بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الأول 2020 12:01ص بعد المحروقات والسّلع الحياتية: اللبناني والدواء.. قصّةُ رُعب وقلق وإذلال

بين شائعات الفقدان وأخبار رفع الدعم.. الأمين لـ «اللـواء»: الأزمة سياسيّة ونفسيّة.. والاحتياطي قليل جداً

علب البانادول الاخيرة فوق رف احدى الصيدليات  (تصوير: محمود يوسف) علب البانادول الاخيرة فوق رف احدى الصيدليات (تصوير: محمود يوسف)
حجم الخط
«بعد محاولات عديدة باءت بالفشل؛ لم أجد سوى محرك البحث «غوغل» للاستعانة به لأعثرَ على صيدلية أستطيع تأمين أدوية والدي ووالدتي المصابَين بالروماتيزم منها». تقول «مريم. خ» من بلدة سحمر في البقاع الغربي، وهي تقصُّ معاناتها في البحث عن الدواء الذي بات سلعة نادرة ومفقودة، ووصلت حالة المواطنين مع شائعات رفع الدعم وفقدان الأصناف من الصيدليات إلى كتابة فصل جديد من الإذلال، بعد طوابير المصارف، والأفران، ومحطات الوقود.

والدا مريم مرضى روماتيزم؛ الأبُ في مرحلةٍ متقدمةٍ من المرض ويحتاج لحقنةٍ أسبوعية. تخبرُ الشابة العشرينية أنها تعبت من البحث والتنقل من صيدلية لأخرى، وما زاد من أزمتها أن الطبيب المعالج أخبرها أن لا بديل لدواء والدها، وهنا صدمة أخرى. قصةُ مريم، واحدةٌ من بين مئات لا بل آلاف الحالات المماثلة اليوم في لبنان بفعل أزمة انقطاع أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية التي تواجه المواطنين، والتي استبقت بتحذيرات غامضة منذ أكثر من سنة من قبل النقابات المعنية، نقابة الصيادلة ونقابة مستوردي الأدوية، إلى أن وجد اللبناني نفسه في قلب الكارثة.

نقيب الصيادلة: هذا سبب الهلع

بعد نفيه تلقّي أي تأكيد من حاكم مصرف لبنان عن رفع الدعم عن الدواء قبل نهاية العام، يشير نقيب الصّيادلة في لبنان غسان الأمين في حديث لـ «اللواء» إلى «خطورة الوضع الّذي يعيشه اللبناني إثر إنخفاض إحتياطي الدّواء المتوفر، في المقابل إنخفاض الفترة التّي يمكن أن يغطيها الإحتياطي الموجود حالياً لتأمين حاجات السوق، من ستّة أشهر (وهي المدة في الحالات الطبيعية) إلى أربعة أشه فقط». من ناحية أخرى، يعتبر الأمين أن «تهافت المواطنون على شراء الأدوية بكثرةٍ وبالأخصّ أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية كالضغط والسكري والأعصاب... أتى نتيجة إنتشار شائعات إحتمال رفع الدّعم عن الدّواء قبل نهاية العام». وفي حال حصول ذلك، يرى أن «سعر الدّواء سيصبح أعلى بخمس أو ست أضعاف عمّا هو عليه اليوم». ولفت إلى أنّ «هذا التّهافت والتخزين لمدة زمنية طويلة من قبل النّاس، أتى على حساب المخزون عند المستوردين، وعلى من هم من الطّبقة غير الميسورة، عكس الطبقة الميسورة الّتي تستطيع تخزين الدّواء بكميات كبيرة فور انتشار المخاوف لدى النّاس في حال رُفع الدّعم».


ادوية مفقودة في الصيدليات

وتعليقاً على عمليات التّهريب الّتي ضُبطت في المطار يوم الجمعة الماضي؛ يلفت الأمين إلى أن «موقف النقابة هو أنّ عمليات التّهريب موجودة في كلّ دول العالم، وفي لبنان أصبح التّهريب محدوداً للغاية وليس بكميات وشحنات كبيرة بعد كارثة مرفأ بيروت وجائحة كورونا، وهو يقتصر على «تجار الشّنطة»، مؤكداً أنّ «عمليات التهريب لا تشكّل سوى 5٪ من الأزمة، وأنّ المشكلة الحقيقية هي في عدم الإستقرار السّياسي وبالتالي ارتفاع سعر صرف الدّولار بشكل كبير. وثانياً، بسبب الآلية «البطيئة» التي يعتمدها مصرف لبنان للموافقة على دعم الدّواء على سعر الـ 1515 ل.ل.»، ويضيف: «كل ذلك يؤثر على حركة الاستيراد، مما يؤدي إلى خللٍ بين منسوب الطّلب على الأدوية وبين حركة الإستيراد». ويشدّد على أن «تشكيل حكومة جديدة من شأنه المساهمة في ضبط سعر الصّرف وبالتالي خفض سعر الدّولار قليلاً، فيستمر بذلك المصرف المركزي بالدّعم».

