بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تشرين الأول 2020 12:00ص «اللواء» تستكمل البحث في تفجير بيروت الكارثي..

وتناقش ترسيم الحدود البحرية بين المعطيات التقنية والاعتبارات السيادية

حجم الخط
في إطار الندوات السياسية التي تُقيمها لمناقشة الأوضاع الوطنية والسياسية والهموم الاقتصادية والحياتية، استضافت «اللواء» في الحلقة الثانية من هذا الموسم مجموعة من خبراء القانون والدستور، وخصص البحث لمسألتين اثنتين: الأولى: استكمال عرض الآراء حول إمكانية إحالة جريمة تفجير مرفأ بيروت إلى قضاء دولي قادر على أنْ يؤمن للمتضرّرين أبسط حقهم بمعرفة المسؤولين عنه، ناهيك عن السُبُل الآيلة إلى منحهم حقوقهم وفق أي قانون كان للتعويض عن المتضررين وأهالي الضحايا، والمسألة الثانية هي الجوانب الدستورية والقانونية والتقنية لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية التي انطلقت مؤخراً بين لبنان و«إسرائيل»، وهل ستقف عند شقها التقني أم ستتوسع لما قد يمس بالسيادة اللبنانية؟ فأجمعت وجهات النظر على نقاط وتباينت في أخرى. 

فرأى المحامي ميشال قليموس أن «تفجير مرفأ بيروت نوع من الإبادة الجماعية»، لافتاً إلى أن «إعادة ترسيم الحدود البرية تنازل عن السيادة اللبنانية»، فيما أكد المحامي سليم الخوري أن «على مجلس الأمن الانعقاد التلقائي أمام هول الكارثة البيروتية»، وتخوّف من «تفريط الأميركي بحقوق الآخرين من أجل «إسرائيل»، أما الخبير القانوني والدستوري الدكتور غالب محمصاني فلفت إلى ضرورة إقرار «قانون جديد ينظّم عملية تعويضات المتضرّرين»، معتبراً أن «الرئيس نبيه برّي تجاوز الأصول ولم يراعِ الاعتبارات بإعلانه عن التفاوض بشكل منفرد». أما الدكتور وليد مبارك فشدد أنه على إثر كارثة بيروت «كان على رئيس الجمهورية التنحي عن منصبه»، وذكّر بأن «خطأ لبناني حال دون تطبيق اتفاق الحدود مع قبرص وخلق مشكلة مع الاحتلال». 

وجاء في تفاصيل الندوة الآتي: 

قليموس: إبادة جماعية 

استهل الندوة المحامي ميشال قليموس فذكّر بأنّ «لبنان من مؤسّسي هيئة الأمم المتحدة عام 1945 في سان فرانسيسكو. وعام 1948 يوم ترأس مندوب لبنان الدكتور شارل مالك الجمعية العمومية، كان من الأركان الأساسيين في وضع شرعة حقوق الإنسان، التي نص الدستور اللبناني على ضرورة الإلتزام بها». وأضاف: «بالتالي هذه الشرعة الدولية، تُعنى بحق أي مواطن في أي دولة من دول العالم بالعيش باستقرار وأمان، إلى أنْ تمَّ تعديل عام 1976، وأُضيف بند ضمان الأمم المتحدة عدم التعرّض لحصول ما يُسمى بـ«الإبادة الجماعية»، من هنا كان منطلق الكلام، لتأكيد أنّ ما حصل في مرفأ بيروت كان بشكل من الأشكال نوعاً من «الإبادة الجماعية»، على مستوى الإنسان وحقوقه، بالمسكن والعيش بكرامة، والتمتّع بحياته – فتفجير بيروت أسفر عن وفاة أشخاص بشكل مُذل على الطرقات».


