«صفحة ونصف» نتاج مجهود دام عقد من الزمن رسم خريطة طريق الاتفاق حول ترسيم الحدود الجنوبية بحرًا وأرضًا، باعلان غير عابر ومهم بالتوقيت والشكل والمضمون، أتى على لسان الرئيس نبيه بري بحضور قائد الجيش العماد جوزيف عون.
الرئيس بري فصل بين العقوبات و«اطار الاتفاق» المعلن مؤكدًا أن الاتفاق تم في 9 تموز المنصرم، وبعيدًا عن اعتبار الخطوة تنازلًا شيعيًا على وقع تلك العقوبات والضغوطات، وهدية انتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب على غرار ما حصل من تطبيع اماراتي - بحريني مع اسرائيل، إلا أن ما سيحصل في الناقورة بعد أسبوعين سيشكّل مشهدًا جديدًا ونسخة متطورة عن مفاوضات اتفاق نيسان 1996، لا ترقى الى مستوى التطبيع، لكنها قد تكون أهم من تطبيع البعض في المنطقة، في الحسابات الأميركية.
في السياسة يشكّل ملف الترسيم نقطة تحوّل كبيرة للبنان في حال تمّ بسلاسة، الجانب اللبناني يعلم ذلك، والوسيط الأميركي صادَقَ أيضًا على ذلك بألسنة «كبار الخارجية». أما علميًا، فما أهمية الترسيم جنوبًا وما هو حق لبنان؟ هل سنصل الى نقطة الترسيم البري وصولًا الى حل أزمة مزارع شبعا؟ وما أهمية ترسيم الحدود مع سوريا أيضًا وهل سيطرح؟
الباحث الجيو-استراتيجي الدكتور نبيل خليفة أوضح لـ«اللواء» تفاصيل هذا الملف الشائك وحقوق لبنان المثبَتة بمياهه وأرضه في كل الاتجاهات. حيث أفاد أن اسرائيل قبلت أن تفاوض ضمن معطيات عديدة، منها أنها لا تريد أن ترسّم من نقطة رأس الناقورة، وتريد نقطة أعلى بالإضافة لعدم رغبتها بالترسيم العامودي، وتريد خطًا منحرفًا، لاقتناص مكاسب اضافية.
لبنان أخطأ بالترسيم
ذكّر الدكتور خليفة أن الخطأ بالترسيم أتى من الجانب اللبناني وذلك لعدم الأخذ بآراء الباحثين الكبار كما أقر أحد الضباط المسؤولين عن الملف، مشيرًا الى أن اسرائيل سوف تستغل هذه النقطة، فالترسيم الخاطئ يعطي اسرائيل 51% من خطنا البحري ويبقي للبنان 49% في حين أن حق لبنان هو 61% مقابل 39% لاسرائيل.
ولفت خليفة الى أنه يملك الخرائط التي تثبت حقوق لبنان وكان قد قدّمها للمسؤولين كمرجع، وقال: "كتابي حدودنا البحرية فوق النفط والغاز هو أساس بالدراسات واتمنى الوصول بالنتائج لما يتضمنه، الرئيس بري أطلع الجميع عليه والرئيس سعد الحريري طلب مني 50 نسخة".
الدكتور نبيل خليفة
الحدود البرية «مرسّمة»
يفضّل خليفة عدم ادراج ملف الحدود البرية ضمن ملف الحدود البحرية، والاتيان على ذكر البر فقط كامتداد لحدود البحر، وذلك لأن الحدود البرية تم ترسيمها سنة 1923، عبر أكبر دولتان بالعالم بعد الحرب العالمية فرنسا وبريطانيا، ووافقت عصبة الأمم على الترسيم البري بين لبنان وفلسطين سنة 1934، وتاليًا فحدود البر مرسّمة ولا داعي لدخول اللبنانيين على خطها اليوم.
وأشار الى أن المحكمة الدولية أصدرت قرارًا يقضي بأن الحدود البحرية هي استمرار للحدود البرية، وبالتالي اذا انطلقنا من حدودنا البرية من رأس الناقورة تصل حدودنا البحرية الى النقطة 61 التي تعطي لبنان 1600 كلم وليس 850 كلم كما يشير «خط هوف»، ولهذا السبب لا تريد اسرائيل الانطلاق من رأس الناقورة.
مزارع شبعا لبنانية بسطوة «سورية اسرائيلية»
وفي الحديث عن حدود البر، لا يمكن الإغفال عن قضية مزارع شبعا المحتلة، يؤكد خليفة أنها ضمن حدود لبنان، إلا أن سوريا أخذتها بالقوة في حرب عام 1948، وقال: "كان هناك محاولات لاعطاء سوريا ما ليس لها إلا أنني علّقت على الموضوع بشكل علمي وقلت للمعنيين أن الحدود بين سوريا ولبنان، شمالًا عند وادي النهر، أما في الجهة الشرقية تقوم على السلسلة، فالنظام العالمي يقر بأنه عندما يكون بين دولتين سلسلة تفصل بينهما ترسم الحدود عبر ذروة القمم بين البلدين".
واعتبر أن سوريا ترفض ترسيم حدودها مع لبنان لأنها ترفض الاعتراف بسيادته واستقلاله، مستشهدًا بكلام أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي أنان الذي قال: "ان اعتراف سوريا بترسيم الحدود مع لبنان هو اعتراف باستقلال لبنان وسيادته على أراضيه".
وأكد أن ترسيم الحدود جنوبًا بأهمية ترسيم الحدود مع سوريا، وقال: "نحن دولة «حاجز» بين دولتين توسعيتين، وكلاهما يريد التوسع على حسابنا أرضًا وبحرًا وجوًا".
وذكّر بالرفض السوري لاحدى نقاط اتفاق مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، مما ادى الى تراجع حزب الله عن بند الترسيم مستبدلًا مصطلح الترسيم بمصطلح سوريا وهو «تعيين الحدود». معتبرًا أن هذا يدل على أن اي ترسيم قريب بين لبنان وسوريا مستبعد.
الخريطة المعتمدة لبنانيًا «مقسّمة» مع سوريا
كشف الدكتور خليفة عن أن لبنان يملك خريطة للحدود البرية جنوبًا على حدود «وادي العسل» علمًا أن الحدود تشمل الزلقا مرورًا بالنجمة المقبلة وجبل الصيري نزولًا، فالحدود أكبر مما هي بالخريطة ولكن تم تقسيمها بين لبنان وسوريا، بحيث تعطى مزارع شبعا للبنان من جهة الشمال، ولسوريا جهة اليمين.