بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 نيسان 2021 12:02ص ما أبرز المظاهر الإحتفالية احتفاء بقدوم رمضان المبارك؟

حجم الخط
ما أن يقترب حلول شهر رمضان المبارك، حتى تزدان الشوارع بالزينة الرمضانية إيذانا باستقبال هذا الشهر الكريم، فتخرج الفوانيس والقناديل والزينات من مخابئها إلى الملأ، لتزيل عن الليل عتمته ولتنوّر النفوس والقلوب بالبهجة واالتسامح.

ويبقى السؤال: ما أبرز المظاهر الإحتفالية بهذا الشهر المبارك؟ وماذا عن تاريخ الزينة الرمضانية ودور «الحكواتي»؟

عيتاني

لمعرفة الإجابة على هذه الأسئلة التقت «اللواء» الإعلامي والباحث في التراث الشعبي زياد سامي عيتاني، فكان الحوار الآتي:


زياد سامي عيتاني

المظاهر الإحتفالية

{ ما أبرز المظاهر الإحتفالية احتفاء بقدوم رمضان المبارك؟

- من المظاهر الإحتفالية بشهر رمضان المبارك التي تصاحب إعلان ثبوت رؤية هلاله أن يزيد ويُكثر المسلمون من إنارة المساجد، حيث كانت الأنوار تتصل بين مآذن ومنارات المساجد والجوامع وتُضاء المصابيح والأنوار والفوانيس.

حلّة رمضانية بمبادرة فردية

{ ماذا عن بيروت؟

- بيروت كسائر المدن العربية والإسلامية كانت تكتسي الحلّة الرمضانية، حيث تضاء مساجدها وزواياها الشريفة بالمصابيح والقناديل، فيصبح ليلها الرمضاني مشعّاً متلألئاً كالقمر المكتمل ليلة التمام.

كما كانت تتزيّن الساحات العامة والأحياء بالأعلام والأضواء وسعف النخيل الأخضر، وتنصب على مدخل دار الإفتاء وأبواب المساجد أقواس النصر، وترفع يافطات الترحيب برمضان والمتضمنة بعض الآيات القرآنية الكريمة من وحي المناسبة.

وفي هذا الإطار، يشير المؤرخ عبد اللطيف فاخوري الى أنه في بيروت أذنت الأوقاف سنة 1909 لمدير أوقاف ولاية بيروت الحاج عبد اللطيف حمادة إبن عبد الفتاح آغا، بتنوير الجامع العمري الكبير وجامع السرايا وجامع النوفرة بالغاز الهوائي.

والجدير ذكره أيضاً، إلى أنه درجت العادة أيضاً خلال الحقبة العثمانية أن تزدان السرايا والمؤسسات الرسمية بكافة أنواع الزينات...

ومن أبرز أشكال الإحتفال بشهر رمضان التي كانت سائدة قي بيروت هو تزيين المناطق والشوارع بسلاسل وحبال اللمبات المضيئة والتي تضم الكثير من الألوان والحركات الضوئية التي تمتد لمئات الأمتار، وتتصل من منزل لآخر ومن شارع لشارع، حيث كان يتشارك أبناء «الحي» بمبادرة فردية منهم وعلى نفقتهم في تحضير زينة رمضان وتركيبها كإحدى أشكال التعاون التي كانت سائدة بين أبناء المنطقة الواحدة.

أول زينة رمضانية

{ متى كانت أول زينة رمضانية؟

- إن الخليفة عمر بن الخطّاب حينما شرع بصلاة التراويح، كان أول من أمر بإنارة الجوامع وتزيينها بالقناديل، وذلك بدءا من اليوم الأول من شهر رمضان، حتى يتمكن المسلمون من إقامة صلاة التراويح وإحياء شعائرهم الدينية بشكلٍ سلس من جهة، وإستقبالً الشهر الكريم بحلّةٍ جميلة من جهةٍ أخرى، حيث كانت الأنوار تتصل بين مآذن ومنارات المساجد والجوامع إلى أن تصبح ليالي رمضان ملآى بالأضواء البرّاقة.

وقد ذُكر أنّ عمر بن الخطاب أول من علّق القناديل على سور ساحة الكعبة للإنارة ليلا.

