تقول إحدى الأغنيات التي كنّا نسمعها سابقاً «ما فيش فرحان في الدنيا، زي الفرحان بنجاحه»، هذه الكلمات نتفّق عليها، لأنّ للنجاح والفرح معانيَ كبيرة، لكن عندما تكون هناك شروط وقواعد وقوانين، تتحوّل المسألة إلى «فزّاعة» ترعب الطلاب.
ولدى صدور نتائج امتحانات الشهادة المتوسطة «البريفيه» بعد منتصف الليل، يبدأ مع الأسف إطلاق الرصاص في الهواء، فيذهب أبرياء لا ناقة لهم أو جمل.
إلا أن هذه المرّة اختارالتلميذ عباس يزبك أنْ يخالف ما توقّعه وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب، ليطلق الرصاص على نفسه بدلاً من الرصاص الطائش، وذلك بعدما علم بأنّه قد رسب في الإمتحانات الرسمية.
كذلك هو حال شاب آخر كان قد حاول الإنتحار في منطقة القلمون، لكن قد تمَّ إنقاذه في اللحظات الأخيرة.
الأمر الذي يطرح السؤال الآتي: مَنْ يتحمّل المسؤولية؟ النظام التربوي في لبنان وكاميرات المراقبة التي شكّلت عامل ضغط سلبي على الطلاب؟
وفي المقابل، أين دور الأهل في تأمين الدعم النفسي لأولادهم؟
الخوري
لتسليط الضوء على ما جرى، التقت «اللواء» الأخصائية في السياسة التربوية، في كلية التربية، بالجامعة اللبنانية، الدكتورة وديعة الخوري، للوقوف على رأيها في ما يخص كاميرات المراقبة ومدى تأثيرها على نفسية الطلاب.
وقالت: «قيل الكلام الكثير خلال الامتحانات الرسميّة، حول دور الكاميرات التي استُعمِلَتْ في مراقبة الطلاب، وتأثيرها عليهم من الناحية النفسيّة، وقد ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي، بالكثير من الآراء والمقارنات مع الدول الأخرى. لكن لا يمكننا إلقاء اللوم على عامل واحد، فكلّ عنصر يمكن تبريره أو تجريمه، إثر جمع المعطيات حوله دون انفعال وتحليله.
فالإمتحانات الرسمية اللبنانية ليست الوحيدة التي تُراقب بواسطة الكاميرات، لكن في الوقت نفسه، هل تحلّ الكاميرات أصل المشكلة التي استلزمت تركيبها؟، وهل التلامذة الذين يخضعون للمرّة الأولى في حياتهم، لامتحان خارج نطاق مدرستهم، ووسط مظاهر أمنيّة، تشبه حالة الطوارئ القصوى، قادرون على التعامل مع عين إضافيّة شاخصة نحوهم، طيلة أيام إجراء الامتحانات؟
علينا أنْ نرجع خطوة إضافية الى الخلف، لنتمكّن من رؤية مشهد التلامذة المرتبكين من بُعد، ولكن ماذا عن المنهج ومحتواه، وطريقة تقييم مكتسبات المتعلّمين، التي تهمل كل أنواع المهارات والذكاء والمواقف، التي تميّز كلّ منهم.
طبعا الغش في الإمتحانات الرسمية، مشكلة كبرى، عالمية ومحليّة، والغشاش اليوم فاسد مختلس غدا، لذلك، يجب أن تتم مناقشة مشكلة الغش في الامتحانات الرسمية، لاسيما أنّ البعض يرفض خوض النقاش حول الجذور العميقة في نفوسنا ونهجنا ومناهجنا، التي تغذّي هذه المشكلة في أصلها.
وهنا يبقى التركيز على رؤية شاملة، عن أي مواطن نريد، ومن خلال أي مقاربات؟».
الموسوي
كذلك، التقت «اللواء» أستاذ مادة علم الاجتماع، في معهد العلوم الإجتماعية، بالجامعة اللبنانية، الدكتور صادق الموسوي، للوقوف على رأيه في ما يخص هذا الموضوع، فقال: «لم يستطع النظام التعليمي في لبنان أن يتطوّر أو يتقدّم، ليرتقي الى مصاف الأنظمة التربوية الحديثة، فهو يحتاج الى إعادة النظر بمفرداته ووسائله، عبر الأبحاث والدراسات، التي تواكب سير هذا النظام التربوي القديم العهد، والذي لم يلحظ التغييرات والتقدم التكنولوجي، والتغيير في أنظمة نقل المعلومات، وبالتالي في إيصال «الكفايات» المعاصرة، لذلك يشعر الكثير من الطلاب، بأنهم متقدّمون في أخذ «المعلومة»، حتى من الأساليب الموجودة في النظام التربوي الحالي.
