تحوّل وسط العاصمة بيروت، بدءاً من شارع البلدية، حيث أحد مداخل ساحة النجمة، المؤدّي إلى المجلس النيابي، إلى ساحة حرب طاحنة، بكل ما للكلمة من معنى، حيث انطلقت المواجهات منذ بعد ظهر أمس الأول السبت، بين المتظاهرين من جهة وعناصر قوى الأمن الداخلي لتتوزّع في كل الاتجاهات، وصولاً حتى مقر بيت الكتائب في الصيفي، وداخل مسجد محمد الامين في ساحة الشهداء، مع ما رافقها من تحطيم للمحلات التجارية والمؤسسات، وكثير من أنحاء البنى التحتية كبلاط الشوارع واشارات السير وأعمدت الإضاءة.
وبعدما أطلقت القوى الأمنية القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتاظهرين، كما لجأت إلى خراطيم المياه، فإنّ المحتجين عمدوا إلى إطلاق المفرقعات النارية إضافة إلى الزاجات الحارقة ضد القوة الأمنية، في مواجهة القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي الذي دخل مسرح الإشتباكات للمرة الأولى منذ بداية أحداث 17 تشرين الاول الماضي، ليسقط عدد كبير من الجرحى من الطرفين، إصابات عدد كبير منهم كانت خطرة.
ولم تهدأ الإشتباكات إلا بعد دخول عناصر الجيش اللبناني بعد منتصف ليل السبت – الأحد، شوارع وسط العاصمة وسيطرتهم ميدانيا، وابعاد المتظاهرين عن الشوارع.
أحداث الأحد
ومع بزوغ شمس أمس (الأحد) الخجولة، كان الصمت سيد الموقف في سائر شوارع المدينة، بعد عاصفة أمطار ليلا، تخوّفا من مفاجاءات أكثر رعبا، ولكن مع وصول ساعات بعد ظهر أمس، عادت تجمعات المتظاهرين الى وسط العاصمة بيروت، لتتجدد معها الإشتباكات بين عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش من جهة، وحشود المتظاهرين الذين تجمعوا في رياض الصلح وساحة الشهداء، حاملين معهم عدّة الإشباكات من عصي وحجارة ومفرقعات من النوع الثقيل، لمواجهة عناصر قوى الأمن والجيش، في وقت كان عدد من المحتجين يقطعون شوارع قصقص وتقاطع فردان ومصرف لبنان – الحمراء والمزرعة .. إلخ.
وفي التفاصيل، فقد دوى إطلاق قنبلة مسيلة للدموع مساء، تبعها رشق عناصر قوى الأمن الداخلي بالحجارة، لكن متظاهرين تصدّوا لملقي الحجارة وأجبروهم على التوقف وعدم إثارة الشغب والتعرض للقوى الأمنية.
وخيّم التوتّر مجدّداً في شارع بلدية بيروت، وسط استمرار المتظاهرين برشق عناصر مكافحة الشغب بالحجارة، واستقدموا ألواحا خشبية وحديدية لمحاولة اقتلاع السياج الحديدي الذي يفصل بينهم وبين العناصر الأمنية، الذين ألقوا 3 قنابل مسيلة للدموع ردا على استهدافهم بالحجارة، ثم عمدوا إلى رش المتظاهرين بخراطيم المياه، لإبعادهم.
إصابة إعلاميين
مع الطقس العاصف مساء أمس، في العاصمة، زادت حدّة التوتر في وسط المدينة بين المتظاهرين وعناصر مكافحة الشغب، في شارع البلدية أمام مدخل مجلس النواب، وأفيد بأنّ مسعفي الصليب الأحمر اللبناني عالجوا عددا من المصابين ميدانيا، ونقلوا آخرين إلى مستشفيات في المنطقة.
كما أُصيب مراسل قناة «الجزيرة» إيهاب العقدي، برصاصة مطاطية في رجله، ومصوّر قناة «الجديد» محمد السمرة برصاصة مطاطية في يده، وفيما عولج الأول في سيارة الاسعاف، نُقِلَ الثاني إلى المستشفى، ووصل عدد من الاصابات الى مستشفى «اوتيل ديو»، كما أُفيد عن إصابات مباشرة لمتظاهرين بالرصاص المطاطي في اليد والجبين والأقدام.