قليموس: إعادة ترسيم الحدود البرية تنازل عن السيادة اللبنانية



ورأى أنّه «يجب على الأمم المتحدة، وبقبول من الدولة اللبنانية، لعب دور أساسي في صيانة وحماية هذه الحقوق، لأنّ لبنان ليس شاهد زور على شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وشخصياً أميل إلى نوع من الغطاء الدولي لحماية المواطنين اللبنانيين وتعويضاتهم، وكل ما يتعلق بحمايتهم الإنسانية من مأكل ومشرب وصحة ومسكن، وما إلى هنالك من هذه الأمور». واستدرك: «أما كيفية مطالبة الشعب اللبناني بحقوقه، فهي متاحة أمام المحاكم اللبنانية، أو ضمن بند حق المواطن في مراجعة المحاكم الدولية، ورغم أنّ لبنان لم يوقّع على ميثاق «المحكمة الجنائية الدولية»، إلا أنّ «المحكمة الأوروبية» التي يحق لكل مواطن متضرّر اللجوء إليها لحماية حقوقه بوجه المتسبّب والشريك والمتدخّل، فهي متاحة للجوء إليها في ما يتعلق بانفجار مرفأ بيروت، الذي أدى إلى كارثة إنسانية ووطنية واجتماعية»، مشدّداً على «ضرورة أن يتحرّك المجلس النيابي اللبناني لتفعيل حماية هذه الحقوق، والطلب من الأمم المتحدة المساعدة، كونها من ضمن الدستور اللبناني».

وختم بأنه «لكل متضرّر مادياً أو معنوياً الحق بالمطالبة بالتعويض، دون أنْ تكون هناك ضرورة لسن قوانين جديدة، فهو حق للمتضرر مهمن كان ممارسته وتحصيل حقوقه».

الخوري: نحتاج قانوناً خاصاً بالتعويضات 

من جهته، وصف المحامي سليم الخوري ما حصل في بيروت بأنه «جريمة فظيعة»، وقال: «دون البحث في أسباب وخلفيات انفجار العنبر 12 في المرفأ، وهل هو إهمال أو عمل تخريبي، إرهابي، أو ناجم عن تدخّل خارجي، سنستعرض ما جرى في المرفأ، وما أسفر عنه من دمار هائل لجزء كبير من العاصمة».


سليم خوري: نتخوّف من تفريط أميركي بحقوق الآخرين من أجل «إسرائيل» 

وأضاف: «أمام هول الجريمة التي وُصِفَتْ بـ«الإبادة جماعية»، يمكن أنْ ينعقد مجلس الأمن تلقائياً، وحتى دون مراجعة من الدولة اللبنانية، وليس بعيداً عن ذلك هناك أزمات تقع على الحدود بين دولتين، فينعقد مجلس الأمن حُكماً دون طلب من أي منهما». وأردف: «إذا جرى التعمّق في هذه الواقعة من ناحية قانون الأمم المتحدة وكيفية انعقاد مجلس الأمن، يكون من الصائب الانعقاد الحُكمي للمجلس أمام هول ما حدث في مرفأ بيروت، من دمار وأكثر من 200 شهيد، 6000 جريح، 300 ألف عائلة مشرّدة و60 ألف مسكن مهدّم، من هنا لا بُدَّ من الاستعانة بالتحقيق الدولي، بل وأنْ يأتينا التحقيق الدولي إلى بيروت لا أنْ نذهب نحن إليه.

واستطرد: «أما في ما يتعلق بالتعويضات، فمن الأنسب أنْ يقوم مجلس النوّاب بتشريع قانون خاص يبحث في هذه النقطة بالذات، لأنّ الأضرار أصابت البشر والحجر، كما أصابت النفسيات، وعائلات بأكملها، ومصالح ومؤسّسات وأكثر من قطاع اقتصادي، في ظل الوضع الاقتصادي اللبناني المتدهور، لذلك هناك ضرورة لأنْ يُتقدّم بمشروع قانون أو اقتراح قانون من مجلس النوّاب أو الحكومة، يفصّل كيفية حصول المتضرّرين على تعويضاتهم، كل حسب حجم ضرره، بما يتناسب مع واقعهم الحالي، إضافة إلى ما نعانيه من فقر وأزمات اقتصادية وصراع مع المصارف، وجائحة «كورونا»، كما يحدد موارد تمويل هذا التعويض».

محمصاني: لا ثقة بتحقيقات تتعرض لتدخلات

من جهته، قال الخبير القانوني والدستوري الدكتور غالب محمصاني: «أتوافق كلياً مع الدعوة إلى تحقيق دولي، وذلك، لانعدام الثقة التامة بالتحقيقات الإدارية أو القضائية المحلية، وما تتعرّض له من تدخّلات وسواها»، مستدركاً: «لكن الدولة اللبنانية لن تطلب تحقيقاً دولياً، لذلك أرى بضرورة انعقاد مجلس الأمن لبحث الأوضاع اللبنانية، بل ويضع يده على الملف اللبناني عموماً، ويرسل وصاية دولية تحكم البلد، وتكف اليد السياسية عموماً».


