بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 كانون الثاني 2021 12:02ص بين كورونا واللقاح.. مخاوف وشائعات وأمل أخير

جلّوس لـ"اللِّواء": الفيروس سيتحوّر لإنفلونزا موسميّة ونسبة الإستجابة المناعية للقاح 95%

حجم الخط
بعد أخذ وردّ، في غالبه لم يكن ذا قيمة، صدر القرار بالإغلاق العام حتى مطلع شهر شباط المقبل سعياً للحدّ من انتشار الموجة الثانية من فيروس «كورونا» التي فاقت معدلات إصاباتها ما كان معهوداً مع الموجة الأولى، خصوصاً مع استهتار كثيرين بمعايير الوقاية، واستسهالهم الاختلاط والتجمعات الكبيرة، كما حصل في احتفالات رأس السنة، توازياً مع أخبار اللقاحات ونتائجها.. هكذا بات المشهد الكوروني يراوح بين سقفين: مساعي الحدّ من انتشاره وانتظار سحر اللقاحات. 

فكما تجري العادة، لـ «لبنان» إستثناءات في كلّ ما يطاله من أزماتٍ أو جوائح، لكنّ الحظّ لم يحالفه في مواجهة «جائحة كورونا»، فهنا لا مجتمع دولي يعمل على حلّ مشاكله، فالكارثة طالت الجميع دون استثناء. للحظة استبشر اللّبنانيون بتراجع أعداد الإصابات لكنّ ما حصل هو العكس بعد إعادة فتح المطار في تمّوز 2020، لتعود أعداد الحالات للإرتفاع ويصل الوضع إلى ما هو عليه الآن (أكثر من 3000 إصابة يومياً)، بعد فوضى موسم الأعياد، ويمكن وصف الوضع بأنه بات يحاكي «السّيناريو الإيطالي المُخيف»، فالمستشفيات اليوم، بدأت تردّد على أسماع المواطنين أنّها قاربوا الوصول إلى مرحلةٍ صعبة، وستلجأ إلى تفضيل استقبال المصابين من فئة الشّباب على كبار السّن، وهنا يبدأ الذّعر.


عالميّاً وعلميّاً، ومع إعلان عدّة شركات عن بدء استعمال أنواع من اللقاحاتٍ، برزت بارقة أمل للعالم أجمع، إذ باشرت دول عدة باعتماد اللقاحات مع شعوبها، في حين تتحدّث أحدث الدّراسات عن تحوّرات جديدة للڤيروس، وأخرى تتناول التّفسير عن اللّقاحات بشكلٍ علمي يُظهِرُ أنّ هذه التغيرات الجديدة لا تؤثّر على مفعوله. إضافةً إلى دراساتٍ أكّدت أن فعاليّة اللقاحات المكتشفة تبلغ نسبة 90% إلى 95% لناحية قدرتها على تحقيق الإستجابة المناعيّة، أي أنّ 5% عالميّاً فقط، يمكن أن لا تستجيب أجهزتهم المناعيّة لفعالية اللّقاح.

وتشير أغلب المصادر العلميّة إلى ثلاث لقاحات معتمدة ومتقدّمة، لقاح فايزر-Pfizer، مودرنا-Moderna ولقاح أكسفورد أسترازينيكا-Oxford AstraZeneca، الذي تمّت المصادقة عليه الأسبوع الماضي. أمّا من ناحية الإنتاج فالمعلومات الأخيرة تشير إلى أنّ الصّين حاليّاً ستطوّر معاملها لإنتاج حوالي 300 مليون جرعة سنويّاً بدلاً من 150 مليون جرعة من اللّقاح، وكذلك باقي الدول عبر شركاتها ومختبراتها المصنِّعة.

لبنان نحو الإقفال العام

محلياً، وبعد إعلان الإقفال العام مجدداً، كان لافتاً توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون مراسيم شراء لقاح «كورونا»، وإذا كان هذا الخبر فيه إيجابيات إلا أنه لم يسلم من تعليقات كمن استغرب سرعة توقيع هذا المرسوم فيما لم يبادر لتوقيع مراسيم أخرى أكثر أهمية وإلحاحاً، وتعني المواطن في أزماته الحياتية قبل أزمته مع جائحة كورونا، ثم ما سرّ السرعة في إتمام عملية الشراء في وقت ما تزال دول كثيرة مترددة بانتظار حسم اسم اللقاح الأكثر فاعلية ووقاية! ووسط علامات استفهامٍ كثيرة، محليّة وعالميّة وحملات تطال اللّقاحات التي باتت معتمدة! أمام كل ذلك يقف الجميع حائراً أمام شعوري: الإقدام على أخذ اللقاح أو التمنّع عن ذلك؟ فهل هذه اللّقاحات فعّالة حقّاً؟ وهل نظريّة «المؤامرة العالميّة» الّتي تغوص فيها جهات غير مختصّة لاستهداف «اللّقاح الحلم» الّذي طالما انتظره النّاس، مُحقّة؟

