لأوّل مرّة في لبنان، افتتح مقهى Coffee Shop، طاقمه بالكامل من ذوي الإحتياجات الخاصة، عندما ترتاده تتفاعل مع فريق فريد من نوعه.
فور دخولك للقاء بهم، ينكسر الروتين والحواجز النفسية، عن هذه الفئة المهمّشة، لتتناول القهوة من صنع أيديهم، يستقبلونك بابتسامة واضحة على وجوههم، وبعزيمة وإرادة عالية، فلا بد من أن تتفاعل معهم بشكل تلقائي، وإنّ توظيفهم فيها، يعني أنّ الاندماج من قبلهم، في المجتمع الذي يعيشون فيه، أمر ممكن ومتوافر ومتاح، ومن خلال اللقاء معهم، نقول لكل الأفواه، يجب أن تصمت، فهذه الفئة لا يصعب التعامل معها، لكونها من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل رأينا أنها أكثر تفاعليةً وإيجابيةً، من خلال الحوار المباشر معهم، في مقر عملهم في الزلقا.
لتسليط الضوء على هذا المشروع، التقت «اللـواء» صاحبه الدكتور وسيم الحاج، الذي أكد أنّ «الفكرة انطلقت من كوني أعمل في مجال العلاج الفيزيائي، وكنت أتعامل مع هؤلاء الشباب والصبايا، بشكل مباشر ويومياً، وهم يعانون من متلازمة «داون»، وهي حالة وراثية، وتحدث عندما يولد الطفل، مع 47 كروموسومات، بدلاً من 46 العادية، الكروموسوم 21، يسبب الكروموسوم الإضافي، تأخيراً في نمو الدماغ، وعدة تشوهات جسدية. كذلك هناك مَنْ يعاني من متلازمة «أنجلمان»، التي تتمثل باضطراب وراثي نتيجة خلل جيني، يحدث في الجين الموجود في كروسوم 15، وهذا الجين يسمى UBE3A Gene، حيث يكون هناك نقص في هذا الجين الموروث من الأم، أو يحدث تغيير Mutation في هذا الجين الموجود من الأم، فيصبح موجود لكنه غير عامل، أي كأنه غير موجود، فلا يؤدي وظيفته الزائدة. أيضا هناك من يعاني من التوحّد Autism ...
وقد تم افتتاح هذا المقهى تحت إسم Agonist، ومعناها أنّ التعاون أو التنافر، لأي عضلة أو مادة، يمكن أن تحصل في داخل جسم الإنسان، وأن التمويل المالي لهذا المشروع ذاتي بالكامل، وليس هناك أي دعم مالي أو عيني، من أي جهة رسمية، وزارية أو نيابية أو حزبية، بل أردنا الإعتماد فقط على الذات، لنفتح آفاق النجاح لهذا المشروع الذي يطال فئة من ذوي الإحتياجات الخاصة».
{ ماذا عن التوظيف؟
- «هناك تعاون مباشر، حصل مع «الجمعية اللبنانية لتثلث الصبغية 21»، الذين أمّنوا فريق العمل، المؤلّف من 12 موظفاً وموظفة، يتولى الأهل الإتيان بهم إلى المقهى صباحاً، واصطحابهم إلى منازلهم مساءً، ومدّة العمل تتراوح بين 3 إلى 8 ساعات يومياً، والبعض يفضّل الدوامين، كما تفعل مسؤولة المحاسبة، وهذا التوزيع في تحديد ساعات العمل، يتم حسب القدرات الجسدية والنفسية لكل واحد، وهناك التزام من البعض، بالدوام المدرسي من أكاديمي ومهني، في مدارس متخصصة لهم».
{ كيف تقيّم التجربة، ولماذا لم يطلق المشروع من بيروت؟
- «الأسباب المادية حالت من دون إطلاق المشروع من بيروت. أما في ما يخص التجربة، فأعتبرها رائدة ومميزة، لاسيما أن المقهى يشهد بعد ظهر كل يوم، ازديادا في عدد الوافدين إليه، من زبائن مثقفين ومتعلمين وأشخاص أصحاء، يأتون من مختلف المناطق اللبنانية، للإطلاع على هذه الخطوة المميزة والجريئة، والزبائن يتعاملون مع الموظفين ذوي الإحتياجات الخاصة، بأسلوب حضاري وراقٍ».
{ ماذا عن النتائج؟
- «المشروع لا يزال في بداياته، حيث لا خسائر مادية، بل هناك اكتفاء ذاتي، لناحية أنّه يموّل نفسه بنفسه، والرواتب محدّدة ما بين 300 و1000 دولار، حسب عدد ساعات العمل، التي يقوم بها كل موظف. وأتمنّى أنْ يتم تعميم هذا المشروع على مختلف المدن اللبنانية».
