بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 كانون الثاني 2019 12:00ص التغيّرات المناخية وموجات «التسونامي» تهدّد بيروت

حجم الخط
مدن بأكملها مهدّدة بالغرق، بسبب التغيّرات الهائلة للمناخ، في الكثير من المدن العالمية والعربية، بدءاً من الإسكندرية إلى القاهرة، وصولاً إلى بيروت والبصرة، ويتسبّب تغيّر المناخ بارتفاع مستويات مياه البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى ارتفاع حرارة الأرض، مع ارتفاع منسوب المياه، ما يجعل مدناً مهدّدة بالغرق تحت البحار.
وفي هذا السياق، أصدرت «الهيئة الحكومية الدولية المعنيَّة بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة» (IPCC)، تقريراً جديداً حول الإرتفاع العالمي، والمستمر في درجات الحرارة، والذي يشكّل مصدر قلق وخوف، لا سيما أنّ ذلك يؤثر في واقع البحار، عندما تسخن المياه فيها، فهي تتوسّع وتتمدّد، وكذلك تسبّب السخونة ظهور العواصف الكثيفة.

يُذكر أنّ درجات الحرارة، خلال فصل صيف العام 2018، حطّمت الأرقام السابقة، في العديد من الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فوصلت في الجزائر إلى 51 درجة في شهر تموز الماضي.
ويلفت التقرير إلى أنّ التوقعات الحالية تشير إلى ارتفاع في مستويات البحر على طول الساحل في مصر، وتحديداً حول مدينة الإسكندرية، ويتراوح بين 4 و22 سم، بحلول منتصف القرن الحالي، وحتى ارتفاع 10سم، وهذا الأمر سيضر بشكل كبير بالجانب الشمالي من منطقة دلتا النيل، وإنّ مدينة جاكرتا عاصمة أندونيسيا، هي الأسرع غرقاً على هذا الكوكب، والتي يسكنها 10 ملايين شخص، ويمكن أنْ تغمرها المياه بالكامل، بحلول منتصف القرن الحالي. وإنّ عدد السكان في مدينة بيروت تضاعف إلى أكثر من مليوني نسمة، في السنوات الأخيرة، وأدّى ضخ المياه الزائد، إلى دخول مياه البحر، إلى المياه الجوفية تحت المدينة. 
كذلك، فإنّ الخوف والقلق يشمل مدينة دبي، التي تشهد توسّعاً سريعاً في البناء ومشاريع التطوير التي يجري استصلاحها في البحر، وهناك مشكلة ارتفاع منسوب مياه البحار، في واقع الخليج العربي.
عبدالله
لتسليط الضوء على هذا الموضوع، التقت «اللواء» الباحث المشارك في «المركز الوطني للاستشعار عن بعد»، الدكتور شادي عبدالله، الذي قال: «تتعرّض منطقة حوض البحر المتوسط لمخاطر شديدة أكثر من ذي قبل، مع تسارُع معدلات التغيرات المناخية، وبحسب تقرير صدر مؤخراً للأمم المتحدة، فإنّه من المرجّح أن ترتفع درجات الحرارة بمعدل 1.5 درجة، بين عامي 2030 و2052، إذا استمرّت ظاهرة الاحتباس الحراري، بوتيرتها المرتفعة جداً، فإنّ الحاجة ملحّة، لاتخاذ التدابير السريعة وغير المسبوقة، لمواجهة الآثار السلبية لهذه الزيادة المرتفعة، حيث توضّح الدراسة أنْ تسارُع معدلات ذوبان الكتل الجليدية في القارة الشمالية المتجمّدة «أنتاركتيكا» وجزيرة «غرينلاند»، ومناطق أخرى في الشمال، سيتسبّب في تجاوز الارتفاع في مستوى سطح البحر بشكل غير متوقع».
وتابع: «ستكون دول حوض البحر المتوسط من أكثر مناطق العالم تأثّراً بارتفاع مستوى سطح البحر، حيث يعيش جزء كبير من السكان قريباً جداً من الساحل، ما يجعلهم عرضة لموجات البحر والعواصف، مثل المدن الساحلية في مصر وسوريا وفلسطين والجزائر والمغرب وتونس. كما يؤثّر تغلغل المياه المالحة على التربة الزراعية في العديد من المناطق، ما يؤدي إلى اختفاء عدد من المدن الساحلية، المطلة على البحر الأبيض المتوسط وسواه، ومنذ فترة وجيزة، أدّى هبوب الرياح العاتية والأمطار الغزيرة، في مدينة «فينيسيا» في «إيطاليا»، إلى ارتفاع المياه إلى مستويات تاريخية، فوق حد 150 سنتمتراً، 5 مرات في تاريخ البلاد».