وتواصلت حالة الكر والفر حتى وقت متقدم من ليل أمس، خصوصاً مع وصول قوة من الجيش إلى شارع البلدية، فهتف المتظاهرون «شعب وجيش إيد وحدة» و«شعب وجيش عالمجلس»، حيث كان المتظاهرون، ونتيجة القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه، قد توزعوا بين: التجمع أمام مبنى جريدة «النهار»، وفي أسواق بيروت، وواجهة بيروت البحرية.
في وقت كان عشرات المتظاهرين يتجمهرون أمام مبنى مصرف لبنان في شارع الحمراء، في إطار التحركات الاحتجاجية على سياسة المصرف المركزي والمصارف عموما.
خيمة «جنسيتي» .. «باتشي» و«ألفا»
{ بدورها، أعلنت حملة «جنسيتي كرامتي» في رياض الصلح أنّ «خيمتها تعرضت لإعتداء من القوى الأمنية من خلال رميها بالقنابل المسيلة للدموع».
واستنكرت الحملة الاعتداء ممثلة برئيسها مصطفى الشعار الذي قال: «إن الخيمة تضم مجموعة من الأمهات اللبنانيات اللواتي يتواجدن دائماً فيها من أجل المطالبة بحقهن الذي نص عليه الدستور وهو حق مشروع بإعطاءهن الجنسية لأولادهن، ومن هذا المنطلق فإن الإعتداء الغاشم الذي تعرضت له الحملة ليس سوى دليل ضعف وفشل لهذه الدولة، وإن ما حصل لن يمنعنا عن متابعة مسيرتنا والنضال للحصول على حقنا».
{ كما عمد عدد من المتظاهرين إلى تحطيم زجاج محلات «باتشي» المقابل لمدخل ساحة النجمة في شارع بلدية بيروت، إضافة الى اقتحام مكتب «ألفا».
قوى الأمن تناشد
{ وجّددت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، عبر «تويتر»، الطلب «من المتظاهرين السلميين المحافظة على سلمية المظاهرة ومنع المشاغبين من الاستمرار في الاعتداءات أو الابتعاد من مكان أعمال الشغب، لأننا سنكون مضطرين لردع مثيري الشغب ووقف التعدي وفقا للقانون».
وكانت قوى الأمن قد طلبت في تغريدة سابقة من المتظاهرين «الإبقاء على الطابع السلمي للتظاهر والابتعاد عن الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة والتهجم على عناصر قوى الأمن بالمفرقعات والحجارة وغيرها من وسائل الأذية التي لن تنتج سوى الفوضى وخسائر مادية وجسدية».
قيادة الجيش تحذر
هذا، وصدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه البيان الآتي: «تداول بعض وسائل التواصل الإجتماعي خبراً عن وفاة الدكتور انطوان سالم، يزعم أن الوفاة ناتجة عن تعرضه لاعتداء على يد عناصر الجيش في محلة المتن السريع، وأرفق الخبر بصورة لمواطن يدعى خضر السبع.
توضح قيادة الجيش أنه بتاريخ 17/1/2020 وأثناء قيام مجموعة من المتظاهرين بقطع السير عند محلة نهر الموت طريق المتن السريع وخلال قيام الجيش بمهمة فتح الطريق حصل احتكاك مع المتظاهرين الذين حاولوا التهجم على العسكريين فأصيب كل من خضر السبع وخلدون بو حمدان برضوض وجروح طفيفة، وقد عولج الأول في مكانه من قبل الصليب الأحمر اللبناني ونقل الثاني إلى إحدى المستشفيات حيث تمت معالجته وخرج بنفس التاريخ.
يهم قيادة الجيش أن تحذر مجدداً من عواقب اختلاق أخبار وشائعات ونسبها إلى المؤسسة العسكرية وتداولها تحت طائلة الملاحقة القانونية».
