بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تموز 2018 12:21ص الإنتحار في لبنان ظاهرة خطيرة

حجم الخط
كتب محرّر التحقيقات:
الانتحار في لبنان يحتاج إلى إعلان حالة طوارئ، من أجل الحد من هذه الظاهرة الخطيرة، ففي شهر أيار 2018، سُجّلت 23 حالة انتحار، وهو رقم كبير مقارنة بالأشهر السابقة، والخوف أنْ يصل العدد، حتى نهاية العام 2018، إلى 200 حالة، خصوصاً أنّ 100 ضحية، سُجّلت على مدى 5 أشهر الماضية.
ووفق إحصاءات قوى الأمن الداخلي، التي أعدّتها الدولية للمعلومات - لبنان، سُجّلت من العام 2009 إلى 2017، 1193 حالة انتحار، والأسباب تعود إما إلى إطلاق النار، أو الشنق، أو السقوط من طبقة عليا، وتناول السموم، أو جرعة زائدة من المخدرات، أو تناول الأدوية.
د. عياش
لتسليط الضوء على هذه القضية، التقت «اللواء» الباحث في علم النفس السياسي والديني الدكتور أحمد عياش، الذي تحدّث بإسهاب عن هذه الظاهرة، فقال: «إنّ الانتحار ظاهرة قديمة في الوجود، وقد تناولها روائيون وأدباء وشعراء وحتى الأساطير والأديان وليست بظاهرة جديدة أو مستجدة في لبنان. والحقيقة أنّني أجريتُ بحثاً حول الانتحار في لبنان، صدر عام 2003، في كتاب عنوانه «الانتحار نماذج حيّة لمسائل لم تحسم بعد»، فالانتحار مرحلة أخيرة من مشروع موت، تحمله فكرة خاضعة لعوامل نفسية ذاتية، وقد تبيّن أنّ معدّل الانتحار في لبنان، وفق الأرقام الرسمية يعادل إثنين من كل مئة ألف مواطن، فيما أرقام أقسام الطوارىء في المستشفيات الرسمية والخاصة، أظهرت أن معدل الانتحار في لبنان، يفوق بأربعة أضعاف الرقم الأول، أي حوالى الثمانية، من كل مئة ألف مواطن لبناني».
أشكال الانتحار
وحول الأشكال المتعدّدة التي تدفع للانتحار، قال د. عياش: «للانتحار أشكال متعدّدة، منها الانتحار الناجح، وفيه تمتزج فكرة التدمير الذاتي، بالسلوك التدميري (بالتنفيذ)، الناجح للمهمة أي الموت الحتمي. أما الانتحار الفاشل، فهو بالرغم من وجود فكرة التدمير الذاتي، يأتي السلوك التدميري غير موفق، أي لا تتحقّق فكرة الموت. 
فيما الرديف الانتحاري، فهو حالة مقنّعة، يعمل بها الإنسان تارةً، معلناً عن نيّته بالموت الإرادي، إلا أنه غير قادر على تنفيذ السلوك التدميري، وتارةً دون وجود نية الموت، يسلك المرء سلوكاً انتحارياً، يؤدي به إلى الموت، وللرديف الانتحاري شكلان مستتر ومعلن، مثلاً السرعة في قيادة السيارات، أو تناول المخدرات، أو الإمتناع عن تناول العلاج، كل ذلك يحضّر السلوك التدميري.
وبالنسبة للرديف الانتحاري، فنجد الموت الرحيم، المطبّق في بعض الدول في العالم، إذ فكرة الموت الإرادي موجودة، ولكن السلوك التدميري، يأتي عبر آخر أو آخرين».
الأسباب
وعن أسباب الانتحار الأكثر شيوعاً في لبنان، قال: «وجدنا من الأسباب المباشرة، إضطرابات العلاقات العاطفية، الأحداث العائلية الاجتماعية، العوامل الاقتصادية الضاغطة، الحالات المرضية، الإعتداءات الجنسية والإبتزاز، الإنتقام، الفشل الدراسي، الهرب من العدالة، حالات اللعب والصدفة.
