بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 نيسان 2021 12:02ص ما إنعكاسات «جائحة الكوفيد 19» على مصاب «التوحّد»؟

الحجر يضاعف من حدّة المرض لدى مصاب «التوحد» الحجر يضاعف من حدّة المرض لدى مصاب «التوحد»
حجم الخط
يوافق الثاني من نيسان من كل عام، اليوم العالمي للتوعية باضطرابات طيف «التوحد»، حيث تنشط خلاله حملات التوعية عبر وسائط مختلفة منها وسائل التواصل الاجتماعي.

أروى الأمين حلاوي:الخوف الأكبر أن لا نتمكّن من الإستمرارية في حال بقيت الظروف من سيئ إلى أسوأ

وبالرغم من مرور بضعة أيام على هذه المناسبة، كان لا بد لنا من أن نسلّط الضوء على ما يعانيه المصابون بـ «التوحد» في لبنان وسط هذه الظروف الصعبة، خصوصا مع انتشار وباء «الكوفيد» 19، لأن أوضاعهم لا تسرّ إطلاقا، وذلك نتيجة عدم توفير الاحتياجات المطلوبة لهم في ظل ظروف معيشية واقتصادية صعبة.

د. سيلفا بلوط:الحجر يجعل «المتوحّد» أكثر ضحية للقلق والإهتياج النفسي والغضب والعصبية

الحال عربياً ليس بأفضل

والحال عربيا ليس بأفضل، حيث تشير ورقة بحثية عنوانها «معالجة اضطرابات التوحد في الوطن العربي» منشورة في دورية «نيتشر ميدل إيست»، إلى أن الأطفال المصابين بالتوحد في الدول المتقدمة غالباً يتم إدراجهم في المعاهد الدراسية العادية مع توفير رعاية إضافية لهم أو يتم إلحاقهم بمؤسسات تعليمية مخصصة لهم، لكن عربياً، يتلقى أطفال التوحد تعليمهم في البيت بجهود فردية من قبل الأسرة، وذلك للأطفال المحظوظين، بينما الآخرين يبقون على هامش الحياة.

في مصر مثلاً، وعلى رغم جهود عدة تبذلها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لإدماج الأطفال من ذوي صعوبات التعليم وغيرها من مشكلات التحصيل في النظام العادي، فإن الطريق ما زال طويلاً ومحفوفاً بصعوبات التطبيق والوصمة والوعي. وتشير الورقة إلى أن نحو نصف المصابين بالتوحد في مصر ممن شملتهم الإحصاءات في الفئة العمرية بين أربع و22 سنة، أي في سن الدراسة، إلا أن أقل من 25 في المئة فقط مسجلون فعلياً بالمدارس.

من جهة أخرى، فإن معظم العائلات العربية لا تستطيع تحمّل كلفة إلحاق الصغار المصابين بالتوحد في مؤسسات تعليمية خاصة مهيّئة لهم، حال وجدت من الأصل.

وبالرغم من وجود عدد من المنظمات الأهلية التي تعمل من أجل مساعدة مرضى التوحد وذويهم، فإن المتاح لا يفي بالإحتياج.

حلاوي


أروى الأمين حلاوي


لكن ماذا عن لبنان، وما هو واقع المصابين بـ «التوحد»، وكيف يتعايشون في ظل هذا الوباء وماذا عن احتياجاتهم؟

«اللواء» التقت رئيسة «الجمعية اللبنانية للأوتيزم - التوحد» أروى الأمين حلاوي، وكان الحوار الآتي:

ضغوطات صعبة للغاية

{ حتى الساعة نلاحظ أن وضع المصاب بالتوحد لا يزال مقلقا ولا سيما مع انتشار وباء «الكوفيد» 19، كيف تواجهون ذلك؟

- تأسست «الجمعية» في العام 1999، منذ ذلك اليوم حتى الآن بإمكاننا أن نقول أن وضع المصاب بالتوحد تحسّن كثيرا لناحية التوعية في المجتمع.

أصبحنا نخرج مع أولادنا وشبابنا دون أن يكون هناك تلك النظرة المؤذية للولد والتي كانت سائدة في السابق، هذا من الناحية الإيجابية.

لكن من ناحية ثانية، وتحديدا منذ سنة ونصف، بدءا من الثورة مرورا بـ «الكوفيد» 19 وجنون الدولار والأسعار، فإن الجمعيات التي تعنى بالإعاقة هي أكثر من تضرر ولا سيما مع الأولاد الذين يعانون من التوحد.

نحن لا يمكننا أن نتعامل معهم بأسلوب الـ ON LINE لأنهم يحتاجون لأن يعملوا بشكل فردي وأن يكون هناك تلاصق مع من يتعاملون معه، أي لا يمكنهم إطلاقا العمل عن بُعد.

فالولد الذي يعاني من التوحد لا يستطيع أن يستوعب كافة الأمور عن بُعد، يجب أن يلمسها وأن يراها عن قرب كي يفهمها.

المشكلة الثانية التي نعاني منها تكمن في صعوبة تفسير خطورة فيروس «الكورونا» وكيفية الوقاية منه، بالإضافة إلى الحجر المنزلي ولم ليس باستطاعته الخروج والذهاب إلى المؤسسة؟..

لذلك نحن نحاول أن نفسر لهم ذلك بشكل مبسّط وملموس.

حاولنا أن نقوم بذلك من خلال الـ video call لكننا لم ننجح كثيرا بذلك، لذا قررنا أن نعاود العلاج بشكل فردي داخل المؤسسة شرط أن لا يتواجد عدد كبير داخل الصف الواحد كي نتمكن من أن نعيد له قدراته من جهة، ومن جهة أخرى كي نتمكن من أن نريح الأهل، لأن الضغوطات التي يمرّون بها صعبة للغاية.

