تحقيقات

لكن بين الشكاوى والشعارات من جهة، والواقع من جهة أخرى، هوّة لا يدرك عمقها الا اللبنانيين الذين أصبحوا أسرى لخوفهم خصوصا بعد انفجار المرفأ في 4 آب، رغم اعتيادهم على رؤية الطيارات الاسرائيلية تحلق يوميا، الا أن علامات الاستفهام ومشاعر القلق لا تنفك تتسلل الى نفوسهم، مع كمّ هائل من التساؤلات.

ما هي مهمة هذه الطائرات الحربية؟ بنك اهدافها ( تحديد أهداف، عمليات استطلاعية...)، ما سبب تحليقها على علو المنخفض جدا؟ ما هي الغارات الجوية التي تنفذها؟ ماذا يعني خرق جدار الصوت؟... وغيرها من التساؤلات التي لم يلقوا لها أجوبة تشفي قلقهم بمعلومات من شأنها توضيح المشهد.

وما الخوف والقلق المزروع في نفوس اللبنانيين الا الهدف الأول المرجو من هذه الخروقات، إنها الحرب النفسية، ولكن هل هي مقدمة لاهداف تدميرية أخرى سيكون للبنان حصة وازنة منها في ظل الصراع المحتدم بين إيران وإسرائيل وأميركا.

«اللواء» طرحت هذه التساؤلات على العميد المتقاعد خالد حمادة للغوص في تفاصيل المشهد ومعرفة دلالاته وانعكاساته على الساحة السياسية.

العميد المتقاعد خالد حمادة

ما هي طائرات استطلاع؟

تستخدم طائرات الاستطلاع للتحليق في الاجواء قبيل تنفيذ عمليات هجومية على مواقع محددة، وعملها يقتصر على تحديد بقعة العمليات بشكل دقيق، كشف تحركات الخصم في حال حصلت تغييرات بطبيعة الارض مثل استحداث مراكز، مراقبة حركة الآليات، التقاط الصور للمواقع بشكل متكرر.

طائرة استطلاع اسرائيلية

لا تشارك طائرات الاستطلاع في عمليات قتالية، فهي تكون مجهزة بما يسمح لها بالدفاع عن نفسها فقط وتفتقد لتجهيزات متطورة مثل الاعتراض رادوي (تشويش على الردرات أو تشويش لاسلكي...)

الطائرات التي تحلّق في الاجواء اللبنانية، جزء كبير منها، مهمته الاستطلاع، علما أن لبنان يخضع لتصوير جوي متواصل عبر الاقمار الاصطناعية، التي يمكنها المرور على نقطة معينة ومراقبتها كل 4 ساعات.

وتضع اسرائيل الاراضي اللبنانيية على قائمة الاستطلاع الدائم بسبب البنية التحتية العسكرية التابعة لـ «حزب الله» الموجودة في البقاع والجنوب وفي محيط المطار، بحسب حمادة.

كما تستخدم اسرائيل الاجواء اللبنانية ممرا للطائرات الحربية المتوجّهة نحو الداخل السوري حيث تنفذ عمليات قصف مواقع الخصم.

لماذا تمر الطائرات فوق لبنان؟

الطائرات الاسرائيلية تستفيد من ارتفاع سلسلة جبال لبنان الغربية الذي يصل الى أكثر من 3000 متر ما يوازي 10 الف قدم، للاختباء بما يمنع الردارات السورية من رؤيتها وعند وصولها الى منطقة رمي الاهداف ترتفع فوق السلسلة بشكل سريع. هذه الوضعية تعرّضها للانكشاف أمام الخصم لفترة زمية قصيرة لا تتعدى الدقيقة.

إذا تمكنت الردرات السورية من كشفها وكان السوريون على جهوزية تامة للرد، فآنهم لا يملكون الوقت الكافي لاستعمال مناطق الدفاع الجوي. بعد تنفيذ المهمة والتأكد من اصابة الاهداف، تعود الطائرات الاسرائيلية الى فلسطين مرورا بالاجواء اللبنانية مرة جديدة على علو منخفض.

