بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 نيسان 2020 09:21ص أبعاد وطنية وإنسانية لمبادرة دار الفتوى..

حجم الخط
ما حصل في دار الفتوى يوم السبت الماضي، يتجاوز الدعوة للتكافل الاجتماعي، ويبقى أهم من أرقام الحصيلة المالية التي أُعلن عنها، ليُعيد من جديد أهمية هذه المؤسسة الدينية الأم، ومثيلاتها لدى الطوائف الأخرى، في التخفيف من معاناة المواطنين المغلوب على أمرهم، في ظل دولة لا يعرف حكامها غير سياسات النهب والفساد، لتجميع الثروات على حساب حقوق الشعب، وعلى ضهر مصالح الدولة العليا.

قد يكون تحرك دار الفتوى جاء متأخراً بعض الوقت، ولكن حصوله في هذه المرحلة الحرجة، يؤكد أهمية تحرك المجتمع المدني، بكل أطيافه الدينية والاجتماعية والخيرية والإنسانية، للتعويض عن الغياب الكلي للدولة في توفير الدعم اللازم لشرائح واسعة من الناس، أصبحت بين ليلة وضحاها تحت خط الفقر، بسبب وقوع البلد في جورة الأزمات المتراكمة، والتي أوصلته إلى الإفلاس، وتفاقمت بشكل دراماتيكي في الأسابيع الأخيرة، بعد توقف الأعمال وإقفال المؤسسات العامة والخاصة، الذي فرضته جائحة الكورونا الخبيثة، وأدى إلى فقدان عشرات الألوف لمصادر رزقهم.

قد تكون الحصيلة المالية ليوم التكافل في دار الفتوى دون مستوى طموح البعض، أو أقل من التوقعات الأكثر تفاؤلاً للبعض الآخر، ولكن مجرد فتح أبواب الدار الوطنية العريقة، لنشاطات الإغاثة العاجلة، أنعش مشاعر التضامن والأمل عند فئات من الناس كادت تيأس من واقعها المتردي، وتخرج عن التزامها بالأمن الاجتماعي تحت ضغط الحاجة الملحة، والتي تجاوزت خط الفقر بخطوات كبيرة.

كما أدت تلك المبادرة إلى تحفيز إرادات البذل والعطاء لدى شرائح من القادرين والميسورين، الذين كانوا حتى الأمس القريب في مواقع التردد والحيرة بالنسبة لتحديد الجهات التي يمكن أن تحظى بمساعداتهم، والطريق الواجب سلوكها لإيصال الدعم للعائلات المستحقة فعلاً، بعيداً عن مزاريب الهدر، والاستغلال السياسي البشع.

لا نريد أن تأخذ المؤسسات الدينية والأهلية دور الدولة في الرعاية وتوفير الأمان الاجتماعي للناس، ولكن هذا الغياب المعيب لدولتنا العلية، فرض على كل المخلصين السعي لملء هذا الفراغ الفاضح، وتوفير الحد الأدنى من الدعم المطلوب للعائلات المتعثرة والفقيرة، ريثما يعود أهل السلطة إلى رشدهم، ويعملون من أجل هذا الشعب المعذب، ويتخلون عن جشعهم وأطماعهم في ما تبقى من خيرات هذا البلد!