محمصاني: مخالفتان في الإعلان  عن الترسيم لم تراعِ الأصول والاعتبارات 


وتابع: «مما لا شك فيه أنّ للأمم المتحدة دوراً كبيراً في القضايا العالمية، لكنها لا تتحرّك بمفردها، بل لا بد من أنْ يتبّى أحد أعضائها الدائمين هذه القضية كفرنسا مثلاً». وأضاف: «بخصوص التعويضات، وبما أنّ الجدل طويل جداً، بين مسؤولية الدولة أو بند القضاء والقدر، والتدخّل الخارجي والقوّة القاهرة، إضافة إلى نقطة الإهمال، فهنا لا بُدَّ من قانون ينظّم العملية كاملة، لأنّه دون قانون ستبدأ المحاكمات والدعاوى القضائية، وكل قاضٍ سيحكم من وجهة نظر مختلفة، لذلك نحن بحاجة إلى قانون ينظّم الملف كاملاً خاصة تجاه شركات التأمين، فمثلاً لو ثبت قانون أنّ التفجير ناجم عن إهمال، فتغطيها شركات التأمين، لكن لو تبيّن أنّه ناجم عن عمل إرهابي أو تدخّل خارجي، فلا دور لشركات التأمين بالتغطية».

مبارك: حق العيش مقدّس والاعتداء عليه جريمة

واعتبر الدكتور وليد مبارك أنّ «ما حصل في مرفأ بيروت هو جريمة ضد الإنسانية، وعلى تماس مباشر بحقوق الإنسان، بل بأهم خاصية بحقوق الإنسان، ألا وهي خاصية حق العيش، وبالتالي ما حصل في بيروت يتحمّل مسؤوليته السياسيون، إضافة إلى الإداريين، مبرهنين من جديد عن الضعف الكبير للدولة اللبنانية في ما يتعلق بحماية مواطنيها، خاصة أنّ الفكرة الأولى لبناء الدول هي الحفاظ على أمن مواطنيها، وهو ما لم يعد مُتوافراً للمواطن اللبناني ما أفقده الثقة بدولته، ما أدى إلى انكشاف البلد للخارج، في ظل ضياع السيادة وحكم القانون فيه».


وليد مبارك: خطأ لبناني حال دون تطبيق اتفاق الحدود مع قبرص وخلق مشكلة مع الاحتلال

وشدّد على أنّ «الجسم الإداري في الدولة اللبنانية لامسؤول وتتحكّم به الزبائنية، والتبعية السياسية، أي أنّ الإداري محمي من السياسي، والسياسيون يحمون بعضهم البعض، فوعدونا بتحقيق ينتهي خلال 5 أيام، ونرى أنفسنا أمام تردّد في تحقيق جدي للحادث، وحتى حينه لم نتوصل ولا إلى خيط مهم في التحقيق، لذلك نحن لا نستطيع الاعتماد على الدولة، لا في ما يتعلق بالتحقيق أو حتى بالتعويضات على المتضرّرين، وهو ما لاحظته الجهات الخارجية التي تقدّم الدعم والمساعدات إلى المنظمات غير الحكومية، وذلك لانعدام ثقتها التام بالدولة اللبنانية».

وإذ أمل في أن «تصل التحقيقات التي تقوم بها الـFBI أو الجهات الفرنسية، أقله إلى تحديد المتسبب» قال: «من وجهة نظري كان الأجدى برئيس الجمهورية التنحي عن منصبه إثر هكذا كارثة». وأردف: «أما حول مَنْ يعوَض على المواطن، فأترك التعويض المالي لأربابه، لأنّ التعويض النفسي أكثر أهمية، وبالتالي مَنْ سيعوّض على الناس رُهابهم، ففي لبنان اعتاد المواطن الاعتماد على نفسه لتوفير سُبُل العيش، لأنّ دولته الموقّرة لا توفّر له أدنى المقوّمات، من خدمات اجتماعية وطبابة وأمن، ومطلق الأمور المعيشية، لنصبح أمام استقلالية وشرخ واسع بين المواطن ودولته، ليأتي تفجير مرفأ بيروت ويوسّع هذا الشرخ ويتسبّب بأزمة نفسية كبيرة جداً، لن تتوقّف عند ساعة الانفجار، بل تتعدّاه إلى أفق بعيد جداً، يقارب تأثيرات الحرب الأهلية النفسية على المواطنين».

