بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الأول 2018 06:00ص "اللواء" تنشر وثائق أكبر مأساة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية (3/4)

لبنان يستقبل أكثر من ربع سكانه.. و80 % منه نساء وأطفال

حجم الخط

17.5 بالمئة من النازحين يعيشون  في مخيمات غير رسمية

إذا كانت نكبة اللاجئين الفلسطينيين عام 1948، إحدى أكبر فظائع القرن العشرين، جرّاء العدوان الصهيوني، وتواطؤ المجتمع الدولي، الذي عطّل تنفيذ القرار الأممي رقم 194، وشتّت الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن، وفي أرجاء مختلفة من دنيا الله الواسعة، فإنّ أزمة النزوح السوري منذ عام 2011، تشكّل أكبر مأساة إنسانية، وأضخم أزمة نزوح في التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاُ لدراسة أعدّها معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية ببيروت، تنشرها «اللـواء» على حلقات..
في الحلقة الثالثة, أكثر من مليون سوري، حسب معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، نزحوا إلى لبنان منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011، ما يجعل نسبتهم قياساً إلى عدد اللبنانيين، تفوق سائر بلدان العالم، التي شهدت نزوحاً إليها، لأنّ عددهم يفوق ربع اللبنانيين، وهو ما يرتّب أعباء هائلة على الاقتصاد اللبناني، خصوصاً على مستوى البنى التحتية، التي هي في الأساس بنى مترهلة، قبل هذا النزوح الكبير.
وفي ظل سوء إدارة سوق العمل في لبنان، وغياب السياسات العامة لتوفير فرص العمل، ليرتفع النمو، وغياب السياسات العامة للحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى الأعباء الاقتصادية، يصبح هذا النزوح القسري عبئاً كبيراً على لبنان، اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً.. وحتى سياسياً، لأنّ قضية النازحين صارت تستخدم أيضاً كسلاح احتياطي لكل فريق يوجهها وفق مصلحته.
بيد أنّ اللبنانيين يُجمِعون على عودة النازحين، كما أنّ النازحين يريدون العودة إلى وطنهم، وفق ما أظهرته الدراسات، ناهيك عن الواقع البائس للأغلبية الساحقة من النازحين لأنّ معظمهم يعيشون بأقل من دولارين يومياً، في وقت بات ينقص هيئات وبرامج الأمم المتحدة التمويل اللازم لتحسين أوضاعهم، كما أنّ الدول المانحة تعاني تعباً بسبب طول الأزمة السورية، وتعثّر العملية السياسية السلمية، وكذلك الحال مع الدول المضيفة، سواء كان على مستوى الحكومات أو السلطات اللامركزية، (البلديات)، التي تعاني بدورها من أزمات اقتصادية مرهقة.
وفي لبنان، فإنّ نحو 80.9 % من السوريين المسجّلين هم من النساء والأطفال، اعتباراً من شهر كانون الأوّل 2017، وقد وقع معظمهم ضحية الفقر، ما يجعلهم عرضة لشتى أشكال العنف الجسدي والنفسي والجنسي، في سعيهم للبقاء على قيد الحياة، ولذلك تُعتبر حمايتهم من العنف إحدى أولويات المجتمع الإنساني الرئيسية.
أما بشأن الواقع الاجتماعي، فإنّه في العام 2016 وحده، وُلِدَ ما يقارب الـ 37 ألفاً و623 لاجئاً سورياً في لبنان، حيث يبلغ متوسّط أفراد العائلة السورية اللاجئة في لبنان 04.3 وترتكز عملية تسجيل الأطفال اللاجئين في المنفى إلى الأطر القانونية والسياسية للدولة المضيفة. وفي لبنان، تبدأ عملية التسجيل بالحصول على وثيقة ولادة من الطبيب، وعلى شهادة ولادة من المُختار، وتنتهي بالتوجّه إلى قسم الأحوال الشخصية في المحافظة المعنية لتسجيل الطفل السوري. 
وبحسب الإحصاءات، لم يتمكّن سوى 17 % من إجمالي اللاجئين من القيام بهذه الخطوات كافة من أجل تسجيل أولادهم. وفي ظل غياب هذه العملية، يواجه الأطفال السوريون الذين وُلِدوا في لبنان خطر أنْ يُصبحوا مكتومي القيد، فبحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، لم يتم تسجيل 83% من أصل 130 ألف طفل لاجئ وُلِدوا في لبنان منذ العام 2011. وهناك العديد من الأسباب التي تحول دون تسجيل الأطفال، لكن من أهمها: طول مدّة العملية ونقص التوعية في صفوف اللاجئين، في ما يتعلّق بمتطلّبات التسجيل وغياب وثائق الزواج أو الإقامة جرّاء النزوح. وتصبح عملية التسجيل أكثر صعوبة بعد بلوغ الطفل عمر السنة، بسبب طول العملية، والحاجة إلى قرار من المحكمة. ويضع ذلك الأطفال أمام شتى العوائق والمشاكل في ما يتعلّق بتمتّعهم بحقهم في الحصول على هوية قانونية وجنسية وحرية في التنقل وحقهم في التعليم والرعاية الصحية والعمل. 
وتجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة اللبنانية باشرت لاحقاً بإصدار مرسوم تُسَهّل فيه تسجيل الولادات.
الإنتشار العشوائي
وتستضيف المناطق اللبنانية التي يعيش فيها اللبنانيون الأكثر فقراً، أكبر عدد من اللاجئين السوريين، بحيث يعيش 87% من اللاجئين السوريين و67% من اللبنانيين الأكثر فقراً في 251 من الأاكن الأكثر هشاشة وفقراً في لبنان، حيث يعاني الشباب من الفقر والبطالة، والطلب كبير على الخدمات الأساسية قبل نشوب الأزمة. وقد زادت الأزمة من وطأة هذه المشاكل لاسيّما الضغط على الخدمات العامة ذات القدرات المحدودة أصلاً وغير القادرة على مواجهة ضعف عدد السوريين واللبنانيين على حد سواء.
وبشكل عام، لا يوجد في لبنان مخيّمات رسمية للاجئين، ويدفع 80% من اللاجئين السوريين إيجار السكن في المناطق الحضرية، أو شبه الحضرية أو الريفية. وفي العام 2016، أنفق اللاجئون 378 مليون دولار أميركي كمبلغ إجمالي لأغراض تتعلّق بالإيجار، ما يعادل 1.03 مليون دولار في اليوم الواحد. وتُغطي نسبة 7% من أسر اللاجئين السوريين تكاليف السكن من خلال العمل لصالح مالكها.
وأدَّى تأجير المرائب، وغرف النوم الاحتياطية والشقق غير المكتملة، إلى إدرار إيرادات جديدة إلى سوق العقارات في لبنان. واستُفيد من هذه القدرة على تعزيز الاقتصاد المحلي عبر الحصول على دعم المنظّمات غير الحكومية. إذ، أطلق المجلس النرويجي للاجئين (NRC) برنامجاً تحت عنوان «ممكن استخدام السكن المجّاني» سنة 2013، يوفر للمالكين حزمةً من التحسينات للمباني غير المكتملة مقابل تقديم سكن مجاني للاجئين. ولا تساعد عملية الاستثمار في تأمين سكن لائق للاجئين الاقتصاد المحلي فحسب، بل تُوفّر لهم الحماية أيضاً.
ويعيش 17% من اللاجئين السوريين في لبنان في المخيّمات غير الرسمية الموجودة بصورة كبيرة في منطقة بعلبك الهرمل (50%) والبقاع (38%). وهم يعيشون في تجمُّعات من الخشب والبلاستيك لا تستوفي المعايير الإنسانية الدنيا. كما يعانون من الاكتظاظ، ومن ضعف خدمات الصرف الصحي وخطورة البنى التحتية الأساسية. في ظلّ هذه الظروف الصعبة.
المصاريف
أما بشأن مصاريف أسر اللاجئين السوريين المخصّصة للأغذية شهرياً، فيشكّل الغذاء 44% من المصاريف الشهرية لأسر اللاجئين السوريين في لبنان، تليه كلفة الإيجار (18%) ثمّ الرعاية الصحية (11%). وأظهر تقييم مواطن الضعف في لبنان انخفاضاً ملحوظاً في إنفاق اللاجئين الشهري للفرد سنة بعد أخرى ليبلغ 98 دولاراً أميركياً، وهو انخفاض قدرُهُ 6 دولارات أميركية يومياً مقارنة بعام 2016، ما يدل على انخفاض حجم الموارد الخاصة بأسر اللاجئين.
وتفاصيل مصاريف 58% من أسر اللاجئين في لبنان عن الحدّ الأدنى للميزانية الضرورية للبقاء، وبالتالي يستحيل عليهم تلبية حاجاتهم الأساسية. وتعيش هذه الأسر تحت خط الفقر أي بأقل من 2.87 دولار أميركي للفرد في اليوم الواحد. وبصورة عامة، تعيش نسبة 76% من أسر اللاجئين تحت خط الفقر أي مع أقل من 3.84 دولارات أميركية للفرد في اليوم الواحد. إضافة إلى ذلك، يعتمد ثلثا اللاجئين السوريين استراتيجيات لمواجهة الأزمات وحالات الطوارئ، كبيع ممتلكاتهم والمنازل أو الأراضي أو إخراج الأولاد من المدارس.