يونس
كذلك التقينا رئيسة «الجمعية اللبنانية لـ«تثلث الصبغية 21»، نعيمة حبيب يونس، التي أشارت إلى أنّ «الدور الذي تقوم به الجمعية يرتكز على كيفية تربية هؤلاء الأبناء، والإعتناء بهم، ومعرفة طرق دمجهم في المدارس. فنحن نذهب إلى المستشفيات حيث يولدون من أجل تأمين الدعم النفسي والمعنوي إلى أهلهم، وحثهم على الإهتمام الكلي بأطفالهم، تربيةً واستشفاءً وتعليماً، فهم جاؤوا إلى الحياة بفعل التصادم في الجينات الوراثية والكروموسومات خلال فترة الحمل بهم، وليس للقرابة العائلية أي صلة بهذا الأمر.
إنّ الجمعية ساعدت في إطلاق هذا المقهى، لناحية تأمين الموظفين الـ 12، ومساعدتهم على صعيد التدريب المهني، لناحية كيفية تقديم كل أنواع الشراب الساخن والعصائر والمياه وسواها، أي بمعنى آخر تلبية «سرفيس» المقهى لكل زبون، بحسب ما يطلبه، وكيفية الحفاظ على نظافة وترتيب الطاولات والكراسي، وتعبئة البرادات بكل ما تحتاجه، والإلتزام بالزي الموحّد فترة العمل».
{ ما الأهمية التي يعكسها هذا المقهى؟
- أردنا دعم هذا المقهى، لأنه يضيء على فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكننا نسأل أين دور الدولة اللبنانية، في إطلاق المشاريع المتعلقة بهؤلاء الشباب، الذين يعانون من التهميش الكلي؟، فيما القطاع الخاص يلعب دوراً أساسياً في مساعدتهم نفسياً ومعنوياً، لتجاوز المشاكل التي يعانون منها!، وأنا أزور المقهى، وأتفقده يوميا تقريبا للاطلاع على حاجات الموظفين، وأوصل إبنتي الوحيدة ماريا، التي تعمل فيه، على مدى 5 ساعات وهي تعاني من متلازمة داون».
حسونة
أيضا التقينا الخبيرة سارة حسونة، التي تفكر في نقل الفكرة إلى منطقة الجنوب، وقالت: «جئت من منطقة الغازية للاطلاع على إمكانية نقل فكرة هذا المشروع إلى الجنوب، بهدف تشجيع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لتعميم هذه التجربة الإنسانية والاجتماعية إلى كافة المناطق اللبنانية، لكون أعداد ذوي الإحتياجات الخاصة يزداد من سنة إلى أخرى، وأنا حاليا أدرس الكلفة المادية لهذا المشروع، لنقله إلى بلدتي».
الموظفون؟
{ دولور شديد عاش في فرنسا على مدى 15 سنة، وعاد إلى لبنان منذ 10 سنوات، وقال: «أعمل في المقهى منذ حوالى الشهر، وأنا مرتاح جداً لكون الزبائن يأتون لتناول الشراب الساخن، والعصائر على مختلف أنواعها، ويتعاملون معنا بكل محبة واحترام، ويتفهمون بكل صدق وإيجابية، لما نعاني منه، آتي من عمشيت يومياً، وأنا مرتاح جدا للعمل في هذا المقهى».
{ فرح بلوط تعمل كمحاسبة، وقالت: «أعمل على مدى 17 ساعة، تتخلّلها فترة راحة، لمدة 3 ساعات، أتولى الإشراف على صندوق المحاسبة. أنا أعاني من حالة مرضية مرتبطة بالإكتئاب النفسي، منذ 6 سنوات، بفعل وفاة والدتي، واليوم أشعر بالارتياح الكلي، فالعمل نابع من القلب، أحب زملائي في العمل، والاهتمام الكلي يتجلّى بتفقّدي في مركز عملي، من قِبَل جدتي وخالتي من ناحية أمي، اللتين توفران كل الوسائل، لدعمي مادياً ومعنوياً، ومواكبة حالتي المرضية، للخروج مما أعاني منه، منذ 6 سنوات».
{ ماريا يونس أشارت إلى أنّ عملها يمثل أجمل تجربة في حياتها، وقالت: «أعمل على مدى 5 ساعات يومياً، وأرتاح لرؤية الوجوه والملامح البشوشة، من قبل الزبائن، الذين يأتون من أجل دعمنا نفسياً ومعنوياً، على ما نقوم به، من عمل يومي في هذا المقهى، ما يؤكد بأننا لا نختلف عن الأشخاص الأصحاء، وأننا جزء لا يتجزأ من المجتمع اللبناني».