وفي ختام المحور الأوّل، أسف المُنتدون جميعاً، لأنّ «الدولة اللبنانية لم تدع إلى يوم حداد وطني إثر تفجير المرفأ، كما لم ينزل أي مسؤول إلى الشارع لمد يد العون أو أن يكون سنداً للمنكوبين أو أن يزور أحد السياسيين جريحاً»، مستطردين بأنّه «حتى عندما زار الرئيس عون المرفأ زاره بسرعة وغادره هارباً».

ترسيم الحدود البحرية

هو حديث الساعة، وهل هو تطبيع أو عمل تقني بحت؟ مجموعة من علامات الاستفهام طُرحت حول السبب الكامن وراء اعتماد الطرف اللبناني في مفاوصات ترسم الحدود البحرية مع إسرائيل - وفق الإطار الذي حدّده رئيس مجلس النواب نبيه بري - للخط الأزرق والقرار الدولي 1701، هاملاً بقية الاتفاقات التي ترسّم الحدود الدولية منذ العام 1922 بين لبنان وفلسطين، ناهيك عن الثوابت القانونية الدولية، والتي تُعتبر سلاحاً بيد لبنان.

قليموس: لا تخلٍّ عن السيادة

من جهته قال المحامي قليموس: «من المتعارف عليه أنّ الانتدابين الفرنسي على لبنان والبريطاني على فلسطين، رسّما الحدود بين البلدين من خلال اتفاقية «بولينيو كامب» في شباط عام 1922، التي أُودعت لدى «عصبة الأمم» عام 1934، ومنذ ذلك الحين بدأ الكلام عن الحدود الدولية للبنان والمعترف بها دولياً، ثم نال لبنان استقلاله، وبميثاق جامعة الدول العربية، وافقت كل الدول (بما فيها لبنان وسوريا) على احترام حدود لبنان وسيادته المعترف بها دولياً، وبما أنّ لبنان شارك في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، فهي تضمن احترام حدود وسيادة كل الدول المنضوية».

وتابع: «في تشرين الأول من العام 1948، صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي سنداً للمادة 40 من الفصل 7 من ميثاق الأمم المتحدة، طلب من لبنان وما سُميت بـ»إسرائيل» لاحقاً، عقد اتفاق هدنة تحت طائلة تطبيق المادتين 41 و42 من الفصل، وفي حال لم يتم التوصّل إلى الاتفاق، سيخضع الطرف المتسبب لعواقب، فحصل اتفاق الهدنة، وأقرّت المادة 5 منه بأنّ الحدود الرسمية هي الحدود الدولية سنداً إلى اتفاقية «بولينيو كامب»، ولكن في عام 1967، نشبت الحرب بين «إسرائيل» والدول العربية، ورغم أنّ لبنان لم يكن طرفاً فيها، بل ما كان إلا دولة مساندة، وليس دولة مواجهة، فإنّ «إسرائيل» لم تحتل يومها «مزارع شبعا»، بل إنّ هذا الاحتلال جرى بعد انطلاق عمليات الفلسطينيين تجاه «إسرائيل»، مما سُميت بـ»منطقة العرقوب – فتح لاند» في جنوب لبنان».