أما تسميات الطائرات الحربية الاكثر تداولا هي: (F 15)، (F 16)، (F 18)، وصولا الى F) 35)، وكل نموذج يتم اختياره وفقا للمهمة المطلوبة.

الغارات الوهمية

الغارات الوهمية بمصطلحها العلمي هو "اختراق حاجز الصوت"، عندما تقترب سرعة الطائرة من سرعة الصوت في الهواء (340م/ الثانية ) تبدأ الطائرة في الإهتزاز والتأرجح وبزيادة سرعة الطائرة حتى تصل لسرعة الصوت يزداد الإهتزاز بدرجة خطيرة قد تؤدي إلى نزع أجنحتها .. وما أن تزيد سرعتها عن سرعة الصوت يعود لها الإستقرار و يتوقف الاضطراب ونقول أن الطائرة قد اجتازت جدارا غير مرئي في الهواء يسمى الحاجز الصوتي .

تفسير هذه الظاهرة أن الصوت ينتقل على شكل موجات من التضاغط والتخلخل المتتالية تنتشر بسرعة الصوت .. وعندما تطير الطائرة بسرعة أقل من سرعة الصوت يسبق الصوت الصادر من الطائرة نفسها .

(المصدر: موقع دنيا الوطن)

ولكن عندما تتساوى سرعتها مع سرعة الصوت تتفق حركة الطائرة مع حركة التموجات الصوتية التي تحدثها فتتراكم موجات التضاغط أمامها مكونة ما يشبه الحائط .. وعندما تزيد السرعة عن سرعة الصوت عليها أن تخترق هذا الحائط المرتفع ولحظة اختراق الطائرة للحاجز يسمع الناس صوت انفجار شديد قد يسبب تهشم الزجاج.

تنفيذ الغارات الوهمية يتم من دون استخدام زخيرة، وهي عبارة عن تمرين او مناورة يتخللها استهداف مواقع معينة، ويكون هناك أكثر من طائرة في الاجواء طائرة تلعب دور الهجوم وطائرات مواكبة لها.

الخطوط البيضاء.. ماذا تعني؟

شكاوى لبنان الى مجلس الامن الدولي

حمادة اعتبر أن لا قيمة فعلية للشكاوى الرسمية التي قدّمها لبنان الى مجلس الامن الدولي عبر مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة أمل مدللي ضد الخروقات الاسرائيلية، لأنه فقد «حجة السيادة» نتيجة هيمنة «حزب االله» التابع لايران على المفاصل القرار، وبالتالي التدخل الايراني بالشأن اللبناني يطيح بمفهوم السيادة، ويضعف موقف لبنان دوليا، خصوصا مع استسلام أهل السلطة لهذا الواقع.

واذ ذكّر حمادة بـ «قمة العلا» التي لم تتطرق الى الملف اللبناني، قال: مساعدة لبنان تقتصر على الاغاثة الانسانية، وقرض شبكة الأمان الاجتماعي للبنان والبالغة قيمته 246 مليون دولار الذي وافق البنك الدولي عليه يأتي أيضا في هذا الاطار.

حرب نفسية

وفي السياق نفسه، اعتبر حمادة أن الطيران الاسرائيلي المكثّف يأتي في اطار الحرب النفسية بالدرجة الاولى، اذ سماع صوت الطيران المتكرر يمكن أن يتبعه في أي لحظة تنفيذ قصف على مواقع لحزب الله في لبنان، هذا التهديد يؤثر على الوضع النفسي لكل الاشخاص منضويين في صفوف الحزب، يدفعهم لطرح التساؤلات حول صوابية القرارات الصادرة عنه، ويعرّض الثقة بمشروع الحزب للاهتزاز.

كما تؤكد اسرائيل عبر هذه الممارسات انها مستعدة لمواجهة أي خطر وتملك قدرة تدميرية تفوق قوى الاعداء، مدركة أن الدولة اللبنانية وحزب الله لا يملكان القدرة والاسلحة المتطورة الللازمة لتهديد الطيارات الاسرائيلية لذلك تستخدم هذا الاسلوب.