غادرنا داود خير الله، صديق وزميل، مفكر ملتزم، كنا نتفق معه في الكثير، ونختلف في شأن او اثنين، من حين لآخر! لكن دائماً، بمحبة، وتقدير!
تعرفت الى الإستاذ داود خيرالله في واشنطن خريف عام ١٩٨٨، حيث كنت في زيارة برفقة العميد ريمون اده. حينها كنا، نحاول يائسين، ان نسوّق في عاصمة روما الجديدة، قضيّة إنقاذ لبنان من خلال تطبيق القرارات الأممية، ٤٢٥ و٥٢٠، بنوع خاص!يومها تجنّد داود عفوياً، وبحماسٍ كبير، من اللقاء الأول!
آخر مرّة تلاقينا، كانت في حوار تلفزيوني، بضيافة الإستاذ توفيق شومان، الذي كنت معه في الاستديو في بيروت، والزميل داود خير الله، من واشنطن! كانت قد مرت عقودٌ، وحروب، على آخر لقاء لنا في عاصمة النظام الدولي الجديد؛ لكن داود كان هو، هو، مثلما كان يوم عشرتنا، رغم مرور الأزمان، والأزمات، على التواصل!
لم أفاجأ ان أجد خطاب، وفكر، وصلابة عقيدة داود خير الله الوطنية، والعقائدية العامانية، ومراهنته على إحقاق الحق، هي،هي، مثل يوم لقائنا الأول، وجولاتنا بشؤون وشجون، العالم العربي، والمشكلة الفلسطينية، واستحالة تحرير لبنان من حروب الآخرين، ما لم نحرره من الطائفية، ونعيد النظر جزرياً في الصيغة، لتغليب "الهوية المواطنية"، والخيارات الدستورية التي تزيل الطائفية من النفوس"، عبر نصوص "النموذج الدستوري" الذي يطمئن ما يُسمى بالمكونات اللبنانية، خارج الخيار الطائفي!
لم أعلم أنه غادرنا في خضم "حرب الكورونا العالمية"، التي لن يكون العالم بعدها، مثلما كان قبلها!
داوود كان دون شك يعي ذلك، ويستشف دائماً بصيص نورٍ في الملفات التي ناضل عمراً من أجل رؤياه في ما يُفترض ان تؤول اليه!
الفكر، صفاء العقيدة، والروح النضالية، ونفسية المؤمن بأن "الحق يَعلى ولا يُعلى عليه"، والذي لا يرتضي الزيمة، لأن لا هزيمة، طالما لا إستسلام؛ هذا، وأكثر بكثير من معدن داود خير الله، حياته تبقى بعد الحياة!
إلى اللقاء يا خير الله مع إطلالة الفجر، ومع غياب الشمس، وبنوع خاص، في عتمة الازمات.
اشتقنا الى اللقاء