وأضاف: «بعد العام 1970 بدأت «إسرائيل» تقضم المزارع واحدة تلو الأخرى، إلى أنْ احتلتها كاملة، وبالتالي عام 1979 عادت «إسرائيل» ودخلت لبنان، ليصدر القرار رقم 425، الذي تجاهلته الورقة التي يتم التفاوض عبرها حالياً، كونه ينص على الحدود الدولية للبنان (معترف بها دولياً)، وألزم «إسرائيل» بالانسحاب إلى تلك الحدود، فيما تتعنّت «إسرائيل» بأنّ المزارع محتلة عام 1967، وتخضع للقرار رقم 242، ما يعني هناك خطر من ضمّها إلى منطقة الجولان المحتلة، ولبنان متمسّك بأنّ المزارع لبنانية وفقاً لاتفاقية «بولينيو كامب» وباتفاقية الهدنة مرسّمة، وتدخل ضمن الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً». واستدرك: «هنا لا بُدَّ من الإشارة إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أنّه عام 1948، عند اعتراف هيئة الأمم المتحدة بـ»إسرائيل» كدولة، كان الاعتراف مشروطاً بالتقيّد بقرارين 181 (حدود لبنان) و194 (عودة اللاجئين)، وقانوناً هناك ما يُعرف بالشرط الفاسخ، أي عندما لا يلتزم الشخص بالشرط الذي تعهّد به، فإنّ شرعية عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة تصبح محل متابعة، ولمجلس الأمن الحق بالتدخّل لإسقاط هذه العضوية، ولكن وبسبب الفيتو من بعض الدول الكبرى، تستطيع الجمعية العمومية للأمم المتحدة وسنداً لقرار صادر عام 1950، سُمّي «الاتحاد من أجل السلام»، تم اللجوء إليه كمثال، عندما حصلت الأزمة بين الكوريتين، تدخلت الأمم المتحدة بقواتها الدولية تحت ستار هذا القرار، رغم الفيتو الروسي».

وتابع: «بالعودة إلى لبنان، ففي عام 1970، عندما حلَّ المبعوث الدولي غونار يارينغ وبدأ باستقراء علاقة لبنان بالقرار الدولي 242، أكد يومها الرئيس الراحل شارل حلو إلتزام لبنان باتفاقية الهدنة، ولا يمكن لا للبنان ولا «إسرائيل» الخروج عن الاتفاقية، لأنّها وُضِعَتْ تحت وصاية مجلس الأمن الدولي سنداً للمادة 40، فهو اتفاق ذو طابع ثلاثي، ومن هذا الواقع فإنّ القرار 1701، تناول في بنده رقم (5) أهمية احترام الحدود الدولية المعترف بها دولياً، ولكن الخط الأزرق الذي سُطّر في العام 2000 هو خط انسحاب وليس خط حدود دولية، وبالتالي على المفاوض اللبناني الاعتداد باتفاقية «بولينيو كامب» والمادة (5) من اتفاقية الهدنة والقرار 425، الذي أكد على الحدود المعترف بها دولياُ، وبالتالي الترسيم البحري الذي يجري اليوم يجب أن ينطلق من النقطة B1 المحدّدة وفقاً للاتفاقيات المذكورة، والموجودة في الأمم المتحدة، وما على الموفد الأميركي والدولي سوى مراجعة ذلك والإلتزام به».

وقال قليموس: «أما في ما يتعلّق بالترسيم البحري فينطلق من النقطة B1 عند رأس الناقورة، سنداً إلى «قانون البحار» الذي وقّعه لبنان ورفضت «إسرائيل» التوقيع عليه، ويمضي أفقياً ليكون حقّنا من Block 9 يتجاوز 860 كلم، وما على لبنان إلا التمسّك بالتوقيع على هذه الأمور. أما القول بأنّ مزارع شبعا سورية فنملك الوثائق والوقائع التي تؤكد أنّ الترسيم حصل عام 1940 بحضور قاضيين أحدهما من آل الغزاوي والآخر من آل الخطيب، وقعا على محضر قضائي أقرّا فيه بأنّ منطقة «مزارع شبعا» لبنانية الجنسية، فيما قرية «مُغر شبعا» سورية، وهو ما أكده السفير السوري في مجلس الأمن عام 2000 بمحضر رسمي.. وما على المفاوض اللبناني – نكرّر - إلا التمسّك بما قلناه، وبالتالي أي تفاوض من لبنان من أجل إعادة ترسيم الحدود البرية هو تنازل عن السيادة اللبنانية، وتنازل عن حقوق مكرّسة دولياً».

وردّاً على سؤال حول ما إذا كان لبنان يُدير منطقة شبعا قبل الاحتلال، قال: «لا احتلال يعني التخلّي عن السيادة»، وخلال خمسينيات القرن الماضي كانت تُجرى عمليات كر وفر بين القوى الأمنية اللبنانية والمهرّبين، وهو ما تناوله الرئيس سامي الصلح في كتاب مذكراته، وعليه تكون مزارع شبعا أرضاً لبنانية 100%، وأي دخول غير شرعي إليها لا يعني تخلي لبنان عن سيادته عليها».

