بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 أيار 2019 12:47ص إرتفاع معدلات «العنوسة».. كابوس يطارد الشباب والفتيات

ضغوط الحياة تزيد من ارتفاع نسبة العنوسة ضغوط الحياة تزيد من ارتفاع نسبة العنوسة
حجم الخط
باتت ظاهرة التأخر في الزواج، أو ما يُعرف بـ»العنوسة»، كابوساً يطارد الشباب والفتيات في لبنان والعالم العربي، وزادت من تراجعها ضغوط الحياة والمجتمع، والأحكام التي تُطلَق على مَنْ يتأخّر في الزواج، بالإضافة إلى ارتفاع المهور وتراجع الأعمال الاقتصادية وتفشّي البطالة، وأسعار السكن الباهظة، وتكاليف المعيشة مقارنة بالرواتب المعروضة.

وقد توزّعت الأرقام في الدول العربية، حيث بلغت في لبنان (50%) البحرين (25%)، اليمن (30%)، مصر والمغرب (40%)، الأردن والسعودية (42%)، تونس (62%)، الجزائر (50%)، سوريا والعراق (70%)، الإمارات (75%).

لتسليط الضوء على هذه الظاهرة، التقت «اللواء» أستاذ مادة علم الإجتماع، في معهد العلوم الاجتماعية ـ الفرع الأول في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي، فكان الحوار الآتي..
{ كيف تنظر إلى نسبة العنوسة في لبنان؟

«التدقيق في لغة الأرقام، بأن نسبة العنوسة في لبنان مرتفعة وعالية جداً يحتاج إلى تدقيق علمي مبني على القياس. فإذا كان هناك اتفاق على تحديد سن الزواج، تكون «العنوسة» هي المرحلة، التي تتخطّى فيها الفتاة سن الزواج، وبما أن سن الزواج أصبح اليوم، متغيّراً عن السابق، فلا نستطيع القول بأنّ نسبة العنوسة عالية ومرتفعة جداً، لأنه منذ 50 سنة، كان متوسط عمر الزواج في لبنان، بين الـ24 إلى 26 سنة، أما اليوم فإن متوسط عمر الزواج، يبلغ بين 30 و35 سنة، وتعتبر المرحلة مقبولة اجتماعياً.

في مطلع العشرينات من القرن الماضي، كانت نسبة الإقبال على الزواج، من قبل الشباب في عمر الـ 16 إلى 18 سنة، بينما كانت «العنوسة»، تبدأ في الـ20 سنة من العمر، بالنسبة إلى الفتيات تحديداً، وعليه فإنّ الإحصاءات والأرقام في لبنان والعالم العربي، باتت بمثابة وجهات نظر مختلفة. من هنا فإن متوسط عمر الفتاة للزواج في لبنان، يتراوح ما بين 30 إلى 35 سنة، فيما مرحلة «العنوسة»، أو التأخر في سن الزواج، بالنسبة إلى الفتيات، تبدأ بعد عمر الـ 35 سنة، فيما مقياس عمر الزواج لدى الشباب في لبنان، يتراوح ما بين الـ 40 إلى 45 سنة، وتعتبر المرحلة مقبولة اجتماعياً.

في المقابل، فإن مقياس سن الفتيات للزواج، ما فوق الـ 35عاماً، هو الذي يحدد نسبة «العنوسة»، أو تأخر سن الزواج في لبنان، وهذا يحتاج إلى معرفة نسبة الزواج في الأعمار، التي تسبق الـ 30 و35 سنة».

أسباب العنوسة

{ ما الأسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج؟

- «أهم الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع معدلات نسبة العنوسة، وتأخر سن الزواج في لبنان، ودول العالم العربي، هي التالية:

1- الأوضاع الاقتصادية الصعبة وضياع فرص العمل، التي تراجعت إلى أدنى المستويات، والبطالة التي ارتفعت بشكل مخيف، والمستوى المعيشي الذي تدهور بشكل سلبي، وكلفة الحياة التي أصبحت أعلى، كلها جعلت التفكير بالزواج وتكاليفه، أمراً صعباً جداً، لناحية تأسيس أسرة وإنجاب الأطفال والإنفاق عليهم.

2- هجرة الشباب إلى الخارج لطلب العلم أو البحث عن فرص العمل.

