بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 آب 2020 12:00ص أنظار اللبنانيين عادت نحو الهجرة إلى الخارج... لماذا؟!

ازدحام مغادرين من كل الاعمار (تصوير: طلال سلمان) ازدحام مغادرين من كل الاعمار (تصوير: طلال سلمان)
حجم الخط
أرخت التراكمات الناتجة عن الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية في لبنان بظلالها على الساحة اللبنانية وباتت  تترك تداعياتها السلبية في كل حقل وميدان في هذا البلد، وبما أن الهاجس الأمني هو الأهم وهو الشغل الشاغل للبنانيين جميعاً في هذه المرحلة الصعبة تبقى الأزمات السياسية والاقتصادية المتشعبة أيضاً تشكّل فيما تشكّل عبئاً كبيراً على المواطنين اللبنانيين بمختلف أطيافهم. وقد انعكست كل تلك المعطيات بشكل مباشر أو غير مباشر على مجمل الوضع اللبناني بشكل عام كما على حركة مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت بشكل خاص لا سيما بعد الانفجار الهائل في مرفأ بيروت والذي بدوره تسبب بخسائر بشرية ومادية ومعنوية هائلة وكبيرة جداً.

أضف إلى ذلك مجريات النطق بالحكم بقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من خلال الجلسات التي تمت أمس بالمحكمة الدولية في لاهاي وتأثيرات ذلك على الأوضاع في لبنان من مختلف الجوانب المرتبطة بهذا  الشأن.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار العقد والصعوبات التي تظهر جلياً من خلال الاتصالات الجارية حالياً على نار هادئة لتشكيل الحكومة العتيدة إضافة إلى موجة الغلاء الفاحش التي يدفع ثمنها غالياً كل مواطن لبناني، ناهيك عن الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها ووزاراتها وإداراتها حتى باتت الهيكلية الإدارية برمتها مهددة بالانهيار والتفكك في الدولة مما يزيد الأمور تعقيداً وصعوبة لإيجاد الحلول الجذرية المناسبة للخروج من هذ  النفق  المظلم وإيجاد حلول لكل تلك الأزمات في البلد.

وبالعودة إلى حركة مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت فقد لوحظ انه إثر الانفجار الرهيب في المرفأ ارتفعت نسبة المغادرين إلى الخارج عبر المطار خاصة من المغتربين اللبنانيين الذين كانوا قد وصلوا إلى لبنان خلال الشهرين الماضيين مع أسرهم لتمضية اجازاتهم الصيفية رغم مخاطر فيروس كورونا إلا أنهم بدأوا بالعودة إلى مقر اقاماتهم وعملهم في الخارج، في حين فضّل عدد آخر منهم تقديم موعد حجوزاتهم والعودة أيضاً إلى تلك البلدان،  مع الإشارة إلى أن وباء كورونا الخطير الذي بدأ يُشكّل خطراً حقيقياً على المجتمع اللبناني ككل بسبب التفلت وعدم الالتزام بالمعايير والتدابير  الصحية الضرورية المطلوبة التي تمّ الإعلان عنها مراراً وتكراراً من قبل وزارة الصحة العامة والوزير حمد حسن عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وكل تلك الجهود لم تجد آذاناً صاغية عند الكثير من اللبنانيين مما تسبب في رفع عدد الإصابات والوفيات بهذا الوباء وتخوف المغتربين الذين جاءوا إلى البلد من تفاقم الوضع الصحي فيه وفضلوا المغادرة منه، فيما اتخذت الجهات المختصة في البلد قراراً بالاقفال العام من جديد لمدة أسبوعين باستثناء المطار بدءاً من بعد غد الجمعة، وذلك  تفادياًً للأسوأ ولمواجهة الكارثة الصحية التي قد يواجهها لبنان في هذا السياق.

وبالعودة إلى اعداد الركاب المغادرين والوافدين عبر المطار خلال  هذه الفترة يلاحظ إن أعداد الوافدين إلى لبنان تراوحت ما بين ألفين وثلاثة آلاف وافد يومياً منذ مطلع آب الجاري، أما بالنسبة للمغادرين فهي ارتفعت من ما يقارب 2500 مغادر يومياً إلى ما يزيد عن أربعة آلاف مغادر في هذه الفترة، إلا أن البيان الذي كان قد صدر عن المديرية العامة للطيران المدني أمس الأول، أوضح أن نسبة المغادرين عبر المطار يومياً تعتبر طبيعية بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي الذي سجل حوالى 20 ألف شخص يومياً بالمغادرة من لبنان. وأشار البيان إلى أن العطل الفني على أحد جرارات الحقائب في قاعة المغادرة بالمطار تسبب بازدحام في حينه وتأخير مواعيد بعض الرحلات إلى الخارج، وقد تمّ إصلاحه وعاد الوضع إلى طبيعته في نفس النهار.

إذن، كل التطورات المتسارعة على الساحة اللبنانية تدفع المراقبين إلى طرح أكثر من سؤال وعلامة استفهام بشأن المرحلة المقبلة في لبنان وماذا ستحمل معها من مستجدات ومفاجآت سياسية كانت أو اقتصادية أو أمنية بدأت ملامحها تلوح في الأفق منذ الآن وذلك من خلال بعض القرارات التي شهدناها على مدى الأيام الماضية وأبرزها قرار الحكومة الفرنسية بالسماح للبنانيين بالتقدم للحصول على سمات دخول إلى أراضيها مجدداً، كما  تمّ السماح أيضاً لحاملي تلك التأشيرات بالدخول إلى فرنسا بعد أن كان هذا لأمر متعذراً خلال الأسابيع والأشهر الماضية بسبب فيروس كورونا.

وفي الإطار ذاته، اتخذت الحكومة الكندية بدورها قراراً  سمحت بموجبه  للبنانيين الموجودين حالياً في كندا بتمديد اقامتهم بشكل مؤقت ريثما تنجلي صورة الأوضاع في لبنان بعد انفجار المرفأ. ومثل تلك الإجراءات تركت إرتياحاً لدى المغتربين اللبنانيين والجاليات اللبنانية في الخارج، مع  توقع حذو بعض الدول الأخرى لمثل هذه الإجراءات التي اتخذتها كل من فرنسا وكندا وذلك لتسهيل أمور اللبنانيين في هذه الظروف الصعبة.

وكأنه قد كتب على اللبنانيين جميعاً إضافة إلى مآسيهم الاجتماعية والاقتصادية أن يعانوا أيضاً من عدم الاتفاق على أبسط الأمور وأدقها المتعلقة بالوضع الراهن في لبنان ككل في بلد أصبح مهدداً بأرضه وشعبه ومؤسساته وكيانه، إلا أن المسؤولين من سياسيين وأحزاب ورجال دين من مختلف الأطياف اللبنانية كل بات يغني على ليلاه من دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة لبنان العليا ومصير البلد وأهله، لذلك بات على الجميع مراجعة حساباته جيداً وتحمّل مسؤولياتهم الوطنية والاخلاقية والانسانية  سريعاً جداً منعاً بانهيار الهيكل على رؤوس الجميع وغرق السفينة بركابها مسؤولين وغير مسؤولين وعندها قد لا ينفع الاعتراف بالخطأ وقد لا ينفع الندم.