الخوري: رعاية أميركا للمفاوضات تُثير المخاوف

من ناحيته، رأى المحامي الخوري أنّ «لبنان الدولة الصغيرة مساحة (10452متر مربع) حريصة جداً على أراضيها ومساحتها، ونؤمن بأهمية عدم التفريط بأي شبر من الأرض اللبنانية طالما أنّنا دولة صغيرة المساحة، وموضوع الترسيم البحري بحد ذاته ينقسم إلى شقين، أحدهما تقني والآخر قانوني، ونحن منذ مطلع القرن العشرين، وبعد إنشاء دولة لبنان الكبير وانتداب فرنسا علينا وبريطانيا على فلسطين، تم ترسيم الحدود بين الانتدابين، ووثائق ترسيم الحدود كانت موجود في «عصبة الأمم»، ثم انتقلت إلى «هيئة الأمم المتحدة»، ونحن كقانونيين عند غموض النص وإبهامه، نعود إلى محاضر مجلس النوّاب، وكيف تداول النواب في ما بينهم ليصوّتوا على هذا القانون أو هذه المادة».

وأضاف: «كلبنانيين، وفي ما يتعلق بترسيم الحدود، وثائقنا موجودة لدى الخارجية الفرنسية، وهيئة الأمم المتحدة، واتفاقية الهدنة تثبت ذلك، فهي التي رسّمت الحدود بين لبنان وفلسطين، وكرّستها لدى مجلس الأمن والأمم المتحدة. وانطلاقا ممّا سبق يمكن للبنان أنْ يحدّد مساحته وحدوده بالشكل الدقيق تقنياً وقانونياً وفنياً، ولكن وبما أنّ الرئيس نبيه بري ذكر في تصريحاته أنّ موضوع ترسيم الحدود استلزم 8 إلى 9 سنوات من الدراسة قبل الإعلان عنه، فإنّنا نجد أن ملامة كبيرة تقع على الدولة اللبنانية، كيف أنّها لم تشكّل لجنة من قانونيين وعسكريين وفنيين كي تجوب أصقاع العالم وتأتي بالمستندات والوثاق والكتب التي تؤكد حتمية حدودنا الجغرافية الثابتة بين لبنان ودولة فلسطين المحتلة».

وختم: «صحيح نحن نفاوض في منطقة الناقورة، وتحت راية الأم المتحدة، لكن يبقى دائماً هناك تخوف من الأميركي الساعي إلى تأمين ما تريده «إسرائيل» ولو على حساب الآخرين، ويضحّي دائماً بالدولة الأضعف والأصغر، ولذلك فإنّ رعاية أميركا للمفاوضات تُثير المخاوف. وأكثر من ذلك، فإنّه من ضمن مهام القوات الدولية المتواجدة في الجولان undof ، لم تُذكر مزارع شبعا، ولا تدخل لا المزارع ولا تلال كفرشوبا من ضمن هذه المهام».

محمصاني: مخالفتان واضحتان

وأشار محمصاني إلى «وجود مخالفتين شكلاً في ما يتعلق بالمفاوضات التي تُجرى حالياً لترسيم حدوده البحرية، أولاً: رئيس مجلس النواب نبيه بري فاوض وأعلن عن الاتفاق دون أي اعتبار للحكومة وأي من الأجهزة المعنية، وقيل بأنّ المفاوضات استمرّت لسنوات.. فمع من جرت وأين وكيف؟! أحد لا يملك أي جواب».

تابع: «ثانياً، رئيس الجمهورية فسّر المادة 52 بأنّ له الصلاحية بالمفاوضة وتشكيل وفود دون أي اعتبار أيضاً للحكومة ورئيسها، وادعاؤه بأنّ حكومتنا الحالية لتصريف الأعمال لا يمكنها المشاركة بتشكيل الوفد غير صحيح لأنّ الأمر يدخل ضمن صلاحياتها، وما قام به رئيس الجمهورية مخالف للأصول الدستورية». وزاد: «أما أساساً، فالاتفاق مهم جداً للحفاظ على حدودنا، ولكن كان من الأفضل التوصل منذ عدة سنوات إلى التوافق دون تضييع الوقت على لبنان وحرمانه من ثروته البحرية، بحيث كان يمكن الاعتماد على اتفاق الهدنة، لأنّه اتفاق نافذ ومكرّس في المواثيق الدولية، ويعترف بحدودنا الدولية.

