بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 آذار 2021 12:02ص الإحصاءات صادمة والنتائج البعيدة كارثيّة.. وبانتظارنا مليون عاطلٍ عن العمل

ياسين لـ «اللواء»:الأزمة اللبنانية حطّمت أحلام جيلين وأكثر

حجم الخط
لبنان «مطحنةُ الأحلام»، عبارةٌ باتت لسان حال كُثُرٍ من الشّباب اللّبناني منذ بداية الأزمة في أواخر عام 2019 حتّى اليوم. منهم من اختار الهجرة، ومنهم ما زال عالقاً تحت وطأة أزمةٍ شاملةٍ إقتصاديّاً، معيشيّاً وإجتماعيّاً، تزداد عواقبها سوءاً يوماً بعد يوم.

ما هي معاناة شباب لبنان، أبرز المشاكل الناتجة عن حالة الانسداد القائمة? هل من حلول ممكنة؟..

«اللواء» سألت شابات وشباناً وخبراء في هذا التحقيق.

حكايا مؤلمة

{ يقول شاب فضّل عدم ذكر اسمه: «من الصّعب أن تجبرك بلادك على الهجرة، رغم إصرارك على عدم إتّخاذ هكذا قرار، لا أحبُّ الهجرة، ولا أفضّلها».

{ آخر استغرقت شهادته الجامعيّة في هندسة المساحة حوالي سبع سنواتٍ وهو اليوم مثل كثيرٍين يقول: «لا أجد فرصة العمل المناسبة». ويتابع: «كُتِبَ علينا عدم الإستقرار، بفعل سياساتٍ مالية، كبّدت الدّولة ديوناً هائلة ونهبت أموال الشعب». طموحات هؤلاء بديهية ووردية مثل الكثير «فرصة عمل مناسبة» وتأسيس عائلة وبيت، لكنّ «كيف بوسعنا أن نبني أحلاماً أو نحبّ أو نكوّن عائلة وأدنى ضماناتنا للعيش والإستقلالية التّامة غير متوفرّة»، يقول.

{ ع.خ. تخرّجت منذ سنتين من الجامعة اللبنانية مهندسةٍ معمارية تطمح للهجرة، تشير إلى أنّ «الهجرة أصبحت هدفاً لكلّ من يحلم بأن يعيش حياةً كريمة». وتضيف: «أنا بنت الرّيف، تعلّمت لسنينٍ بعيداً عن أهلي، تخرّجت ولم يتحقّق حلمي بالعمل واليوم أسعى لأهاجر رغم صعوبة السّبل للقيام بهذه الخطوة».

الحلول المقترحة

وفي حديثٍ خاص لـ «اللواء» مع الأكاديمي والباحث اللبناني ناصر ياسين عن رأيه في انسداد الأفق أمام الفئات الشابة في لبنان، يوضح أنّ «أصعب تداعيات الأزمة الإقتصادية الماليّة المصرفية هي فقدان الوظائف وبالتّالي تضخّم البطالة، بفعل الإنكماش الإقتصادي بنسبة -25% وإقفال المؤسّسات والإقفال العام، والمؤشرات من خلال الإحصاءات الحالية تقدّر أنّه يمكن الوصول إلى عدد «مليون عاطل عن العمل في لبنان في الفترة القادمة!»، وبحسب ياسين «بدأت الآن حركة الهجرة للفئات ذات الرّأس المال البشري الأعلى كالأطباء والممرضين والمتخصصين في التكنولوجيا، والتصوّر هو أنّ نسبة الهجرة سترتفع كثيراً إذ أن معظم الفئات الشبابية أيضاً تطمح للمغادرة ما يثير الخوف من فقدان الطاقات والأدمغة خلال السنوات القادمة».

ناصر ياسين
ناصر ياسين
ناصر ياسين

ويضيف ياسين: «نعلم مدى صعوبة الوضع وفقدان الأمل الحاصل، لكن علينا بذل الجهد لإعادة بناء الآمال بعض الشيء، إذ لا يمكننا أن نخسر كلّ هذه الطاقات، فأساس رأس المال في لبنان هي الموارد البشرية من متعلمين وصناعيين مبدعين وبيئةٍ قادرة على إستيعاب الأفراد، لكن هذا يحتاج إلى ضوءٍ تبصّره هذه الموارد في نهاية النفق المظلم هذا، لكي نلقى إستجابتهم، بدايةً بمحاولة وقف الإنهيار كي لا نغوص أكثر فأزمتنا عميقة، وتحقيق الإستقرار الأمني والسياسي، كذلك يجب إستقطاب الإستثمارات والمساعدات. لا شك أن هذا سيأخذ وقتاً طويلاً، سنواتٍ لا أشهرٍ، لكن لا بدّ من الإسراع للمباشرة بهذه المبادرات».

