بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 تشرين الأول 2019 07:20ص الثورة تليق بالفيحاء.. والحرمان لهيبٌ تحت رماد الوجع

حجم الخط

"الشتاء لن يُطفئ لهيب الثورة"، كلمات تجلّت مع أوّل هبّاتٍ لمطر تشرين، لتنذر بعواصف بشريّة، لم تتردّد في استقدام تعزيزات ترسّخها في "أرض الانتفاضة"، بحثًا عن إشباع مطالبها، لا سيما في طرابلس "النجمة التي تتلألأ في سماء الساحات".

فعلى مدار أيام الحراك، شكّلت الفيحاء الثائرة، وجهة للانتفاضة الشماليّة، بصورتها الحضاريّة الجامعة لكل أطياف وفئات المجتمع، فأذهلت وسائل الإعلام المحليّة، وسرقت اهتمام الإعلام العربيّ والعالميّ، لتحتلّ طيبة الطرابلسيّ وكرمه وضحكته ورقيّه، العناوين الرئيسة.

كيف لا، وقد تحوّلت الفيحاء بفعل الانتفاضة، من "قندهار"، في عيون الغريب الذي يجهلها، إلى "عروس الثورة"، التي تدافع بنقاء ثوبها الأبيض عن كلّ رفيقاتها الثائرات، وهي التي لبّت نداء صور المُعتدى على انتفاضتها، فهتفت "صور... كرمالك بدنا نثور"، وما إن نزفت النبطيّة دموع التعرّض لسلميّتها، حتّى لاقتها الفيحاء مغيثة "ثورتنا هي هي.. كرمالك يا نبطية"، وسُطّرت على جدرانها "بعلبك الرّوح".

هذه الأيقونة الجامعة، بسلميّتها التي تجاوزت كلّ حاجز أرادوا أن يُرسم لها، دفعت بالطرابلسيين إلى توجيه رسالة إلى "زعماء المدينة"، فحواها يتلخّص بالآتي: "تسلمتم طرابلس ٣٠ عامًا، فأصبحت مدينة أشباح وإرهاب، بينما تسلّمها الشعب ٦ أيام، فأصبحت مدينة السلام والعيش المشترك".

هذا في وجه طربلس السياسيّ، أما في وجهها الإنسانيّ، فخلف المطالب المنادية بإسقاط المنظومة السياسيّة كاملة، عقود من الوجع والحرمان، والصرخات التي لم تصل إلى آذان أصحاب النفوذ المتموّلين التي تعجّ بهم المدينة، على مدى فترات حكمهم المتعاقبة، إلّا أنّها لاقت اليوم، من يقف عند نزيفها الذي لا يندمل بفعل الفقر والعوز.

فبينما تطالع الوجوه الموجوعة، تقرأ في عينيّ عجوز أنهكته الحياة، مطلبًا لراحة البال بأنّ شيخوخته ستصان بضمان عدم الذلّ في أرذل العمر، وإلى جانبه شاب ذو عيون تائهة باحثة عن الاستقرار في مستقبل مزدهر بالعمل للوطن لا للهجرة أو البطالة، وعلى قارعة الطريق، يصطفّ موجوع من حاله أكثر من مرضه متسائلا إن كان المشفى سيستقبله غدًا من دون حاجته إلى التذلّل عند مكاتب الساسة وأزلامهم، يقابلهم جميعًا، طفل يتأمّل ويتعلّم، ونصب أعينه ثورة يقودها أهله اليوم، وسيحصد ثمارها هو غدًا.

هنا، وأمام هذه المشهديّة، يقف الثائر على عتبة الأحلام، فالعودة إلى الوراء، لا تليق بالثوّار، والاكتفاء بفتات المطالب لا تُغني من جوع العقود الغابرة، ويبقى الإقدام إلى حافّة الإنقاذ الأخير، رهن التشبّث بالشارع.