مبارك

وكلمة الختام كانت للدكتور مبارك حيث قال: «عندما كان لبنان خاضعاً للانتداب الفرنسي، حُدّدت حدوده بشكل جيد مع الأراضي الفلسطينية، ولكن أُهمِلَتْ الحدود مع الأراضي السورية، حيث أصبحنا أمام تداخل كبير بين لبنان وسوريا، ولعل نقطة مزارع شبعا هي الأكثر تعقيداُ، والتي حازت أهمية كبرى مع بدء المقاومة المسلّحة من جنوب لبنان ضد إسرائيل، وهو ما يوضح كم كان هناك استغلال سوري لمزارع شبعا وجنوب لبنان لجهة الحدود وتفلتها».

ولفت إلى أنّه «رغم أن لبنان كان يحاول دائماً الفصل بين القرار 425 والقرار 242، إلا أن الدخول السوري إلى لبنان فرض على أجهزة السلطة اللبنانية الجمع بين القرارين، وبالتالي كانت موقف سوريا مزدوجاً في ما يتعلق بمزارع شبعا، فرغم تأكيد السلطات السورية أنّ المزارع لبنان إلا أنّها لم تتوجه إلى الأمم المتحدة للتوقيع على وثيقة تؤكد جنسيتها اللبنانية». وزاد: «يُضاف إلى ذلك، في ما يتعلق بموضوع الخرائط التي تذكر الحدود، فعلى سبيل المثال ستيفان دي ميستورا ردّاً على سؤال حول تقديم لبنان 10 خرائط وسوريا 6 تؤكد أن المزارع موجودة في سوريا وليست في لبنان، ترك الأمر لأصحاب العلاقة.

وأشار إلى أنّ «أساس حدودنا اللبنانية هو الخط الذي رُسّم عام 1923 وثُبت عام 1924، واتفاقية الهدنة، أما اللجوء إلى الخط الأزرق لتثبيت الانسحاب عام 2000، فيعود إلى مصلحة مشتركة (لبنانية – إسرائيلية) لعدم ذكر اتفاق الهدنة، لأنّه يقضم نص «كيبوتس» من الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما ينص على إرسال قوات أمنية لبنانية إلى الحدود، وبالتالي لم تكن هناك مصلحة للطرفين بإرسال قوّات لبنانية إلى الحدود، فقوّاتنا بشكل كبير أرسلت إلى الحدود بعد العام 2006 إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان».

وأوضح أنّه «في ما يتعلق بالحدود البحرية، فإنّ الخط الأرزق يمس بالنقطة B1، ومنها يمكن الانطلاق للوصول إلى النقطة 23 التي سميت بخط وسطي وتمتد على حوالى 133 كلم تقريباً بين لبنان وقبرص و»إسرائيل»، وتتناسب مع «اتفاقية البحار» التي طبقت عام 1982، لكن المشكلة الأساسية بدأت عام 2007 عندما وقّع لبنان اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص، والتي تضمّنت خطأً فادحاً في رسم الحدود، ما سمح لـ»إسرائيل» باستغلال هذه النقطة لخلق نزاع حدودي وكسب مياه أكثر على حساب لبنان، فلبنان يوم رسّم حدوده مع قبرص، كان لا بُدَّ من أنْ يأخذ بعين الاعتبار وجود «إسرائيل»، التي هي دولة بحالة حرب معنا، وستستغل الأمر فعلا». وخلص إلى قول: «في العام 2009 حدّد الجيش اللبناني حدودنا انطلاقا من «اتفاقية البحار»، وبرزت مشكلة النقطة 14 المقابلة للحدود السورية عند نقطة العريضة، الأمر الذي احتجّت عليه الحكومة السورية، لذلك نحن كدولة حدودنا غير مرسة كما يجب ليس فقط مع فلسطين المحتلة، بل أيضاً مع سوريا. والخطأ اللبناني تسبب بأزمة مع «إسرائيل» من جهة، وكذلك مع قبرص التي طالبت بالتوافق مع «إسرائيل» حتى تنفّذ دورها بالاتفاقية، بينما أساساً كان الموقف القبرصي الإلتزام بمعاهداتنا الموقعة، وقبرص وقعت اتفاقية مع «إسرائيل»، وتلك هي مشكلتنا».