وأظهر تقييم الضعف الذي أُجري حول وضع اللاجئين السوريين في لبنان عام 2017 أنّ حوالى 44 ألف أسرة من أسر اللاجئين تُعيلها امرأة، ما يشكّل 19% من أسر اللاجئين السوريين. في أكثرية الأسر التي تُعيلها امرأة، كانت المرأة متزوجة، لكنها تعيش من دون زوجها، في حين أنّ عدداً قليلاً منهنّ قد تطلّق أو ترمّل. كما تعاني العديد من الأسر من انعدام الأمن الغذائي وتُناضل للحصول على غذاء كافٍ وعلى نظام غذائي صحي. وبغية مواجهة الفقر والنقص في المواد الغذائية، ويمكن أن تلجأ النساء إلى استراتيجيات خطرة كالاستدانة وتخفيض عدد الوجبات اليومية وفي بعض الأحيان تزويج الأولاد في سن مبكر، أو إخراجهم من المدرسة للعمل.
واقع الأطفال والصحة
وهناك تقريباً 178 ألف طفل سوري لاجئ دون الخامسة من العمر في لبنان اعتباراً من أيار 2017. وقد ولد هؤلاء الأطفال في ظروف من النزوح والتشرّد، ما يجعلهم عرضة للمرض وسوء التغذية. بحسب تقييم الضعف الذي أُجري حول وضع اللاجئين السوريين في لبنان سنة 2017، تبيّن أنّ 34% من الأطفال في هذا السن من بين الذين شملتهم الدراسة كانوا يعانون من مرض قبل أسبوعين من إجراء الدراسة.
وأظهرت الدراسة الاستقصائية أنّ الأمراض الأكثر تواتراً هي الحُمّى (25%) والسّعال (25%) والإسهال (12%). وبات الأطفال اللاجئون أيضاً عرضة لسوء التغذية، إذ إنّّ بعض العائلات عمدت إلى التخفيف من تناولها الوجبات اليومية للتعايش مع الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
إلى ذلك، تلد غالبية الأمهات اللاجئات السوريات في لبنان في مستشفيات، ففي العام 2016، تمّ تسجيل كل شهر 3 آلاف و126 ولادة غطت الجزء الأكبر من تكلفتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في المستشفيات اللبنانية. ويتم تيسير حصول المرأة السورية على رعاية من الدرجة الثالثة نظراً لوجود 53 مستشفى متعاقدة مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان. كما يتم تخفيض التكلفة للاجئين نظراً لكون المفوضية تغطي 75% من تكاليف الاستشفاء في حالات الولادة. 
وفي لبنان، تشكل الولادات أكثر من نصف حالات دخول اللاجئين السوريين في لبنان إلى المستشفيات، ولكن لا تزال تشكل الرعاية الصحية قبل الولادة، وخلالها، وبعدها، تحدياً كبيراً. كما لا تزال الوكالات الإنسانية تواجه صعوبات في تأمين حصول اللاجئين السوريين على الخدمات ذات الصلة واستخدامها وتحسينها.
وفي إطار خطة لبنان للاستجابة للأزمة 2017-2020، يحتاج لبنان إلى 308 ملايين دولار لتمويل خدماته الصحية فقط من أجل مليون و535 ألف و279 فرداً مُحتاجاً. وجرى تقسيم متطلّبات التمويل هذه إلى أربعة أقسام محدّدة لكل منها ميزانية الخاصة. يركز القسم الأول على زيادة الوصول إلى الرعاية الصحية الأولية. أما القسم الثاني، فقد خُصّصت الميزانية الأعلى له وهو يركز على زيادة الحصة على الرعاية الثانوية، بما في ذلك الرعاية في غرف الطوارئ، وخدمات الإحالة المتقدّمة مثل خدمات المختبر والأشعة التشخيصية. ويركز القسم الثالث، والذي خصّصت له الميزانية الأصغر، للقضاء على انتشار الأمراض المعدية. أما القسم الرابع فيهدف إلى تحسين صحة الأطفال، والمراهقين، والشباب بشكل عام. 
وفي ظل حصول لبنان على 35% فقط من التمويل المطلوب لقطاع الصحة عام 2016، على الحكومات المانحة أنْ تأخذ بعين الاعتبار تداعيات النقص المالي على صحة الفقراء من السوريين واللبنانيين، وبالتالي، عليها الاستجابة لمتطلبات التمويل للسنوات المقبلة.
المصدر: جريدة "اللواء"