أسباب تأخّر النطق لدى الأطفال، أو المشاكل السلوكية والنفسية، مثل فرط الحركة أو سمات التوحد، أو الأسباب العضوية التي تمنع النطق، مثل انعقاد اللسان والحاجة إلى التدخّل الجراحي... جميعا مشاكل يعاني منها الطفل.
والسؤال المطروح: ما هي الحلول في هذا المجال؟ وما تأثير بقاء الطفل فترات طويلة أمام شاشات التلفزيون، وهل يعقل السخرية من الطفل بسبب طريقة نطقه؟ وبالتالي أين دور الأهل في مساعدة الطفل، على تحسين لغة النطق لديه؟
زكريا
من أجل تسليط الضوء على هذه المشكلة، التقت «اللواء» نائب رئيس نقابة أصحاب «دور الحضانة في لبنان» هالة زكريا للوقوف على تجربتها التربوية في هذا الإطار، فكان الحوار الآتي:
{ برأيك ما هي الأسباب الحقيقية وراء إصابة الأطفال بمثل هذه المشاكل؟
- إن تأخّر النطق لدى الأطفال، يؤدّي إلى زيادة فرط الحركة لديهم، وأساس البلاء يعود إلى إدمان الأولاد على البقاء ساعات طويلة، أمام شاشات التلفونات والتلفزيونات والـ IPAD وسواها، ليصبح وضعهم مثل الكبار، المدمنين على الكحول والمخدرات واللعب بالقمار، الأمر الذي يؤدّي إلى ظهور حالات من العصبية وفورات الغضب لدى الأطفال، في حال تمّت معاقبتهم بمنعهم من حمل الهواتف النقالة، ومختلف الوسائل التي ترتبط بها، مواقع التواصل الإجتماعي. لذلك، نحن نشدّد على خيار التواصل المباشر، بين الأطفال والأهل، بفعل إقبال القسم الأكبر من الأمهات، للإلتحاق بعملهم اليومي، مما يجعلهم بعيدين عن أبنائهم وتركهم في البيوت، تحت رعاية العاملات الأجنبيات، مما يؤدّي إلى امتلاك هؤلاء الأطفال لغة عربية مكسّرة، خصوصا وأنهم يمضون معظم أوقاتهم أمام وسائل الشاشات النقالة والثابتة، فيما المربيات في المنازل، ينشغلن في إنجاز الأعمال المطلوبة منهن، سواءً التنظيف أو الغسيل أو الكوي أو الطبخ.
وتجدر الإشارة، إلى أن هناك الأسباب السلبية، التي تزداد لدى الأطفال، الذين يعانون من مشاكل في النطق، فتبقى حركة جسدهم اليومية بعيدة عن القيام بالتمارين الرياضية، ومنها القفز والركض... وذلك بسبب بقائهم على الشاشات، على مدى ساعات طويلة، دون إدراكهم معرفة الأشخاص الذين يتحدثون معهم في الجهة المقابلة، مما يؤدّي إلى ارتفاع أعداد الأطفال المصابين بالوزن الزائد من سنة إلى أخرى.
{ هل من إجراءات محددة اتخذتموها ضمن هذا الإطار فيما يخص دور الحضانة؟
- في مختلف الحضانات المنتسبة إلى «النقابة»، والبالغ عددها 150 على مستوى لبنان كله، اتخذ القرار الحاسم بمنع بقاء الأطفال، «متمترسين» على الشاشات ودفعهم إلى تشغيل الحواس لديهم، بحيث يتحسّن عندهم مستوى التعلم بشكل أفضل، ودفعهم للمشاركة في رؤية الطبيعة بفصولها الأربعة، وزيارة الحدائق العامة ومدن الملاهي، واللعب بأوراق الشجر والقفز على التراب، لا أن يبقوا في البيوت، ليكونوا أشبه بأصحاب العقول الصامتة.
وهنا لا بد من التحذير، بأن هذا «الإدمان القاتل» يدفع بالأطفال للبقاء في البيوت، ورفض الخروج مع الأهل لأي زيارة عائلية، فترى المشهد يتكرر في حملهم للوسائل التي فيها شاشات نقالة، لدى زيارة «المولات» الكبرى ومراكز التبضع والترفيه والملاهي، وبالتالي يكون البديل لديهم البقاء في ممرات الطوابق، لتمضية الوقت في اللعب أمام الشاشات النقالة، والإبتعاد عن التفاعل مع الآخرين.
{ هل الإصابة بهذه المشاكل إلى ارتفاع؟
- إن أعداد الأطفال الصغار، الذين يعانون من صعوبات في النطق، تزداد من سنة إلى أخرى.
