهة سياسية واحدة امراً صعباً.

وتضيف المصادر: البعض يطرح تشكيل حكومة تكنوقراط وبرئاسة الحريري، ونحن لانمانع، لكن من سيُسمي الوزراء التكنوقراط ،هل الحريري بمفرده ام انه سيطلب رأي القوى السياسية لتسمية وزرائها التكنوقراط؟ وهل تحصل مثل هذه الحكومة على ثقة المجلس النيابي اذا اتفقت الأغلبية على رفض تشكيل مثل هذه الحكومة وقاطعت الاستشارات النيابية أو جلسة الثقة؟

وكانت بعض المصادر قد اشارت الى ان الرئيس الحريري «لا يسعى لرئاسة الحكومة ولكن إذا رست عليه سيتحمّل المسؤولية»، فيما نقل عنه زواره لـ«اللواء»، انه «اجرى معهم تقييما واسعا للمرحلة الماضية سياسيا وحكوميا، ولماجرى في الشارع خاصة بعد تزايد الاشكالات الامنية ووصول اللهيب الى طرابلس، وانه كان ضنينا بأمن الناس ورأى انه لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع، فقرر الاستقالة، وان اي كلام آخرعن سبب استقالته لا اساس له من الصحة». 

ولمس زوار الحريري «انه مستعد لتحمل المسؤولية الوطنية، وهو يتمنى الخير للبلد ولرئيس الجمهورية».

وحول ما يُقال عن شكل الحكومة تكنوقراط او سياسية او مطعمة، قال الزوار: ان هذا الامر تفصيلي ويتم في ساعته اي ان التخريجة تتم عندما يتم تكليف رئيس الحكومة، وقالوا: هل يمكن تكليف شخص غير الحريري الان في هذا الظرف وهوركن من اركان الوحدة الوطنية ومن اركان مناعة البلد بوجه  التهديدات الخارجية؟ وهل يمكن اخراج المكون السني الاساسي من المعادلة؟ 

وقالوا: الاعتقاد ان الاغلبية ستعيد تسمية الحريري لتشكيل الحكومة وثمة قوى وازنة تنصح بذلك. اما من يضع الشروط  منذ الان حول شكل الحكومة واجراء انتخابات مبكرة فبإمكانه ان يذهب الى المعارضة او ليتم الاتفاق على قانون انتخابي جديد. لقد سبق وطُرح موضوع وضع قانون انتخابي جديد قبل هذه الازمة لكنهم هربوا من الطريق.

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مساء أمس شريط فيديو للرئيس الحريري، خلال استقباله وفد اتحاد جمعيات العائلات البيروتية، يقول فيه امام زواره: «أكلوا مني واستفادوا مني وسرقوا مني، وبالآخر زايدو عليّ».

وأضاف، في شريط آخر: «هؤلاء النّاس كانوا معي ومعروف مين هن وقديش استفادوا مني، وقديش سرقوا، كل واحد من هؤلاء جاي حسابو».

عون: حكومة نظيفة

إلى ذلك، كان لافتاً للانتباه، الموقف الذي أعلنه الرئيس عون والذي ستكون له كلمة في الثامنة من مساء اليوم في الذكرى الثالثة لانتخابه، حيث أكّد انه «ستكون للبنان حكومة نظيفة»، معتبراً ان «ما حصل في الشارع فتح الباب على الإصلاح الكبير».

وقالت مصادر مطلعة على أجواء بعبدا، بأن ما تحدث عنه عون حول «الحكومة النظيفة» جاد، على الرغم مما أثاره هذا الكلام من تفسيرات حول طبيعة ما كانت عليه الحكومة المستقيلة، لكن المصادر قالت انه «يعني ان الحكومة الجديدة ستعمل على تنفيذ الورقة الإصلاحية ومكافحة الفساد»، مشيرة «الى إلى ما قاله عن عودة الحراك إلى الشارع في حال بروز عوائق امام الإصلاح لا يُمكن ادراجه الا في إطار تغطيته».

واوضحت ان خيار حكومة تضم وجوها سياسية غير حزبية يدرس، والأمر ينطبق على توجه يتصل بأن يكون الوزراء من غير النواب بمعنى اخر فصل الوزارة عن النيابة، ورأت ان ذلك لا بنطبق على رئيس الحكومة بأعتبار انه يمثل موقعا ميثاقيا اختارتة الأكثرية السنية وهذا الأمر ايضا يتصل بصفة التكنوقراط.

واشارت المصادر نفسها الى ان من سيشارك في الحكومة الجديدة عليه ان يتحلى بسمعة توحي بالثقة وتخلق صدمة ايجابية مؤكدة ان هذه الحكومة تضم اشخاصا يرتاح لهم الحراك.

ونفت المصادر ان يكون قد تم الوصول الى مرحلة الأسماء لافتة الى ان التركيز يتم الآن على مرحلة التكليف مع العلم انها اصعب من التشكيل في الوقت الذي يبرز فيه التأكيد على ان التسوية التي اوصلت الى انتخاب رئيس الجمهورية وتسمية رئيس الحكومة  تسقط عندما لا يعود الحريري رئيسا للحكومة اما اذا عاد فربما تكون اهتزت.