وفي العهد العثماني، يُشار إلى أنّ أول من أمر بإنارة الجوامع والمساجد احتفالا برمضان، كان السلطان أحمد، وذلك في عام 1617 للميلاد، فأضاء أنوار المصابيح والمشاعل التي اعتلت مختلف قبب ومآذن جوامع إسطنبول على كثرة عددها، حتى بدت المدينة وكأنها مرشوشة بالنجوم النيّرات.

«ليالي الوقود»

{ ماذا عن مصر؟

- فيما يخص تاريخ زينة رمضان في مصر، فقد وجدت طريقها إلى الإحتفالات الدينية منذ العصر الإسلامي، حيث كان يطلق عليها «ليالي الوقود»، حيث يقوم الناس برفع القناديل والفوانيس فوق المآذن ساعة الإفطار ويتم إنزالها يومياً عند ساعة الإمساك.

وكان المحتسب «راعي شؤون الشارع» يأمر أصحاب المحلات بوضع قناديل على محلاتهم لإضاءة الشوارع، كما يأمر بتنظيف الشوارع حتى يجتمع الأهالي بها بعد الإفطار ليشهدوا الأغاني الدينية في حب رسول الله.

كما عرف عن حاكم مصر «ابن طولون» حين بنى مسجده الضخم في القطائع، بأنه علّق بسقفه السلاسل النحاسية المفرغة والقناديل المحكمة، وأن الحاكم الفاطمي بأمر الله أمر سنة 403 هـ/1012م طلب أن يزيّن مسجد عمرو بن العاص بقناديل فضية، عددها 700 قنديل، زنة تلك المصابيح 25 قنطاراً من الفضة، كل قنطار وزنه مئة رطل، وكل رطل زنة 144 درهماً فضياً، حتى أن العمال حينما حاولوا إدخال هذه القناديل إلى المسجد لم يتسع لها أي باب من أبواب المسجد لعِظَمها، فهدموا أحد الأبواب توسيعاً للمصابيح ثمّ أعادوا الباب إلى مكانه الأول.

دور «الحكواتي»

{ من المظاهر الرمضانية «الحكواتي» أيضا، كيف تعرّف لنا دوره؟

- كما هو معروف، فالـ «حكواتي» كان يروي حكاياته على مدار السنة، لكن في شهر رمضان كانت له خصوصيّة وهي ارتباط حكاياته بالشهر الفضيل.

والصائم بعد الصيام كان يحتاج إلى وقت للراحة والترويح عن النفس، فكان يجد ذلك في جلسة «الحكواتي»، لكن بعد أن يكون قد أدّى صلاة التراويح.


«الحكواتي» إحدى وسائل التسلية الجماعيّة

والحقيقة أن شخصيّة «الحكواتي» جسّدها كثيرون على مرِّ عقود من الزمن، إذ اشتهرت به بلاد الشام منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى صار «الحكواتي» جزءاً من التراث الشعبي في هذه البلاد ومنها لبنان.

كان «الحكواتي» إحدى وسائل التسلية الجماعيّة، وهو كذلك وسيلة تثقيف وعرض للبطولات والأخلاق الحميدة التي يتحلّى بها أبطال الحكاية حتى لو كانت هذه الحكايات غير واقعيّة. ومن الحكايات المعروفة عنترة والزير سالم والظاهر بيبرس وغيرها...

ويروي كبار السن أن «الحكواتي» كان يصطحب كتابه دوماً ليروي القصص بعد صلاة العشاء، ويستمر حتى ساعات الفجر، وكان يرتكز عمله في المقاهي: «مقهى الزجاج» و«القهوة الخيرية» داخل مدينة صيدا القديمة.

وكان «الحكواتي» يُقلد بالحركة والإشارة والصوت إلى درجة تُقنع مشاهده بواقعية ما يقدّمه، كما كان له أسلوب بأن ينهي جزءاً من أحداث القصة عند موقف متأزّم ليكمله في الليلة التالية كي يبقى جمهوره متحمِّساً لسماع بقية القصّة.

كانت قديماً سهرات رمضان مع «الحكواتي» سواء في لبنان أو في سوريا لها رونقها الخاص، إذْ كان «الحكواتي» يجلس في صدر المقهى على مقعد مرتفع، ويبدأ بسرد الحكايا التي ينتظرها الناس في كل ليلة، إذ إنَّها كانت تعتبر من الجلسات اليوميّة المحبّبة عند الرجال.