بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 شباط 2019 12:12ص عون يضرب يده على الطاولة لإنهاء الجلسة: أعرف مصلحة لبنان وأنا المسؤول

الإمتحان الأوّل للحكومة لم يكن موفّقاً والجدل السياسي حول العلاقة مع سوريا كاد يطيح بها

حجم الخط
ألهب النقاش السياسي في ملف العلاقة مع سوريا الجلسة الأولى لحكومة «الى العمل» بعد نيلها الثقة من مجلس النواب، وكاد يطيح بها حتى قبل ان تقلع. كانت المرة الأولى التي يرتفع فيها سقف الكلام، عكسته الوزير مي شدياق بقولها: «استذكار مرحلة الحرب لم اتقبلها»، فهذه العبارة بقيت من دون شرح، وبدت شدياق مستاءة إلى درجة كبيرة.
انها بداية قد لا تكون موفقة لحكومة اتخذت شعار العمل فاصطدمت بتباين قديم- جديد، وقبل ان تشهد انهياراً، رفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الجلسة بعدما ضرب بيده معلناً وقف مواصلة البحث، ورفع الجلسة، بعدما كان وزراء «القوات اللبنانية» افصحوا عن مكنوناتهم منتقدين بشدة زيارات الوزراء إلى سوريا وتعاطي الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني- السوري نصري خوري مع بعض الوزراء في مشهد وصفه وزير الشؤون الاجتماعية ريشاد قيومجيان بـ«الشيطاني المقيت».
فعل أولى الاختبارات
لم تفلح الحكومة في أولى اختباراتها، فلم تكن دعساتها ناقصة فحسب إنما تحمل أكثر من سؤال عن المرحلة المقبلة لعمل مجلس الوزراء والمواجهة بين مكونات الحكومة، وزراء «القوات اللبنانية» من جهة ومن لا يعارض عودة العلاقات مع سوريا، وبقوة سواء من «باب النازحين» أو غيره. اما مواقف وزير الدفاع الوطني الياس بوصعب في مؤتمر ميونيخ والتي لم تصب بسهام لأن هذه السهام أصابت زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب إلى سوريا، اما وزيرا الاشتراكي فلم يُتح لهما اجراء مداخلة بسبب رفع الجلسة.
كل الكلام كان يدور في القسم الأخير من مجلس الوزراء بعدما أنهى المجلس من مناقشته جدول أعمال فضفاض تضمن 103 بنود لمدة 5 ساعات.
ومساءً أسهبت مصادر قصر بعبدا في نقل موقف الرئيس عون المباشر لجهة «تنسيق انتقال قرابة مليون ونصف مليون نازح من دون التواصل والتنسيق مع الدولة السورية»، مستشهدا بالرئيس شارل ديغول الذي ذهب إلى المانيا واتفق مع اديناور على التعاون من أجل مصلحة البلاد.
وأفيد ان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لم يكن مرتاحاً وشوهد واقفاً أكثر من مرّة وفسر البعض ذلك امتعاضاً من الكلام داخل الجلسة ومن نتائج الطعون في المجلس الدستوري.
وكان الوزير بوصعب قد حضّر رداً على كلامه في ميونيخ، وأبلغ الصحافيين الأمور ضاعت ولكن وجدنا الأمور منتهية وزراء «القوات» عبروا من انزعاجهم من الزيارة إلى سوريا وقال: نحن ملتزمون مبادئ جامعة الدول العربية ولست معترضاً في أي مكان على المنطقة الآمنة، كاشفاً ان ما قاله لنظيره التركي وهو أمر موثق بالصوت والصورة هو اننا نريد حماية لبنان من الارهابيين وان طرحه أي (الوزير التركي) لقيام منطقة آمنة بوجود جيش تركي في داخل سوريا يحتاج لموافقة دولية كما لموافقة سوريا. ولفت إلى ان اتفاقية أضنة تسمح بإنشاء منطقة آمنة بحدود 5 كيلومترات، ووافق على هذا الكلام الأمين العام لجامعة الدول العربية، ونفي ان يكون خرج عن بيان مجلس الوزراء وميثاق جامعة الدول العربية لا سيما المادة الثانية منه.
من جهته، وزير المال علي حسن خليل قال بعد الجلسة: أكدنا موقفنا بضرورة توسيع العلاقات مع سوريا إلى أقصى الدرجات لمصلحة لبنان أولاً والدستور ينص على ذلك.
اما الوزير قيومجيان فوصف بالمنظر الشيطاني والمقزز ما شهده من نصري خوري أمين عام المجلس الأعلى اللبناني- السوري على الشاشات.