أيدينا مكبّلة

{ ماذا عن الناحية المادية، وكيف تتمكنون من الإستمرار وسط هذه الظروف؟

- 60% من الأهل لا يدفعون أي مستحقات مادية و2% يدفعون حسب قدرتهم، لكن مع الأسف من كان بإمكانه أن يدفع لم يعد بإمكانه ذلك ومن يدخل إلى المؤسسة اليوم ولا يستطيع أن يتكفل بالمصاريف لم يعد بمقدورنا أن نستقبله، وهذا أكثر ما يحزّ بنفسي، لكن الوضع بات صعبا وأيدينا مكبّلة.

في السابق الظروف المادية للناس كانت أفضل وكنا نقوم بالعديد من النشاطات والإحتفالات التي كانت تعود علينا بالأموال، بالإضافة إلى التبرعات من أصحاب الخير، لكن منذ سنة ونصف لم نتمكن من القيام بأي نشاط.

ولا أخفيك سرا حين أقول أننا بالكاد نتمكن من أن ندفع الرواتب حتى أننا في الكثير من الأحيان نتأخر في دفعها، والخوف الأكبر أن لا نتمكن من الإستمرارية في حال بقيت الظروف من سيئ إلى أسوأ.

تأخير كبير في التسديد

{ أليس هناك من دعم مادي تتقاضونه من الدولة؟

- كما تعلمين لدينا عقد مع كل من وزراة الصحة ووزارة الشؤون الإجتماعية، لكن المبلغ ليس بكبير لكنه بالتأكيد يسند ويسدّ بعض المدفوعات.

لكن المشكلة أن هناك تأخيرا كبيرا في دفع المستحقات، «أيام الخير» كانوا يتأخّرون سنة في تسديد المبلغ، فكيف الحال اليوم؟!

تأمين المساعدة المادية

{ بماذا تطالبين لتأمين استمرارية «الجمعية»؟

- كل ما نحتاجه تأمين المساعدة المادية لنا كي لا نضطر لإغلاق أبواب هذه المؤسسة التي تضم 66 مصابا يتابعون العلاج لدينا.

{ ما أكثر ما يحتاج إليه المصاب بـ «التوحد» اليوم؟

- أكثر ما يحتاجه أن يعود إلى حياته الطبيعية، لأن جلوسه في المنزل وعدم تفاعله مع المجتمع سيعيده كثيرا إلى الوراء.

د. بلوط


د. سيلفا بلوط


ويبقى السؤال ما انعكاسات هذه «الجائحة» على مصاب «التوحد»؟

للإجابة على هذا السؤال، التقت «اللواء» الدكتورة الأخصائية في علم النفس العيادي سيلفا بلوط التي تحدثت بكل إسهاب عن هذا الموضوع، فكان الآتي:

إضطراب نمائي-عصبي

{ بداية لو تعرّفين لنا «التوحد»؟

- التوحد هو إضطراب نمائي-عصبي neurodéveloppemental.

وللتوضيح أكثر، هو إضطراب يظهر في الطفولة الأولى وقبل إرتياد المدرسة. ويصيب القدرات المعرفية، والسلوكية، والحسية-الحركية، بمعنى آخر، التوحد هو عبارة عن إضطراب في الوظيفية الدماغية.

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن التوحد يصيب الصبيان أكثر من الفتيات.

ألأعراض

{ ماذا عن الأعراض؟

- بالنسبة إلى إكتشاف أعراض التوحد، يمكن ملاحظتها من خلال صعوبات التعلم والتركيز والإنتباه والتفكير... ومن خلال إضطراب التواصل بكافة أشكاله، سواء بالكلام أو الحركات أو حتى النظرات... كما تظهر أعراض التوحد من خلال خلل في التفاعل الإجتماعي يتجلّى في ضعف إدراك الإنفعالات وفهمها والتعبير عنها، وعبر اللعب أيضا... وهناك أيضا الحركات النمطية والروتينية والنشاطات...

بمعنى آخر، يعدّ وجود إضطراب التواصل والسلوك إشارة واضحة إلى مرض «التوحد».

غضب وعصبية

{ ما أبرز الصعوبات التي يواجهها المصاب بـ «التوحد» في زمن «الكورونا»؟

- من المعروف أن الحجر يطلق بحد ذاته، الشعور بالقلق وعدم الإستقرار النفسي عند الفرد السويّ باعتباره يشكّل مصدرا لعزله وإبعاده عن ممارسة حياته بشكل طبيعي، وبالتالي مما لا شك فيه أن الحجر يضاعف من حدّة المرض لدى المصاب بـ «التوحد».

فالمصاب بـ «التوحد» يُعدّ شخصا متصلبا جدا، بحاجة إلى نوع من «الروتين» والنمطية في حياته ليعتادها ويعيشها بسلام.

ومع وجود الحجر، يتم كسر هذا الروتين أو هذه النمطية، مما يزيد من حدة مرضه.

لذلك تكمن الصعوبة في كون الحجر يبعد المتوحد عن ممارسة حياته الطبيعية الخاصة به، فيقع أكثر فأكثر ضحية للقلق والإهتياج النفسي والغضب والعصبية.

الوقاية شبه مستحيلة

{ هل من سبل للوقاية؟

- الوقاية من مرض التوحد شبه مستحيلة، وهي تتعلق بأسبابه العديدة منها الجينية، أو إضطراب في النمو الدماغي... وهناك أيضا حالة الأم النفسية خلال فترة الحمل والأدوية التي من الممكن أن تكون قد تناولتها أثناء الحمل.