جلّوس: لا أعراض جانبيّة مثبتة علميّاً

وفي هذا الطّرح لا بدّ من عرض رأيٍ طبي لمعرفة تفاصيل علميّة أكثر دقّة من قبل أهل الإختصاص في خصوص اللّقاح وحول علامات الإستفهام الّتي تدور حوله. وبدوره يجيب البروفسور اللبناني حسين جلّوس، عضو في خلية مواجهة ڤيروس كورونا في جامعة بافيا الإيطالية، في حديثٍ خاصٍّ ل «اللّواء» حول التّساؤل عن اللّقاح المعترف به علميّاً، أنّ «معظم اللّقاحات التّي جُهّزت حتّى اللحظة، أي حوالي 6 لقاحات بدءاً فايزر-Pfizer، مودرنا-Moderna ، أسترازينيكا-AstraZeneca، اللّقاح الرّوسي واللّقاح الصّيني، معترف بهم علميّاً لأنّهم أنجزوا المراحل التجريبية اللّازمة». أمّا في خصوص فعاليّتهم فيؤكّد أنّ «نسبة الفعاليّة تتراوح من 90% إلى 95%  بما معناه أنّ النّسبة ذاتها من الأشخاص إذا تلقّت اللّقاح سوف تحقّق إستجابة مناعيّة جيّدة». ويلفت جلّوس أنّ «الشّق الّذي لم يُعرف أو يثبت علميّاً حتّى الآن هو الفترة الزّمنية لدوام هذه المناعة بعد تلقّي اللّقاح، فالفترة المعترف بها من قبل الشّركات الّتي أنتجت اللّقاح هي حوالي السّنة إلى سنتين حتّى اللّحظة»، ولكنّه يؤكّد أنّ «تحديد هذه الفترة يعتمد على الوقت لإثبات المدّة الحقيقية لإستمرار المناعة وذلك بسبب عدم وجود مرحلة تجريبية دامت لفترة طويلة بالمقابل».

أمّا عند سؤاله حول نظريّة المؤامرة الّتي تتخوّف بعض الدّول إزاءها وبالتّالي تتمنّع عن إعطاء اللّقاح لشعوبها، فيجيب جلّوس «هنا نطرح تساؤلات، هل هذه الدّول تتمنّع أو أنّ ليس لديها إمكانيات الحصول على اللّقاح، خصوصاً في الدول الفقيرة ودول العالم الثالث، مع العلم أنّ منظّمة الصحة العالميّة أصرّت على أن تحصل كلّ دول العالم على اللّقاح. بالمقابل هناك بعض الدّول أبقت على التّمنع ولكن هذا ناتج عن أنّ المواطنين في هذه الدّول لا يريدون تلقي اللّقاح بسبب التّخوف من عوارضه الجانبيّة الّتي يمكن أن تحصل بعد فترةٍ طويلة كما يعتقدون». وقد اعتبر أنّ «النّاس تتحدّث بطريقة غير علمية أحياناً عن عوارض جانبيّة ستنتج بعد سنة أو سنتين من تلقي اللّقاح»، مشدّداً أنّه «لم يُثبت علميّاً حتّى الآن وجود أي أعراض جانبية بعد هذه الفترة». لذلك رأى جلّوس أنّه «من الأفضل أن يكون اللّقاح إلزامياً لجميع المواطنين».

ليست سلالات إنّما تحوّرات

وفي سياق الحديث حول تسمية «سلالة كورونا 2020»، يلفت جلّوس أنّه «لا يمكن الحديث عن سلالات جديدة لأنّها علميّاً تعتبر فقط بعض من التّحورات أيّ التّغيرات في السلسلة الجينية للڤيروس، في حين أُثبت علميّاً أنّها لا تؤثر على فعاليّة اللّقاحات المعتمدة حالياً للڤيروس Covid-19 بكلّ تحوّراته وتغيّراته الجينية، أي لا تخوّف في هذا الموضوع». أمّا عن التّخوف الّذي يمكن أن ينتج في الوسط العلمي ولدى النّاس تجاه اللّقاح، فيكرّر جلّوس أنّ «فعاليّة الإستجابة المناعيّة للقاح هي ما يمكن أن تشغل التساؤلات فقط ومدتها أيضاً».