ومن الأسباب الذاتية والمستترة، الاكتئاب، إضطرابات المزاج، إضطرابات القلق وإضطرابات الوسواس القهري، الإدمان على المخدرات، الأمراض الذهانية الحادة، فصام الشخصية، الهوية الجنسية والشذوذ، الأزمات الوجودية، الصدمة النفسية التي تجعل الشخص، غير قادر على تحملها، واستيعاب واقعها الجديد.
في المقابل، فإن للانتحار ارتدادات ليست بالسهلة، على المحيط العائلي والإجتماعي،إذ يتسبب الانتحار بشعور الذنب لدى الأهل والأحبة والأصدقاء، وهذا الشعور يعظم كلما كانت العلاقة مع المنتحر أقرب وحميمية أكثر، مما يؤسس لحالات عصابية وأحيانا لانتحار مماثل.
كذلك، من المفيد أن نشير إلى حالات رديفة للانتحار، عبر تطوّع البعض من الشبان للقتال، في المؤسّسات العسكرية الرسمية وغير الرسمية، بحثاً عن مصير قتل على يد الآخر، فبدل أن يرفض الصلاة على المنتحر، يتحوّل الأخير لبطل وطني أو ديني أو قومي، مما يسهّل درب الرحيل، لذلك تخف نسبة الانتحار في البلاد، التي تشهد حروباً وقتالاً، لأن كثيرين من أصحاب النوايا أو الميول الانتحارية، يضعون أنفسهم في الأماكن الخطرة، وفي اللحظة الملتهبة، لعلهم يُقتلون أو يستشهدون كما يدعون».
الذكور أكثر عرضة
وعمّا إذا كانت هناك من فئة أكثر عرضة عن غيرها فقال: «إن الذكور من اللبنانيين، أكثر عرضة للانتحار الناجح من الإناث، فانتحار كل ثلاثة ذكور يقابله انتحار إثنتين من الإناث، بينما نجد أن عدد ضحايا الانتحار الفاشل من الذكور متقاربة تقريباً مع عدد ضحايا الإناث، عكس الأرقام العالمية، التي تقول بتفوّق عدد الإناث على الذكور في الانتحار الفاشل.
وقد سجّل في لبنان انتحار أطفال في عمر الحادية عشر سنة، ومسنون بعمر الثمانين. وتقع ظاهرة الانتحار ضمن مسؤولية وزارة الصحة الاجتماعية ووزارة الصحة العامة وحتى على وزارة العدل، فالمسؤولية مشتركة بما فيها، وللإعلام دور مهم، في تسليط الأضواء، على هذه الظاهرة الخطيرة.
أما الخطة الناجحة لمكافحتها فتبدأ بالوصول إلى الطبيب النفسي، والتعرف على أصحاب الميول الانتحارية في المدارس وميدان العمل، وتوعية الأهل عبر الأجهزة المرعية، عن العلامات الدالة عن الانتحار لدى أي لبناني أو أجنبي، يسكن لبنان لتسهيل معالجة العوارض والأسباب، ولتوقي الموت الإرادي قدر الإمكان.
تجدر الإشارة إلى أنه وفق إحصاءات منظمة الصحة العالمية، تسجل في كل من ليتوانيا وروسيا البيضاء وروسيا الاتحادية، 30 حالات انتحار، من بين كل مئة ألف مواطن».
التكتم سيد الموقف
وكشف د. عياش عن أنّ «العامل الاجتماعي – العائلي – الديني – المهني - القانوني، يلزم الكثيرين من اللبنانيين بعدم النطق بحقيقة الانتحار، كمن رمت بنفسها من الشرفة، أو وقعت وهي تنظف الزجاج من الخارج، أو أحرقت نفسها، أو هبت النار بها وهي تطبخ.
لذلك لا تسجل المخافر وقوى الأمن الداخلي، الحقائق الموضوعية لكل حادثة، بل يسجلون أقوال الشهود والمحيطين بالعائلة، حيث التكتم سيد الموقف، لاعتقادهم باللاجدوى من الحقيقة. فالدولة اللبنانية لن تقدم ولن تؤخر، في المسألة شيئاً ملموساً، أو خطة علاجية طارئة، لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، بكل أسبابها وظروفها ودوافعها، بل سيواجه الأهل، موقفاً دينياً رافضاً للصلاة على الجثمان، بينما التعويضات المالية من شركات التأمين، لا تغطي الانتحار مطلقاً».