وعلى الأثر أصدرت أسرة سالم بياناً نفت فيه علاقة الجيش بوفاته، وقالت: «بعد تداول خبر على وسائل التواصل الاجتماعي عن استشهاد الدكتور انطوان اديب سالم في التظاهرات، توضح عائلته ان فقيدها توفي في مستشفى الجامعة الاميركية وكان يصارع المرض، ولا علاقة لموته بالاحداث الأخيرة وكل ما أشيع حول هذا الموضوع على وسائل التواصل الاجتماعي عار عن الصحة».
«شرطة المجلس» تنفي
من جهتها، نفت قيادة شرطة مجلس النواب، في بيان، ما ذكرته بعض وسائل الإعلام عن قيام عناصر شرطة المجلس باستهداف خيم المعتصمين في ساحتي رياض الصلح والشهداء.
وجاء في البيان: «إن ما أوردته وتورده بعض وسائل الإعلام عن قيام عناصر من شرطة مجلس النواب باستهداف خيم المعتصمين في ساحتي الشهداء ورياض الصلح هو عار عن الصحة جملة وتفصيلا، ويندرج في إطار التضليل والتحريض على عناصر شرطة مجلس النواب وضباطها الذين نؤكد مجددا ان دورهم ينحصر منذ بداية الأزمة بحماية مقر المجلس النيابي، فيما تتولى مهمة حماية محيط المجلس وحدات من قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني».
«الفصائل الفلسطينية» تنفي
من ناحيتها، نفت الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية في الشمال، في بيان «مشاركة أبناء المخيمات، بالتحركات الجارية على الساحة اللبنانية، وما يجري في العاصمة بيروت».
وأوضحت في هذا الخصوص «تتناقل عبر التواصل الاجتماعي، أخبارا تفيد بأن باصات خرجت من مخيم نهر البارد، للمشاركة في اعتصام بيروت. إننا في قيادة الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية، في منطقة الشمال، ننفي هذه الأخبار نفيا قاطعا، ونشدد على موقفنا الثابت والواضح، بالنأي بالنفس، عما يحدث في لبنان، والالتزام بالحياد الإيجابي، مع التمني أن يخرج لبنان من أزمته وينعم بالأمن والأمان والاستقرار في ربوعه»، مطالبة وسائل الإعلام بـ»توخي الدقة في نقل الأخبار، خصوصا في هذه الظروف الصعبة».
إخلاء سبيل واعتقالات
إلى ذلك، أعطى المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إشارة الى الجهات المعنية بتخلية موقوفي الأحداث التي وقعت ليل أمس في وسط العاصمة، بإستثناء من في حقه مذكرات قضائية بجرائم أخرى.
وبلغ عدد الموقوفين 34 غالبيتهم في ثكنة الحلو، إضافة الى موقوفين في ثكنتي ميناء الحصن والرملة البيضاء.
واطلع نقيب المحامين ملحم خلف، من خلال مجموعة من المحامين الذين تفقدوا الموقوفين في أماكن حجزهم، على ظروفهم والإجراءات المواكبة لتخليتهم، كما تفقد محامون آخرون موقوفين تتم معالجتهم في المستشفيات.
{ وفي السياق، يتابع المحامون محمد صبلوح، زاهر مطرجي ونهاد سلمى، قضية احتجاز عدد من الاشخاص في ثكنة الحلو، اثر الإشكالات التي حصلت يوم امس في ساحة الشهداء في بيروت، إضافة الى بعض المحتجزين في فصيلتي درك الرملة البيضاء وميناء الحصن، بتكليف من نقيب المحامين في طرابلس والشمال محمد المراد.
يشار الى ان قسما كبيرا منهم، وهم من محافظة الشمال، قد أعطيت الإشارة لاطلاقهم. والمحتجزون الذين اطلقوا من ثكنة الحلو حتى الآن، هم: عبد الناصر المصري، بلال عرابي، وليد الماروق، وليد خالد فيض الله، احمد خالد ضاهر، عادل علم الدين، سعيد حسين علم الدين، محمد عبد الحسيب علم الدين. كما يتابع المحامون بقية المحتجزين في بيروت، كما يتابعون الحالات التي استدعت الدخول الى المستشفيات.