وفي مراحل سابقة، كان يمرّ في مختلف دور الحضانات المنتسبة إلى النقابة، 3 حالات من الأطفال يعانون من صعوبات في النطق أو الحركة، على مدار العام الدراسي كله، ولكن في المرحلة الراهنة هنالك ولدين من أصل 10 أولاد، يعانون من هذه المشكلة، وهذا مؤشر خطير جداً، والسؤال من يتحمّل المسؤولية؟
الأهل أو التغيير الحاصل، في التربية العائلية والتقاليد الإجتماعية؟
فالأولاد والأطفال يعيشون في عصر، غير العصر الذي عشنا فيه، والحاجة ملحّة من أجل تطبيق «الكشف المبكر» و«التدخّل السريع»، لمعالجة ما يعاني منه هؤلاء الأطفال، من صعوبات في النطق أو الحركة، ولهذه الغاية أقامت «النقابة» العديد من حملات التوعية في لبنان من أجل مساعدة الأهل والمعلمات، في إيجاد الحلول العملانية، لما يعاني منه هؤلاء الأطفال.
{ من يتحمّل المسؤولية؟
- المسؤولية الكبرى، تقع على عاتق الأهل مباشرة، لأنهم هم من عوّدوا أولادهم، الإدمان على هذه الآفة الخطيرة، لجهة البقاء ساعات طويلة أمام الشاشات النقالة، وهنا نسأل: هل أولادنا وأطفالنا يتعلمون بشكل صحيح وحقيقي اللغة العربية قبل أن يتمكنوا من إتقان لغة هذه العاملة، أو المربية الأجنبية، سواء كانت الإنكليزية أو الفرنسية؟
باختصار، الأهل مسؤولون عن عدم متابعة شؤون أولادهم بشكل مباشر، وهنا نسأل أيضا: لماذا يكون «زمام المبادرة» بيد هؤلاء العاملات أو المربيات الأجانب؟!
زغـــيـــب
أيضا التقت «اللواء» رئيسة «دائرة الأم والطفل» في وزارة الصحة العامة، باميلا زغيب للوقوف على آخر المستجدّات في هذه القضية، فكان الآتي:
{ بداية هل من إحصاءات رسمية لإصابة هؤلاء الأطفال؟
- الحقيقة أن هناك صعوبات تعلمية، وتأخّر في النطق أو النمو، يعاني منه الكثير من أطفال لبنان، وما نفتقد إليه عدم وجود إحصاءات رسمية على هذا الصعيد، تساهم إلى تظهير برنامج وطني، لمواجهة ما يعاني منه أطفال لبنان، وهذه المسؤولية الكبيرة، لا تقع على وزارة الصحة العامة لوحدها، بل أيضاً على عاتق وزراتي التربية والتعليم العالي، والشؤون الاجتماعية، حيث المسؤولية تكون ثنائية وليست ثلاثية، لأن وزارة الصحة العامة، تؤمّن الإمكانات الطبية للأطفال، الذين يعانون من صعوبات في النطق أو النمو، عبر توفير تكاليف العلاج الجراحي، أو الأدوية اللازمة لهم، فيما وزارة التربية والتعليم العالي، تملك فريق متخصص نفسي وتربوي، يجول على المدارس الرسمية، لمتابعة مجمل أوضاع الأطفال الذين يعانون من صعوبات في النطق أو النمو، فيما المدارس الخاصة، تعتمد البرامج المعدّة من قبلها، ولديها فريق متعلم ومتمكن، في مجال عمله التخصصي.
{ ماذا عن أوضاع هؤلاء الأطفال؟
- إن أوضاع هؤلاء الأطفال، تقسم إلى 3 فئات: «الصعبة»، «السهلة» و«الدقيقة جداً».
وهذا يحتاج إلى مواكبة عملية، من قبل الأهل، إذ يبدأ العلاج الحقيقي، بالكشف المبكّر والتدخّل السريع. والسؤال المطروح: لماذا لا يتم التقيّد بكل الأسئلة والأجوبة، الموجودة في السجل الصحي المعدل، الذي يواكب نمو الطفل، من عمر اليوم حتى الـ 18 سنة؟
وبالتالي إن تعبئته بشكل كامل، تقع على عاتق الأطباء والأهل، وأيضاً على دور الحضانات، لمعرفة النمو الجسدي والفكري، عند هؤلاء الأطفال، وهذا إذا ما تحقق بشكل فعلي، يؤدّي إلى وجود «داتا وطنية»، لمعرفة ما يعاني منه أطفال لبنان، من صعوبات وتأخّر في النطق أو النمو.