كورونا كالإنفلونزا.. ولقاحها سنوي

ويرى جلّوس «أن ڤيروس كورونا سيصبح مثل أيّة إنفلونزا موسميّة يتوجّب على النّاس تلّقيهم لقاحاً سنويّاً لها، فيبقى إذاً اللّقاح هو الحلّ الوحيد». ويضيف بالحديث عن تعدّد اللّقاحات، أنّ «العديد من المختبرات والشّركات أصبحت في مرحلة متقدمة جدّاً في تجهيز بعض اللّقاحات ولكن الأكثر ضجّة وجهوزية هم ال 5 أو6  لقاحات الّتي يتكرّر الحديث عنها، ويؤكّد أنّ «لقاح «أسترازينيكا-AstraZeneca» هو أوّل لقاح كان على جهوزيّة علمية تامّة وصارمة، ولكن ما تغيّر في اللّحظة النهائيّة يعود لأسباب سياسيّة لا يجب على أهل العلم أن يخوضوا فيها، ما أدّى الى تفضيل ظهور لقاح «فايزر-Pfizer» كأوّل لقاح للڤيروس في حين كان «أسترازينيكا» على جهوزية قبله أي قبل اللّقاح الأميركي».

تجربة لبنانيّة 

في الإمارات، شابّة لبنانية تلقّت اللّقاح منذ أسبوعين، تحدّثت لـ»اللِّواء» عن هذه التجربة مؤكدة أنّها» لم تتردّد في أخذ اللّقاح بعد إطّلاعها على كل المعلومات والتقارير العلمية التي تصدر عن وزارة الصحة في الإمارات، معتبرةً أنّ «هذا اللّقاح لو يشكّل خطراً على أهل الإمارات لما كانت لتدخله وتعطيه لشعبها أيضاً». وتضيف: «لم أكن مضطرّةً لأخذ اللّقاح بسبب أمور صحية، أنا اخترت ذلك بقرار شخصي وبداعي السّفر، وهو لقاح «الفايزر-Pfizer». وبعد سؤالها عن شعورها إذا ما أحسّت بعوارض معيّنة، توضح أنّها «شعرت ببعض الأوجاع في رأسها فقط لا غير»، وتتابع: «حتّى بعد تلقّي اللّقاح، استمرينا بالخروج مع ارتداء الكمامة، لأنّ الإمارات تلزم الجميع بذلك رغم أخذ اللّقاح».

وتضيف: «شعرت ببعض الحزن لأني كنت أفضل لو أنّ دولتي هي من سعت لأجلنا لنأخذ هذا اللّقاح حتّى ولو أنّنا في الغربة، ولو أنّنا شعرنا بهذا الإهتمام حقّاً، كنت سأفرح أكثر، والشعور بعد أخذ اللّقاح ليس بسعادة بقدر ما هو شعور أمان، وأقدّر خوف هذه الدّولة على شعبها وعدم إستغلالهم، بل تأمينهم اللّقاح بشكل مجاني على أمل أن يؤمن في بلدنا لبنان أيضاً».

الإجراءات ضروريّة رغم اللّقاح

رغم الأمل الّذي ترسمه اللّقاحات، تبقى هناك ضرورة قصوى للإبقاء على الإجراءات الوقائيّة. فاكتشاف اللّقاح لا يعني الإنتصار التّام فوراً على الڤيروس المتفشّي... أمّا على صعيد لبنان، الّذي ينتظر شعبه حلول شباط 2021 لتصل أولى جرعات اللقاح، فيشعر كثيرون، رغم التعثّرات الحياتيّة الّتي يعيشونها على الدّوام، أنّ لهم حصّةً ولو بأعدادٍ ضئيلة من جرعات «اللّقاح الحلم»، فهل ستنجح وزارة الصحّة اللّبنانيّة بأن تؤمّن أعداداً كافية من اللّقاح لشعبها؟ وهل سيكون مجّانيّاً كما في باقي الدّول؟ أم أنّه سيكون عرضةً للسمسرات وسياسات النّهب والسّرقة والمحاصصة أيضاً؟! أمّا نسبةً للشّعب، ورغم الوعود بالحصول على اللّقاح في القريب العاجل، فهل سيتجرّأ اللبنانيين على تلقّي اللّقاح؟ وهل يُراهَن على وعيهم لتدارك الوضع الوبائي الّذي أصبح صعباً وخطراً للغاية؟ فاللّقاح رغم فعاليّته، دون «الوعي» لن ينشل الوطن ولا العالم أجمع من هذه الجائحة!