بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 آب 2020 08:15ص لطالبي المعجزات في لبنان... هل قرأتم عن هيروشيما؟

براعم القمح تنبت في اهراءات القمح داخل مرفأ بيروت بعد الانفجار براعم القمح تنبت في اهراءات القمح داخل مرفأ بيروت بعد الانفجار
حجم الخط

 داقت كل سبل النجاة بعيون اللبنانيين وطلبوا المعجزات السماوية للخلاص من جهنّم الفساد والإجرام السياسي، بعد انفجار بيروت الذي أدمى القلوب. صحيح أن طلب المعجزات لا يعدوا كونه ترجمة لفقدان الأمل المرعب بالنسبة للكثيرين، لكنه ايضا يظهر نبض الحياة داخلهم الذي استنجد حتى بالمعجزات لمحاربة كل مظاهر واشكال الموت التي سيطرت على لبنان من الساعة السادسة والتسع دقائق من مساء 4 آب.


لكل من يبحث عن المعجزات، هل قرأت عن مدينة هيروشيما اليابانية التي ألقيت عليها قنبلة ذرية عام 1945 وحصدت أرواح عشرات الآلاف، وتحوّلت إلى أرض مقفرة ومحروقة توقع الكثيرون أنها لن تصلح للعيش أو الزراعة لمدة 70 عاما؟. لكنها أبت أن تدخل التاريخ أرضًا محروقة وأضحت اليوم مركزا لاحلال السلام.

التحدي في إعادة بناء المدينة لم يكن فقط من الناحية الفيزيائية كالمباني والمنشآت والمساكن، ولكن من الناحية النفسية والعاطفية أيضًا. كيف يمكن إزالة المشاعر السلبية للسكان وسط كل مشاعر الغضب والصدمة وتحويلها لمشاعر إيجابية تعيد بناء المدينة من جديد؟

هذا الواقع كان مصحوبًا بحكومة أجنبية تتولى إدارة شؤون البلاد تم تسميتها بحكومة الاحتلال والتي ترأسها الجنرال الاميركي دوغلاس ماكارثر كقائد أعلى لقوات التحالف.

كيف لملم اليابانيون جراحهم بعد هذا الانفجار المفجع؟

في خريف 1945، حرك ظهور الأزهار والنباتات في الأرض الميتة مشاعر اليابانيين، وتحولت زهرة الدفلى، وشجرة الكافور فيما بعد إلى الرمزين الرسميين لصمود المدينة، وحظيا بمكانة كبيرة في قلوب سكانها.

تغلّب اليابانيون على آلامهم وحزنهم العميق وطفقوا من كل حدب وصوب يغدقون المساعدات على هيروشيما، بداية من السيارات لإعادة مظاهر الحياة إلى المدينة، وحتى الأشجار لزراعتها في الأراضي التي خلت منها النباتات.

كما تبرّع أحد أصحاب المعابد في محافظة واكاياما بمعبد برجي "باغودا"، الذي يعود إلى القرن السادس عشر، تعبيرا عن تضامنه مع المدينة.

والحدث الذي لعب دورا محوريا في عملية إعادة البناء وقع في السادس من آب عام 1949، وتمثل في إصدار قانون إنشاء مدينة هيروشيما كرمز دائم للسلام. وكان هذا القانون ثمرة الجهود الحثيثة التي بذلها سكانها، ولا سيما عمدتها شينزو هاماي.

وفي أول احتفال للسلام بهيروشيما في عام 1947، قدم هاماي نموذجا ملهما لجميع عُمد هيروشيما من بعده، حين قال: "لنتكاتف معا من أجل القضاء على أهوال الحروب، وبناء سلام حقيقي".

ولهذا، لم يكن الهدف من قانون إنشاء مدينة هيروشيما لعام 1949 إعادة بناء المدينة فحسب، إنما أُريد به بناء مدينة جديدة تماما كرمز للسلام "لتجسد السعي الدؤوب من أجل إحلال سلام دائم وحقيقي".

وتعمل هيروشيما اليوم على زرع حُب السلام في نفوس أبنائها منذ الصغر، إذ يقام أسبوع سنوي للتعريف بالسلام في المدارس الابتدائية، يتعرف فيه الطلاب على ماضي هيروشيما وأهمية السلام. وفي الإجازة الصيفية، يتطوع الكثير من الطلاب لاصطحاب السياح في جولة حول متنزه السلام التذكاري.

كُثر شبّهوا قنبلة هيروشيما بانفجار بيروت لناحية الدمار والخسائر التي مني بها الشعبان، وانهمرت التحليلات من كل حدب وصوب، لكن لليابان صفحات مشرقة في التاريخ سطّرها اليابانييون حاملين راية السلام والحياد عن العنف ليس فقط داخل الحدود انما جالت العالم. لعل اللبنانيين يختارون هذه السطور كوجه الشبه بين البلدين هذا ويسلّطون جهودهم نحوها فتقوم بيروت من تحت الانقاد وتسطّر معجزة جديدة في صفحات التاريخ.