بدوره، يعتبر الخبير الإقتصادي نسيب غبريل أن «أكبر المشاكل الّتي تعاني منها هذه الفئة هي إنسداد الفرص، فرص الأعمال تحديداً واستراتيجيّة التّيئيس أي فقدان الأمل بمستقبل في لبنان واللّجوء الى الهجرة هما نظراً للوضع الصّعب الّذي يعيشونه». وتقدّم غبريل بنسبٍ لـ «اللواء» منها ما تناوله «أوّل وآخر مسحٍ رسمي أُجري في لبنان عام 2019، وحددت نتائجه النسبة العامة للبطالة في لبنان بحوالي 11,5%، في حين بلغت نسبتها لدى الشباب تحديداً 23%»، ويعلّق متسائلاً «هذا كان عام 2019، قبل ظهور الأزمة، فكيف أصبحت هذه النسب اليوم إذاً؟».

حالياً وبحسب غبريل «يظهر حجم التّحدي الصّعب في سوق العمل ما يؤدّي إلى إنكماش الفرص أمام الشّباب. وبالأرقام والنسب، مثلاً في قطاع البناء تراجعت نسبة التّوظيف بداومٍ كامل حوالي 40%، أما في قطاع المطاعم والفنادق تقلّص حوالي 31%، وفي قطاع الصّناعة 27%، عدا عن الشركات الّتي تأثّرت بشكلٍ مباشر في إنفجار 4 آب، فخسرت فرص عمل أكثر من الشركات الّتي تأثّرت بفعل الأزمة وزيادةً على ذلك خفّضت جائحة كورونا من الطلب على العمال بدوامٍ كامل بنسبةٍ تراوحت ما بين 20% و 50% في عام 2020».

وعن الحلول المقترحة للنهوض، يجزم غبريل أنّ «فئة الشّباب ليست بمعزلٍ عن ما يحدث في الإقتصاد اللبناني. وبالتّالي، النهوض لا يمكن دون حلٍّ كاملٍ وشاملٍ للمشاكل الإقتصادية والمالية والإجتماعية والمعيشية». ويتابع: «تبدأ سلسلة الحلول هذه باسترجاع الثّقة التي فُقِدَت بالسلطة والأحزاب السّياسية، وعدم فقدان الأمل بالوطن لأنّ الوطن لا يزول، بل البدء بالعمل لاستعادة ثقة المواطن اللّبناني والمجتمع الدّولي بعد تشكيل حكومةٍ ذات مصداقية داخليّة وخارجيّة، ومن ثمّ وضع سلطة إنقاذ وإصلاح شاملة تعيد هيكلة القطاع العام وتصحّح الخلل في المالية العامة ليتحسّن الوضع النقدي والذّهاب إلى طاولة المحادثات مع صندوق النّقد الدّولي كي تفتح الأبواب لتدّفق رؤوس الأموال إلى لبنان، وبالتّالي تعود المؤسّسات متعدّدة الأطراف إلى حركة العمل بعض الشيء وتخلق الفرص، وهذا يؤدّي إلى إزالة الإنكماش الحاصل منذ ثلاث سنوات في الإقتصاد اللّبناني». ويشدّد غبريل على أنّ «جريمة إنفجار المرفأ كانت نقطة تحوّلٍ للشّباب اللّبناني إذ فقدوا عندها الأمل بالحلول، بناءً على كيفيّة التّعاطي مع هذا الموضوع».

وبالعودة إلى الأرقام والنّسب، قامت «Arab Youth Survey» باستطلاعٍ للرّأي عام 2020 فأظهرت نتائجه أنّ 77% من فئة الشباب في لبنان هاجروا أو يسعون لذلك، فكانت هذه النسبة الأعلى ما بين البلدان العربية، ويعلّق غبريل على هذه النّسب: «التشدّدات والصعوبات على السفر في زمن الوباء حاليّاً، قلّصت أعداد الشباب المهاجرين رغم بروز نسبةٍ عالية أيضاً».

شباب لبنان، هاجر من هاجر منهم، أمّا عن أولئك الذين لا زالوا هنا، بعضهم متمسّكٌ بخيط إبرةٍ والآخر فَقدَ الأمل، فهم لم يعودوا بحاجةٍ اليوم إلى سماع الوعود والكلام الّذي إعتادوا عليه، بل وصلوا إلى مرحلةٍ أصعب، لدرجة إنكماش عقولهم عن إمكانيّة التّخطيط لمستقبلٍ واعد، حتّى الحلم والطّموح إضمحلَّ وانقطع، فباتت الحلول الإصلاحية الشاملة غاية في الضرورة، إذ أنّ فئة الشّباب ومستقبلهم ليسا بمعزلٍ عن المطحنة الكبيرة الّتي تنهش لبنان تباعاً، ويبقى السؤال متى يحين الوقت للحلول والإصلاحات الجديّة؟