ويستبعد الأمين في حديثه لـ «اللواء» إمكانية «رفع الدّعم بشكلٍ كاملٍ عن الدّواء، وفي حال حصل ذلك نكون أمام «كارثة وطنيّة»، على مستوى مؤسسات الدّولة كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة وعلى المواطنين ككلّ».

وحول شائعات عمليات تخزين الأدوية من قبل الصيادلة أو الوكلاء إلى حين إرتفاع سعرها والبدء ببيعها من جديد، يؤكّد الأمين أنّ «الدّواء هو السّلعة الوحيدة الّتي ما زال سعرها كما كان قبل الأزمة، وأنّ الصيادلة لا يزالون ملتزمين بالسّعر المحدد من قبل وزارة الصحة». ويضيف: «بكلّ تأكيد ليس هناك تخزين للأدوية من قبل الصيادلة، فنحن نجري رقابة دائمة على حركة الإستيراد مقارنةً بالسوق وبالأعوام السّابقة، وهذا العام كانت الحركة بطيئة نسبةً للعام الماضي، فالكميات الموجودة الآن خاصة بعد تهافت الناس للشراء لا تسمح بالتخزين».



نقابة مستوردي الأدوية: الأزمة تطال أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية والمخزون الموجود حالياً يفي بحاجات البلد لشهرٍ أو شهرين

نقابة المستوردين: لا أزمة

أمّا في خصوص نقابة مستوردي الأدوية وتعليقها على الوضع الحالي، وردّاً على سؤالٍ حول إحتمالات إنقطاع الدّواء من الأسواق، يقول نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة لـ «اللواء» أنّ «السّوق لا تعاني من نقصِ كلّ الأدوية، إنّما الأزمة تطال أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية وإنّ المخزون الموجود حالياً يفي حاجات البلد لشهرٍ أو شهرين. مع العلم أنّه أكدّ على ضرورة إستلامهم شحنةً منها كلّ شهر». ويشدّد جبارة على «أنّنا نستطيع تدارك الأمور في حال إلتزام كل الجهات من نقابة ووكلاء وموزعين وصيدليات ومواطنين أيضاً بتطبيق الآلية الطبيعيّة والمنظمة في عملية التوزيع والاستهلاك للأدوية»، مؤكّداً «أن أي خللا من قبل أي طرف في آلية التوزيع والاستهلاك سيؤدي إلى فوضى وبالتالي لا يمكن للوضع أن يستقرّ». وهو قال في خلال اجتماع في وزارة الصحة أمس جمعه مع نقيب الصيادلة إلى وزير الصحة حمد حسن لبحث الأزمة ما حرفيته: «نحن أمام اتجاهين في إطار البحث عن آلية منظمة وجديدة لتوزيع واستهلاك الأدوية؛ إمّا الوصول إلى حلّ والإبقاء على آلية التوزيع والاستهلاك الطبيعي المعتاد للأدوية من قبل الوكلاء والصيدليات والمواطنين، أو فتح الإستهلاك غير المحدود في الصيّدليات حتّى نفاذ المخزون».

شهاداتٌ موجعة

في شهادات الناس والمواطنين وأهالي المرضى تفاصيل موجعة، ورعب واضح. توضح الدكتورة الصيدلانية أمل ناصر الدين التي تعمل في إحدى صيدليات العاصمة أنّ «زحمة الإستهلاك شديدة وكبيرة، وخوف النّاس يصل لدرجة أن ترسل العائلة فرداً تلو الآخر لطلب الدّواء نفسه وشرائه على سبيل المثال».

وكما فعلت «مريم»، يلجأ البعض اليوم للحصول على الدواء إلى البحث عنه خارج مناطقهم أو حتى خارج لبنان، فتلك الصبية تقول: «ذهبت من سحمر إلى دير الزهراني كي أؤمّن دواء أبي وأمي. ثم اتجهت للبحث في مناطق البقاع حتى عثرت عليه، ولكنّ لم استطع الحصول سوى على علبة واحدة منه». وتضيف أنه «في حال توقف والدها عن أخذ الدّواء، سينتج عن ذلك ردة فعل عكسية سلبية»، كما أعلمها طبيبه الخاص.

ليس سهلاً أن يشاهد المواطن أولاده أو أهله أو أيَّ إنسانٍ يموت بسبب شُحّ الدواء، سواء أكان فقدان هذه السلعة بسبب رفع الدعم أو جشع المؤسسات أو تقاعس الجهات المعنية عن ممارسة الرقابة المطلوبة لمنع كلّ ذلك. هذا السيناريو، وإن لم يحصل، لكنّه متوقَّع قريباً جدّاً إن لم يتم تدارك هذه الكارثة. ليس على مستوى الأدوية فحسب؛ بل السلع الإستهلاكيّة والمحروقات، وقبلها جميعاً إستعادة الإستقرار السياسي والإقتصادي والمالي من باب تصحيح العمل الحكومي.