بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 آب 2020 01:40م مرساة لبنان تائهة.. مرفأ طرابلس في فوّهة الـ «دعشنة» وبيروت تحت الركام!

حجم الخط

على وقع الكارثة، وبينما كان الركام والدمار ورائحة الموت تلفّ أزقّة العاصمة اللبنانيّة، كان الاهتمام الاقتصاديّ يدور حول الوجهة الجديدة للسفن التجاريّة والشحنات التي ستحطّ مرساتها في البلد المنكوب.

فبعد أن كان المجلس الأعلى للدفاع قد قرّر، إثر الانفجار، تجهيز مرفأ طرابلس ليحلّ مؤقتًا مكان مرفأ بيروت المدمّر، تعالت بعض الأصوات التي وُصفت بـ "الحاقدة والشاذّة"، زاعمة بأنّ مرفأ طرابلس يسيطر عليه "داعش"، مطالبة باتّجاه السفن نحو مرافئ وموانئ لبنانيّة أخرى.

إنّها المصيبة إذًا، التي بدل أن تجمع تفرّق في السياسة اللبنانيّة، بعد أن رأت فيها القوى المتناحرة فرصة لافتراس المصالح الخاصّة والتوظيفات والتنفيعات وغيرها، ضاربة بعرض الحائط الخسارة الكبيرة التي يرزح تحتها البلد المهدّد أصلًا بالمجاعة، منذ ما قبل النكبة الكبرى.

رغم الكارثة.. لم نتعلّم أيّ درس

هذا التناحر الذي لم يردعه الواقع المروّع، علّق عليه النائب زياد حوّاط في حديثه إلى "اللواء"، واصفًا إياه بـ "المهين"، إذ يتمّ "بعد الكارثة التي حلّت بمرفأ بيروت والعاصمة، ربط الأمور بزواريب طائفيّة ومذهبيّة"، مضيفًا "شيء مخذل، وكأنّنا لم نتعلم أيّ شيء، لا في الحرب، ولا في السلم، ولا في الدمار، ولا في القتل، ليس هناك أيّ درس استطعنا أن نتعلّمه".

حوّاط أشار إلى أنّ "هناك زوايا سياسيّة وطائفيّة ومذهبيّة، من وراء هذه القضيّة، فحزب الله وفريقه السياسيّ يريد مرفأ صور ليكون تحت سيطرته، وبالتالي، من المخجل والمعيب والمهين بعد كلّ الذي حصل، أن نفكّر بهذه العقليّة وهذه الذهنيّة".

IMLebanon | حواط: خطوات الحكومة غير جدية… ارحموا الناس!

(النائب زياد حوّاط)

عزلة اقتصاديّة بعد العزلة السياسيّة

من جهة أخرى، أوضح حوّاط أنّ "مرفأ طرابلس لا يستطيع أن يحلّ كليًا بدلًا من مرفأ بيروت. فلبنان بعد أن كان في عزلة سياسيّة، هو اليوم في عزلة اقتصاديّة وتجاريّة نتيجة سقوط مرفأ بيروت. بالتالي، نحن مطالبون بالإسراع إلى طلب المساعدة من المجتمع الدوليّ، لإعادة تجهيز مرفأ بيروت بأسرع وقت ممكن، لتعود بيروت صلة الوصل مع العالم كلّه. فليس هناك أيّ مرفأ يستطيع أن يحلّ مكان مرفأ بيروت، إن من ناحية قيمته، أو موقعه، أو تجهيزاته، أو حتّى تراثه".

حوّاط وردًا على سؤال حول من سيبني مرفأ بيروت في ظلّ تزاحم العروض الدوليّة، قال "فلنضع دفتر شروط بإشراف لجنة تدقيق عالميّة، فتُقدّم العروض، لانتقاء الأفضل من بينها".

مرفأ بيروت والبعد الاستراتيجيّ

في هذا السياق أيضًا، شدّد الخبير الاقتصاديّ جاسم عجّاقة في حديثه إلى "اللواء"، على أنّ "كلّ المرافئ في لبنان، لا يستطيعون استيعاب حجم الاستيراد والتصدير الذي كان يستقبله مرفأ بيروت"، "كما أنّ هناك بعدًا استراتيجيًا كبيرًا لمرفأ بيروت، إذ كان يستخدم ليس فقط للسوق اللبنانيّ، بل أيضًا للسوق السوريّ، فيما تتجلّى مشكلة المرافئ الأخرى في لبنان، على الرغم من أنّهم متطورون بالنسبة لحجمهم، إلّا أنّ قدرتهم الاستيعابيّة للسفن غير كافية، وبالتالي سيكون هناك عمليّة انتظار، سينتج عنها نقص بالمواد في السوق".

جاسم عجاقة لموقع

(الخبير الاقتصاديّ جاسم عجّاقة)

هل سنتمكّن من إعمار المرفأ بسهولة؟

عجّاقة أوضح أنّ "مرفأ طرابلس تكمن أهميّته بقدرته على استقبال بواخر كبيرة، ولكن السؤال يبقى، كم باخرة يستطيع أن يستوعب في ذات الوقت؟ مجددًا أنّ الطلب كبير جدًا، للسوقين اللبناني والسوري، ويمكن الاستفادة من جميع المرافئ ولو كانت صغيرة، من أجل الاستيراد، لأنّ الطيران مكلف جدًا، معتبرًا أنّ "الحلّ الوحيد أمامنا هو البدء بإعادة إعمار المرفأ من اليوم، وليس غدًا. ولكنّه طرح إشكاليّة تتلخّص بالآتي: هل سنتمكّن من إعمار المرفأ بسهولة"؟

الخبير الاقتصاديّ أكّد أنّ "العمليّة ليست سهلة، على الرغم من أنّ الصينيّين قدّموا عرضًا في هذا الإطار، لأنّ ذلك سينتج عنه الدخول في صراع أميركيّ صينيّ". فـ "نظرًا لأهمية لبنان الاستراتيجيّة، لن تقبل أميركا بأن تترك الصين تدخل من باب مرفأ بيروت، والصين ليست مستعدة أن تواجه أميركا وتخسر 580 مليار دولار صادرت إلى أميركا، من أجل بضعة مليارات على مرفأ بيروت".

عجّاقة رأى أنّه "في حال بدأنا الإصلاحات، يمكننا توفير الأموال، فنبني نحن المرفأ، فإعادة الإعمار أمر استراتيجيّ، وإلّا سيخسر لبنان موقعه لصالح مرافئ وموانئ إقليميّة أخرى".

بين المصيبة والأخرى، يرزح لبنان اليوم تحت عزلة دوليّة لم يستفق من نيرانها بعد، وسط "وعود عظمى" بفكّ الحصار عن شعبه المُثكَل، المتأرجح فوق فوّهة "المصالح السياسيّة" الراقصة فوق ركام بيروت وجثثها، بحثًا عن فتات منفعة من هنا وهناك.