وقال: دخلنا إلى الحكومة بذهنية التعاون والتضامن بين أعضائها واتفقنا على النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية، ونفاجأ قبل الجلسة بتحركات بعض الوزراء باتجاه سوريا. ونحن نقول وبشكل منطقي ان أي خطوة من هذا القبيل يجب ان تبحث في مجلس الوزراء سواء ذهب إلى سوريا أو إلى أي مؤتمرات خارجية.
وقال ان منظر نصري خوري أمين عام المجلس الأعلى اللبناني- السوري يثير لدي شعوراً معيناً، فضلاً عن الطريقة التي استدعي فيها وزيرنا من قبل وزير سوري.
وأيد عودة النازحين ولكن ضمن آلية محددة وواضحة.
الوزيرة شدياق أثارت زيارة الوزير الغريب وقالت: صدري رحب ولكنني لن اتقبل استذكار مرحلة الحرب. كلنا اكدنا ان لا خلاف على عودة النازحين ولكن السؤال المطروح: هل النظام السوري يريد العودة فعلاً؟
واضافت: البعض يعتقد ان الوضع طبيعي مع سوريا مع وجود التمثيل الدبلوماسي متناسين ان النظام السوري ادرج رئيس حكومتنا وقادة لبنانيين على لائحة الإرهاب.
وأشارت إلى ان الحريري لم يفتح فمه ممتعضاً من كل شيء بما في ذلك ابطال نيابة ديما جمالي.
وطالب الوزير كميل أبو سليمان بضرورة التقشف في الاسفار الرسمية نظراً للوضع الاقتصادي الصعب.
ووافقه الرأي وزير الخارجية وقال: سأعمل على إرسال آلية السفر المعتمدة في الدولة اللبنانية.
وفي تصريح إلى الصحافيين رفض الغريب حملة التهويل ضده في الإعلام حول زيارته سوريا مؤكداً انه عندما يزور سوريا يعلن عن زيارته وانه لا يعتبر ان للنأي بالنفس علاقة بعودة النازحين. وقال: اننا لن نذهب لفرض أمر واقع إنما لوضع مصلحتنا فوق كل اعتبار. وحرصاً على التضامن الحكومي وعدم طرح مواضيع إشكالية على طاولة مجلس الوزراء، بادرنا واخذنا الأمور بصدرنا، مشددا على ان كل المسؤولين المعنيين كانوا على علم بزيارتنا.
وختم: لن يثنينا أي شيء عن متابعة مهامنا في هذه القضية.
وعلم ان الوزير خليل قال داخل الجلسة لا نريد الكلام بلغة السنوات الماضية فأمامنا تحديات كبيرة وعلينا التخاطب مع سوريا فهي بلد عربي ولدينا معها علاقات مشتركة مرتبطة بالحدود. ورفض وصف ما قام به نصري خوري بالعمل الشيطاني.
اما وزير الإعلام جمال الجراح فتحدث عن النازحين والنظام السوري والنأي بالنفس. لا نختلف على عودة النازحين التي هي قرار سياسي كبير. عانينا ما عانيناه من النظام السوري وما زال حتى اليوم يصدر قرارات واتهامات بحقنا. وقال: لدينا تحفظات على عمل وزارة النازحين ويجب اتباع سياسة واضحة في هذا الشأن.
ورد الوزير محمّد فنيش: كنت اتمنى الا يثار موضوع سوريا بعدما حققناه بإقامة العلاقات الدبلوماسية. من حقنا ان نذهب إلى سوريا ولا أحد يمنعنا. هناك اتفاقيات ولا يجب إعادة النظر فيها. وإذا كنا سنتحدث  بلغة الشيطان فعلينا العودة إلى وثيقة الوفاق الوطني.
ولم يمر توصيف الوزير قيومجيان من دون تسجيل الانزعاج الرئاسي.
وأبلغ الوزير اكرم شهيب الصحافيين انه تلقى وعداً من الرئيس عون بإدراج موضوع الدرجات الست للإستاذة الثانويين كبند أوّل على جدول أعمال مجلس الوزراء المقبل.
المعلومات الرسمية
وكان مجلس الوزراء خلال الجلسة التي عقدها قبل ظهر امس في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس مجلس الوزراء والوزراء، بحث معظم البنود المدرجة على جدول الاعمال. وقد شدد الرئيس عون خلال الجلسة على وجوب «الاعتماد على انفسنا لايجاد كل السبل الممكنة لعودة النازحين» لان الدول الخارجية «لم تقم بأي عمل جدي حتى الآن لمساعدتنا في هذا الملف».
