مِن مهازل القدر أن يبقى لبنان أسير صراعات طبقة سياسية فاسدة وعاجزة، تختلف على كل شيء، وتتفق وتتواطأ في ما بينها على المغانم والصفقات!
البلد على شفير الإفلاس، وتحدق به المخاطر الاجتماعية والاقتصادية من كل حدب وصوب، وأهل السلطة على عنادهم في خلافاتهم حول إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي أم على المحكمة العسكرية، وكأن هذه الحادثة، التي يحصل من أمثالها العشرات كل عام، قد تحوَّلت إلى ما يشبه «قميص عثمان»، لإخفاء الحرب الحقيقية الدائرة ضد النظام الحالي المنبثق عن اتفاق الطائف، والترويج لحلول ومخارج تم استهلاك العديد منها إبان جولات الحرب القذرة، وقبل التوصل إلى اتفاق الطائف.
ويبدو أن إصرار بعض التيارات الحزبية على الخطاب الشعبوي الطائفي الذي عاد إلى الواجهة في السنوات الأخيرة، هدفه إشاعة أجواء من الشحن الغريزي والفئوي، وتحريك التوتر الداخلي كلما هدأت الخواطر، وسادت مناخات التوافق على طاولة مجلس الوزراء، بحيث يُصار إلى عرقلة المسار الحكومي، وتظهير الخلافات الطارئة لتأخذ طابع الصراعات المستمرة بين ديوك الطوائف!
بالمقابل، ثمة غياب للحكم، ولأهل الحل والربط في السلطة، عن بذل الجهود الكافية لمعالجة مسببات التوتر وموضوعات الخلاف، الطارئ منها والمزمن، و«التطنيش» عن مواقع الخلل في السلطة الراهنة، والتي تزيد الأوضاع تعقيداً، كلما لاحت في الأفق بوادر تعطيل لمسيرة الدولة.
البلد لا يُعاني من أزمة نظام، كما يحلو للبعض أن يسميها، بل جوهر المشكلة المزمنة التي تعطل الدولة ومؤسساتها الدستورية تكمن في سوء الإدارة السياسية الراهنة، التي أثبتت الأزمات المتتالية عجزها عن الإحاطة بالأمور الخلافية من كل جوانبها، وتحوِّل الحُكم إلى فريق في الصراعات المحتدمة، عوض أن يحافظ على دور الحَكم بين الأطراف المتصارعة.
وما زال البعض في السلطة يتصرف وكأنه ما زال في صفوف المعارضة، يضع مصلحة فريقه السياسي فوق أي اعتبار آخر، بما في ذلك مصلحة مشروع الدولة ومؤسساتها الدستورية، وما يعنيه نجاحه من أمن واستقرار وازدهار للبلد وأهله!
فهل ثمة صحوة لأهل الحكم قبل فوات الأوان؟