بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 كانون الثاني 2021 12:01ص كورونا والمناطق.. شهادة صارخة لغياب الدولة

«مستشفى مشغرة» مركزٌ وحيد لاحتواء جائحة.. والطاقم الطبي يناشد

مستشفى مشغرة مستشفى مشغرة
حجم الخط
بعد مرور أسبوعين سمحت خلالهما الحكومة اللّبنانية للشّعب بأن يحيي موسم الأعياد في الساحات والمطاعم والمقاهي... ها هي عواقب هذا القرار الحكومي الذي نفّذه الناس، تتجسّد اليوم بواقعٍ مأساوي، إذ لامست أعداد الإصابات تخطياً لـ5000 حالة يوميّاً، ما أدّى «أقلّه» إلى إعلان حالة الطّوارئ في البلد والإقفال التّام حتى الأول من شباط لحصر الخطر المتفشّي قدر المستطاع.

وكما تجري العادة، يتم التّركيز بشكلٍ دائم على العاصمة وضواحيها في حين تواجه القرى والبلدات في المحافظات وأقضيتها حضوراً خجولاً، ليس فقط في ما يخصّ إجراءات كورونا ودعم الوزارات المختصّة في هذا الملف إنّما أيضاً على صعيد متابعة الدّولة لجوانب الحياة أثناء هذه الجائحة في تلك المناطق، إقتصادياً، أمنيّاً واجتماعياً... أو حتّى الإضاءة الإعلامية على شؤونها. من هنا، يبرز هدف «اللّواء» في هذا التحقيق للتّركيز على إحدى هذه المناطق، وقضاء البقاع الغربي إحداها، هذا ما استدعى النّظر في ما ستبديه وزارة الصحة حول حضورها هناك وما سيدلي به رؤساء بلديات بعض القرى فيها.

الصحة: مساعداتٌ عينيّة للقرى 

لوزارة الصحة، رأي شامل وعام في هذا الخصوص وبعد صعوباتٍ للتّواصل مع أحد الجهات المعنيّة في الوزارة، أبدى مستشار وزير الصحة في الشؤون الطبية الدّكتور محمّد حيدر نظرةً حول حضور الوزارة ودورها في القرى بشكلٍ عام، إذ إنّ «الوزارة تنسّق بالتّعاون بين طبيب القضاء والبلديات الّذين يتولّون تحديد المصابين والمخالطين بالتّنسيق مع طاقم البلديات، مع العلم أن الوزارة الآن لا تُجري فحص الـPCR إلاّ للمخالط بعد حجره وظهور إحدى العوارض عليه». أمّا عن المساعدات الّتي تقدّمها للبلديات، فيلفت حيدر إلى أنّ «المساعدات عينيّة، كالكمّامات أو مواد التّعقيم، إضافةً إلى التّعاون الأمني الكامل بين جهاز الأمن في وزارة الدّاخلية الوصيّة على البلديات ووزارة الصحة من خلال الطب الوقائي والترصد الوبائي».

وحول النّتائج المرجو تحقيقها بعد الإقفال العام، يؤكّد حيدر أنّ «الهدف من الإقفال هو تخفيف أعداد الإصابات والحدّ من التّجمعات»، ويشدد على أنّ «بلوغ رقم صفر من الإصابات يتطلّب فترةً طويلة من الإجراءات الصّارمة، ولكن يجب تقليل الأعداد قدر الإمكان نظراً لصعوبة الوضع إذ أصبح العداد يومياً يفوق 5000 حالة، ما ينذز بخطرٍ كبير. وبالتّالي عمليّاً 35 إلى 50 حالة يوميّاً تتطلّب غرف العناية، ما يؤدّي إلى إجبار الطّواقم الطبية على الاختيار ما بين الحالات وبالتّالي ازدياد عدد الوفيات».

البلديات: كيف نفرض الإقفال 

ولالتماس الآراء ميدانيّاً في قضاء البقاع الغربي، وبحسب ما يصرّحه رؤساء بلديات بعض القرى لـ«اللّواء»، كبلدة سحمر مثلاً التّي تضمّ حوالي 10 حوالي آلاف نسمة ضمنهم النّازحين السوريين، تخطّت أعداد الإصابات فيها 135 حالة، تعافى منها 122، ويلفت رئيس بلديّتها حيدر شهلا حول دور الوزارة فيها إلى أنّ «المشكلة الحالية هي إلغاء الوزارة للفحوصات المجانيّة، إذ باتت تقتصر على فحوصات تقدّم بشكل دوري أو عشوائي». وكذلك، يشير إلى أنّ «المساعدات التّي قُدّمت من وزارة الصحة اقتصرت على الكمّامات ومواد التّعقيم مرّةً واحدة فقط، في حين تقدّم بعض الجمعيات وآخرون من أبناء البلدة الهبات لتدارك الوضع، عدا عن ما تدفعه البلدية من ميزانيتها الخاصّة».