وبعد انتهاء الجلسة، تحدث وزير الاعلام الى الصحافيين فقال:
«عقد مجلس الوزراء جلسته في قصر بعبدا، واقرّ معظم البنود الواردة على جدول الاعمال فيما تم ارجاء بعض البنود ليصار الى التداول بشأنها واقرارها في الجلسات المقبلة. وخلال الجلسة، شدد فخامة الرئيس على ضرورة عودة النازحين السوريين الى ارضهم دون ربط هذه العودة بالحل السياسي الذي يمكن ان يطول، فيما لا تزال التجربة الفلسطينية ماثلة امامنا لجهة عدم الوصول الى حل سياسي للازمة الفلسطينية على مدى سنوات طويلة، ما ادى الى بقاء اللاجئين الفلسطينيين حتى اليوم على الارض اللبنانية. واليوم، نستقبل مليون ونصف مليون نازح سوري، ولا يمكننا التعاطي مع هذه المسألة سوى بجدية ومسؤولية وايجاد افضل الطرق لاعادتهم الى سوريا، لما يشكلّه وجودهم في لبنان من عبء على واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني.
واضاف الرئيس عون ان الدول الخارجية لم تقم بأي عمل جدي حتى الآن لمساعدتنا في هذا الملف، وبالتالي يجب الاعتماد على انفسنا لايجاد كل السبل الممكنة لعودة النازحين، وانه يعمل انطلاقاً من قسمه اليمين الدستورية للمحافظة على القوانين وسلامة الاراضي اللبنانية والشعب اللبناني، من اجل ايجاد الحلول اللازمة لانهاء العبء الذي يمثّله النازحون على لبنان.»
وتابع الوزير الجراح: «استغرقت الجلسة اربع ساعات ونصف، وقد رفعها الرئيس عون لضيق الوقت، وقد كان هناك وزراء قد طلبوا الكلام عن موضوع النازحين وبعض الشؤون السياسية. وطلب الوزير اكرم شهيّب ادراج موضوع الدرجات الست للاساتذة الثانويين، وتم تأجيل الموضوع لمزيد من البحث وليطّلع الوزراء عليه بشكل تفصيلي».
سئل: قيل ان النقاش احتدم حول الملف السوري وزيارة الوزير الغريب الى سوريا؟
اجاب: حصل نقاش حول هذا الموضوع وغيره من المواضيع، ومن الطبيعي عند اي انقاش ان تعلو النبرة حيناً وتخفّ حيناً آخر.
وكان سبق الجلسة خلوة بين الرئيس عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، تم فيها بحث جدول الاعمال وآخر التطورات الراهنة.
عون: أنا المسؤول
وقالت مصادر قصر بعبدا ان الرئيس عون تحدث بعد إقرار جدول الاعمال، عن الأوضاع السياسية في ضوء مداخلات عدد من الوزراء، فأكد أن النأي بالنفس حسب مفهومنا، هو على ما يحصل في سوريا وليس عن مليون ونصف مليون نازح سوري يعيشون في لبنان، ما ألحق تداعيات اقتصادية واجتماعية وانمائية وأمنية أثرت على أوضاعنا، خصوصاً مع تلاحق الأزمات الاقتصادية الخارجية والداخلية التي أحاطت بنا.
واضاف: «اتذكر قولاً لنابوليون يقول فيه: السياسة إبنة التاريخ، والتاريخ إبن الجغرافيا، والجغرافيا ثابتة لا تتغير». وبالتالي فإن أي بلد مجاور مثل سوريا، لا بد أن نقيم معه علاقة خاصة. من هنا، فإن علاقتنا بسوريا غير علاقتنا بتركيا أو إيران مثلاً. أقول بصراحة إن الدول الخارجية لا تريد أن تستضيف نازحين ولا تسمح لنا بأن نعيدهم إلى وطنهم. كيف يكون ذلك وبأي حق؟ أنا لا أقبل بأي شيء يؤذي مصلحة لبنان. لقد استضفنا النازحين لأسباب إنسانية وتحمّلنا أكثر مما نستطيع أن نتحمّل. ما من دولة استقبلت نازحين مثلما استقبلنا، لا نستطيع أن نستمر هكذا. أنا أقول لكم وللبنانيين ما افكر به، لقد أقسمت اليمين على الدستور وعلى المحافظة على السيادة وعلى القوانين... ولا أقبل أن يكون على أرض وطني هذا العدد الضخم من النازحين. إن اللجوء السياسي يكون لمضطهدين في السياسة وليس للهاربين من ويلات الحرب وبداعي الحاجات المفقودة، ومتى عاد الاستقرار فإن على هؤلاء أن يعودوا. لقد رحب الرئيس الأسد بالنازحين العائدين، وإني أتساءل كيف ننسّق انتقال قرابة مليون ونصف مليون نازح من دون التواصل والتنسيق مع الدولة السورية.