وأردف: «إنّ ظاهرة التغيير المناخي جعلت كبار العلماء والخبراء يدرسون ما يحدث مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وتقليص حجم الجليد البحري في القطبين الشمالي والجنوبي، التي أثّرت أيضاً على الكائنات البحرية والنباتات، التي تتراجع أعدادها وأنواعها، وإنّ ذوبان الجليد يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه، ما يهدّد المدن بالغرق، فالقارّة القطبية الجنوبية فقدت نحو 3 تريليونات طن من الجليد، منذ العام 1992، وذلك بسبب الإرتفاعات القياسية، في درجة حرارة الأرض، وتفاقم التغييرات المناخية».
وكشف عبدالله عن أنّ «الدراسة أظهرها باحثون بجامعة «ليدز» البريطانية، بالتعاون مع 88 باحثاً وعالماً حول العالم، ونشرت نتائج أبحاثهم في دورية (Nature) العلمية، فالقارّة القطبية الجنوبية تحتوي على جليد، قد يؤدي ذوبانه إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، بما يصل إلى 60 متراً، وإغراق المدن الساحلية، وأظهرت الأبحاث أنّه من العام 1992 إلى 2011، فقدت القارّة القطبية الجنوبية، ما يقارب 84 مليار طن من الجليد سنوياً، وخلال السنوات الخمسة التي بدأت عام 2012، فقد خسرت القارة القطبية الجنوبية، 219 مليار طن من الجليد سنوياً».
وأوضح أنّ «الدراسة عدّدت المدن المهدّدة بالغرق حول العالم، وهي كالآتي: مدينة «أوساكا» اليابانية، البصرة العراقية، والإسكندرية المصرية، و»ريو دي جنيرو» البرازيلية، و»شنغهاي» الصينية، و»ميامي» في الولايات المتحدة الأميركية. أما بالنسبة إلى لبنان فإنّ موسم الشتاء فيه، كان يبدأ في شهر أيلول، الذي هو بداية فصل الخريف، وبشكل استثنائي بدأ الموسم الحالي، في شهر تشرين الأول الماضي، لكن كمية الأمطار والثلوج، تهطل بغزارة في شهري كانون الأول والثاني، ما يؤدي إلى تغذية خزانات أحواض المياه الجوفية في الجبال، لكن مشهد الصورة المناخية، لم يعد كما كانت في السابق، فالكميات الكبيرة من الأمطار والثلوج، بدأت تهطل في فترات قصيرة جداً، مما سبب حصول فيضانات وسيول جارفة، في الفترة الأخيرة، كما حصل مؤخراً في مناطق بعلبك الهرمل وعكار والضنية وسواها».
وختم عبدالله: «إنّ كل التغيّرات المناخية، الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، تؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر، وهذا ليس حصرياً أو حكراً على مدينة بيروت، بل على كافة المدن الواقعة على البحر المتوسط، وبالتالي فإنّ هذه التغيّرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة في الأرض، وذوبان الجليد يعرّض المدن الساحلية اللبنانية، إلى مخاطر كبيرة منها ارتفاع مستوى البحر. أما من الناحية «التكتونية»، فلقد تعرّضت مدن لبنان: بيروت، صيدا، صور وطرابلس عبر التاريخ لأكثر من حدث زلزالي ومد بحري عبر العصور وقبل ولادة السيد المسيح.
براكس
كذلك، تحدّثت «اللـواء» حول هذا الموضوع إلى مديرة «المركز الوطني لـ«الجيوـ فيزياء» في «المجلس الوطني للبحوث العلمية» الدكتورة مارلين براكس، التي قالت: «إنّ حصول هزات وزلازل أرضية كبيرة، في البحر الأبيض المتوسط، ممكن أن ينتج عنه أمواج «تسونامي»، كما لا بد من أن تصل إلى المدن الساحلية الواقعة عليه، ومنها مدينة بيروت وسواها، وهنا لا نتحدث عن اختفاء أو غرق فقط، لأنّ العاصمة بيروت تعرضت سنة 551م، إلى «تسونامي» مدمّر، أدى إلى هزّة أرضية كبيرة، أوقعت 30 ألف ضحية، سقطوا بفعل ارتفاع أمواج البحر، الذي تراجع حوالى 3 كلم، واشتعل حريق في المدينة، استمر مدّة شهرين، حتى تم القضاء عليه».
ولفتت براكس إلى أنّ «العلاقة بين التغيّرات المناخية، ومنها الجفاف وذوبان الجليد، وارتفاع درجة الحرارة في الأرض، وحدوث الزلازل والهزات الأرضية، غير موثّقة أو مثبتة علمياً، ورغم ما يقال بأن البحر الأبيض المتوسط، مقفل وغير مفتوح إلا لجهة مضيق جبل طارق، مع المحيط الأطلسي، فإن وقوع أمواج «تسونامي» فيه، واردة جداً، وحصلت في مراحل تاريخية سابقة، مرّات متعدّدة ومتكرّرة، وممكن أنْ تُعاد مرّة أخرى، وما حصل مع مدينة بيروت والمدن الساحلية اللبنانية، من اختفاء أو غرق، ممكن حدوثه ووقوعه في الفترات المقبلة».