كما لا يزال النظام التربوي في لبنان، يجعل الأستاذ محوراً للعملية التعلّمية، وهذا ما يجعل الطالب، متلقياً في الصف، فيتقلص فهمه للمعلومات، التي ترده من الأستاذ أو المعلمة، ويجعل إمكانية التفوّق والتقدّم قليلة جداً، بالقياس الى الأنظمة التربوية الحديثة.
وهنا لا بد من أنْ نشير إلى أن النظام التعليمي الحالي، يتحمّل جزءاً من المسؤولية، التي نرى آثارها في حالات الرسوب، في بعض المدارس والثانويات الرسمية، أو الخاصة، لأنّه لم يتم الأخذ بعين الاعتبار، الذكاءات المتعدّدة والقابليات المتنوّعة، ليوضع كل طالب في مساره الطبيعي والحقيقي.
وما يحصل هو وضع الطلاب في «رزمة واحدة»، في المواد النظرية، ما يجعل الكثير يشعر بالضعف أو الكسل، لعدم قدرتهم على التفوّق، في النمط النظري للمواد المعطاة، مع أنّه يمكن لهم أنْ يبدعوا في مجالات أكاديمية أخرى».
العوامل النفسية
أما في ما يخص العوامل النفسية فقال د. الموسوي: «تلعب العوامل النفسي دوراً كبيراً في تقدّم الطلاب ونجاحهم وتفوّقهم، لذلك على الدولة أن تؤمن كافة وسائل الراحة النفسية والمعنوية للطلاب، خصوصا أن بعض الطلاب، قد يتأثرون بإجراءات الترهيب، التي تحصل عبر بعض المراقبين، خلال إجراء الإمتحانات الرسمية، فلا يجيدون الإجابة على محاور الأسئلة، رغم الإمكانات المتوافرة لديهم، فكيف بالأحرى لدى وضع كاميرات المراقبة فوق رؤوسهم؟ مما لا شك فيه، أن هذا الأمر أدى الى ارتفاع وتيرة التوتر النفسي لديهم، وإلى زيادة حالات الرسوب لدى بعضهم، أو فشلهم في إحراز العلامة العالية.
لذلك، نلحظ أنّه بعد صدور النتائج الرسمية للامتحانات، ظهرت العديد من حالات الإحباط الكبير، الأمر الذي دفعهم الى ممارسة العنف مع الذات، أو مع الغير، على غرار ما حصل مع إبن بلدة «نحلة» البقاعية عباس يزبك، الذي دفعه رسوبه الى معاقبة نفسه بالإنتحار.
فالفرد يتوجه للعدوان، حين يُصاب بحالة إحباطية، ما يؤدي الى إيقاع الضرر بغيره أو بنفسه، وأظن أنّ الطالب يزبك «انتحر»، بفعل وصوله الى الإحباط النفسي، ولكونه رأى أن الهدف الكبير الذي أمامه، هو النجاح في الشهادة الرسمية، الأمر الذي لم يستطع تحقيقه، رغم الجهد الكبير الذي بذله خلال العام الدراسي. ويبقى السؤال من يتحمل المسؤولية؟ النظام التعليمي، أو إجراءات المراقبة، أو كاميرات المراقبة، أو إهمال الاهل، مما أوصله الى ممارسة العقاب بحق نفسه».
دور الأهل
وعن أهمية دور الأهل، قال د. الموسوي: «إنّ دور الأهل محوري في جعل إبنهم الطالب، يعيش في بيئة آمنة وسليمة، وذلك من خلال تشجيعه على الدرس والتفوّق، وعدم جرّه الى الإحباط والإنكسار والتسليم بالفشل، وهذا يكون عبر توضيح الصورة أمامه، بأنّ عدم التفوّق والنجاح لا يشكلان نهاية الطريق.
أيضا من الضروري اعتماد اساليب «التهوين» وليس «التهويل» عليه، في حال رسوبه، وذلك عبر اعتماد الأساليب التحفيزية والتشجيعية له، لإعادة محاولة النجاح، في الدورة الجديدة للإمتحانات الرسمية».