وقال الرئيس عون: «كلما زارنا وفد أجنبي نسمع اطراء عن اهتمامنا بالنازحين إلى درجة أني قلت مرة لهم «رح نصير نحنا النازحين... ما بقا فينا نقعد ببلدنا وكل شبابنا عم يسافروا».
وأضاف: «أقول لمن يتحدث في موضوع النازحين أن بعضهم غير مدرك للنتائج التي تترتب عن استمرار بقاء النازحين على أرضنا. هذه مسؤوليتي كرئيس للدولة. أنا اقسمت اليمين بالمحافظة على الدستور ولا يمكنني أن أترك هذه المسألة. يقولون انتظروا الحل السياسي.. القضية الفلسطينية مضى عليها 70 عاماً ولا تزال من دون حل. القضية القبرصية مضى عليها 45 عاماً ولا تزال هي أيضاً من دون حل سياسي. إذا لم ندرك هذه الحقائق اليوم لا يمكن أن نواجه المستقبل. يقولون ان سوريا لا تريد عودة النازحين.. أنا أقول لكم انها تريد هذه العودة ... لقد تمت حتى الآن عودة 156 ألف نازح سوري تأمنت لهم مساكن مؤقتة والمدارس لأطفالهم، ولبنان تلقى ضمانات سورية باستقبال النازحين على أرضهم عندما يعودون. اليوم دول عدة، ولا سيما الدول الكبرى تتواصل مع الدولة السورية ورئيسها... فلماذا لا يتواصل لبنان لحل أزمة مليون ونصف مليون نازح سوري على أرضه. «قاعدين ببيتي... شو بترك وبفلّ»! الكل يقول بعودة النازحين.. لكن متى وكيف؟ لماذا تريدون أن يتحمل لبنان عبء النازحين؟ عندما بدأوا يتوافدون إلى بلدنا بأعداد كبيرة لم نضع حدوداً لهم. الآن أصبحت كثافة النازحين غير مقبولة، والغرب- ويا للأسف- يساعدهم حتى يبقوا في لبنان، فيما اللبناني يهاجر. المسألة ليست مرتبطة بسلامتهم أو امنهم، لأن الذين حملوا البنادق وأطلقوا النار على الجيش السوري تمت مصالحات بينهم وبين الدولة، فلماذا الخوف على أمن العائدين الذين لم يشتركوا في القتال؟
واضاف الرئيس عون: «من المستغرب أن منظمات الأمم المتحدة تساعد النازحين الموجودين في لبنان، ولماذا لا تساعدهم في سوريا؟ طالما أنهم يتلقون المساعدات في لبنان ويعملون فيه فإنهم لن يغادروه. «قضية النازحين ما فيي احملها على ضميري». وقال: «أنا عشت تحت الخطر وواجهت الموت، وهذا القصر بالذات تعرض للقصف وأنا في داخله... قاتلت السوري وتحملت النفي 15 عاماً من أجل وطني ومن أجل كل اللبنانيين. واليوم لا زلت ملتزماً النضال دفاعاً عن وطني وعن شعبي».
وتابع: «على حدودنا الجنوبية يقوم وطن قومي يهودي، وفي سوريا ثمة محاولة لإعطاء الأكراد وطن شرق الفرات، وهذا مثير للقلق فما الذي يمنع إيجاد ثغرات واستغلال النازحين لخلق مشاكل لنا في الداخل لاستكمال هكذا مشروع تقسيمي، خصوصاً أن مجتمعنا التعددي نقيض لإسرائيل، فهل سيتحملوننا ونحن النقيض؟ هذا الموضوع خطير وأقولها للتاريخ. أنا وقفت مع وحدة وطني لبنان وأنا اقول للتاريخ هذا الكلام لي ولكم».
واشار الرئيس عون إلى وجود اتصالات من دول عربية عدة لإعادة علاقاتها مع سوريا وثمة من يجري وساطات من أجل ذلك، فيما نحن مختلفون على مصلحة لبنان العليا. بعد الحرب العالمية الثانية، ركب الرئيس شارل ديغول الطائرة وذهب إلى المانيا واتفق مع اديناور على التعاون.
وختم الرئيس عون مداخلته قائلاً: «أنا أعرف مصلحة لبنان العليا وأنا أحددها، وأنا في مركز المسؤولية وهذه صلاحياتي لأني الوحيد الذي أقسمت يمين الحفاظ على الدستور وقوانين الأمة وسلامة الأرض والشعب، وأرسيت توازناً وطنياً حتى نحقق الاستقرار ونعيد بناء لبنان من جديد. هذا هو مفهومي للمصلحة الوطنية العليا، وأنا مسؤول تجاه شعبي».
ورفع الرئيس عون الجلسة.