الحال ذاته في القرى كافّة، ففي بلدة القرعون في البقاع الغربي حيث بلغت أعداد الإصابات حوالي 318 حالة، فيشير رئيس البلدية يحيى ضاهر الى أنّ «ما قامت به وزارة الصحة هو تجهيز مستشفى مشغرة الحكومي ببعض أسرة العناية الفائقة لحالات الكورونا، في حين يبقى حضورها خجولاً في باقي إجراءات مكافحة الأزمة». وتبرز هنا بحسب ضاهر «مشكلة اتّجاه النّاس لإجراء الفحوصات بشكلٍ كبير في المختبرات الخاصّة، وهذا يعيق أعمال التّرصّد الرّسمي والدقيق للأعداد من قبل الوزارة». مؤكّداً أنّه «تحدّث مع وزير الصحة حمد حسن في هذا الشّأن وأكدّ تشديده على وزارة الداخلية لإجبار المختبرات الخاصة على تسليم الأعداد بشكلٍ دقيق ولكن عداد الحالات ما زال غير دقيق، لكن البلدية تعلن عن الحالات في البلدة عبر صفحاتها على مواقع التّواصل الإجتماعي». ويلفت إلى أنّه «حتّى الآن لم يجرَ حملة فحوصات عشوائية في المنطقة من قبل الوزارة، لكن أبناء البلدة يتبرّعون بفحوصاتٍ مجانية لأهالي البلدة وللنازحين السوريين».

ويُجمع كلّ من رئيسي البلديتين على «مدى صعوبة ضبط الأوضاع والإجراءات في الإقفال العام في القرى إذ أنّ حضور القوى الأمنية فيها خجول، وكذلك لكلّ بلدةٍ شرطي بلدية واحد فقط، والمخافر أيضاً تعاني من نقصٍ كبيرٍ في العناصر، ما يحجّم قدرتهم على تطبيق وضبط الإقفال بشكل نظامي وصارم».

أسعد: نعمل باللحم الحيّ 

وعن حال المستشفيات الحكومية، تمّ إعداد مستشفى مشغرة الحكومي كمركزٍ وحيدٍ لاحتواء ومعالجة حالات كورونا في البقاع الغربي، ولإيصال صوت الطاقم الطبي فيها، تحدّثت الطبيبة علا أسعد في قسم كورونا، لـ«اللّواء» عن حالهم وكيفيّة تداركهم للوضع الآني مع ازدياد أعداد الإصابات ومحدودية أعداد الأسرّة مناشدةً الجهات المعنية جرّاء ما يعانيه «مستشفى مشغرة الحكومي» من نقصٍ شديد في المعدّات والكوادر الطبية والتمريضيّة، إذ تعبّر قائلةً: «نحن اليوم نعمل باللّحم الحيّ، والطواقم الطبية في زمن كورونا كَمَن يعمل في حقل ألغام». وتؤكّد أيضاً أنّه «عدا عن قلّة أعداد الأسرّة، هناك نقصٌ في التّنسيق مع المستشفيات كافّة، فالمرضى يُجلَبون إلى المستشفى بشكلٍ عشوائي لا يستوفي الشروط الوقائية، إضافةً الى دخول  «الواسطة» عند إدخال المرضى في بعض الأحيان كما يحصل في لبنان ككلّ».

أمّا ماديّاً، فتؤكد د. أسعد أنّهم «كقطاعٍ طبي يراعون الظّروف الرّاهنة ولكن الوزارة اليوم تتأخر كثيراً في دفع مستحقّات الكوادر ما ينذر بهبوط عزيمتهم»، وتضيف: «نفتقر حتّى للضمانات في حال أصبنا بالفيروس، رغم الوعود من قبل الوزارة بالتعويض على الأطباء بشكلٍ رمزي في حال أصيبوا». وتلفت متأسّفةً أنّه «نظراً للمواد غير المتوفرّة في البلد، أحياناً تُضطر بعض المستشفيات إلى شراء المواد من السّوق السّوداء، وزيادةً على ذلك، النّقص لم يعد يقتصر على المواد بل حتّى الأطباء والممرضين قد تعبوا وبدأوا بالتّناقص وترك عملهم في هذا السّلك، وذلك بسبب نقص ما يحفّزهم من قبل الجهات المعنية».

نحو نموذجٍ لبناني؟

ليس فقط في المدن إذاً، إنما أيضاً على صعيد القرى والأقضية الصغيرة، فالوضع العام بدأ يُظهر «داعٍ للهلع وأكثر». الطّواقم الطبية والتمريضية أُنهِكت والشّعب لا يلتزم بإجراءات الإقفال كما يجب، والأجهزة الأمنية، خاصّة في القرى، غير قادرة على ضبط الخروقات، وعدد الأسرّة زيادةً على قلّتها، نحو نفاذٍ تامّ... فهل تصل جائحة كورونا، كما أدلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب متخوّفاً، إلى «نموذجٍ لبناني» أسوأ من السيناريو الإيطالي ذاته؟ وهل تستطيع وزارة الصحة وباقي الجهات المعنيّة فرض توصياتها وتأدية واجباتها تجاه لبنان ككلّ أم أنّها ستعجز عن ذلك نظراً للوضع المزري والإمكانيات المحدودة وضعف التخطيط؟