3- ارتفاع نسبة التحاق الفتيات بالتعليم الجامعي العالي في لبنان، التي تتراوح ما بين 60% إلى 80% بالمئة، بحسب الكليات والإختصاصات المتعددة، ففي كلية الهندسة تجاوزت الـ 60% بالمئة، وفي معهد العلوم الإجتماعية بلغت الـ 90% بالمئة.

4ـ التغيير في الأفكار، حول دور المرأة ووظيفتها، الذي تقوم بنشره والترويج له الجمعيات النسائية، والبرامج التي تطلقها المؤسسات والمنظمات الدولية، والمؤسسات الإعلامية التي تركز على دور المرأة وأهميتها، ليس في الزواج، أو داخل الأسرة، إنما في الحضور السياسي والإقتصادي والإجتماعي والمهني، الذي يختصر «بتمكين المرأة»، ما جعلها تتأثر بهذه المفاهيم، واعتبار الزواج ليس أولوية مطلقة، وتحقيق الذات ليس من خلال الأسرة، بل من خلال المهنة، أو الوظيفة، أو الموقع العلمي الذي تحتله».

{ هل تعتقد بأنّ متابعة التعليم الجامعي العالي حوّلت اهتمام الفتاة عن الزواج؟

- «مما لا شك فيه أن متابعة التعليم الجامعي العالي حوّلت اهتمام الفتاة عن الزواج، لأن للتعليم مكانة اجتماعية في العصر الحالي، ما دفع الفتيات إلى زيادة شروطهن للزواج، بحيث لا تقبل بأي شاب، إلا إذا كان متوافقاً مع مستواها العلمي والإجتماعي، خصوصاً أن الفتاة في لبنان، وفي أكثر الدول العربية، أصبحت حاضرة بقوة في سوق العمل، وهذا يجعلها تتردّد عن الزواج، والامر المختلف بشكل كلي، عما كان يحدث منذ 50 و75 و100 سنة، حيث في حينه كانت الفتاة تجلس في المنزل، وتنتظر الرجل الذي يتقدم للزواج».

مخاطر «العنوسة»

{ ماذا عن مخاطر تأخر سن الزواج؟

 «ينعكس تأخر سن الزواج بشكل سلبي في تقليص معدلات إنجاب الأطفال، وتراجع عدد المواليد الجدد، بشكل كبير في لبنان ودول العالم العربي، ما يعني إعادة التجربة الأوروبية، التي تعاني دولها وشعوبها، من تراجع في إنجاب الأطفال وأعداد المواليد، حتى وصفت «بالقارّة العجوز» والمجتمعات «الهرمة»، الأمر الذي دفعها إلى استيراد الأيدي العاملة من الخارج، وجعلها تغض النظر أو الطرف، عن تدفق اللاجئين والنازحين إليها، خلال السنوات العشرة الأخيرة.

والسؤال الذي يطرح، إذا استمرت المجتمعات العربية على هذا المنوال، لا أحد يعلم ماذا سيحدث بعد 50 سنة، فهل يطلق عليها، «المجتمعات الهرمة»، بفعل تراجع نسبة الإنجاب للأسرة، من 8 أشخاص عدد أفرادها، إلى ولدين فقط».

علاقات غير شرعية

{ هل من الممكن أنْ يؤدي هذا التأخر إلى عواقب أخرى؟

- «إنّ تأخر سن الزواج من شأنه أن يفتح المجال بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى إقامة علاقات غير شرعية، من وجهة نظر دينية وأخلاقية، في الواقع اللبناني والعربي، فيما المجتمعات الأوروبية شرّعت الممارسات الجنسية بكافة أشكالها وأنماطها ومستوياتها، وطبعا هذا الأمر غير مقبول في مجتمعاتنا العربية، ما يعني أن هناك تحديات وتصدّعات مخيفة، سوف نواجهها برفض ما يحدث في المجتمعات الأوروبية، بفعل الثقافة الدينية أو المشرقية التي نمتلكها، لناحية وجود محرمات يحددها الدين الإسلامي.

 ومن التحديات التي نواجهها، الدعوات التي تطلقها هيئات وجمعيات مدنية ومنظمات دولية، تدعو إلى عدم تزويج الفتيات، في سن مبكّر قبل الـ 18 سنة، في حين أن هذه الدعوات لا تطالب بالوقت نفسه، بمنع العلاقات الجنسية في المرحلة ذاتها، بل بالعكس قد تشجع عليها، لكنها تقف للزواج المبكر، وهذا ما يحصل فعلياً في الواقع الراهن».



د. طلال عتريسي