الدولة في غيبوبة، والشارع في حالة غليان، والناس يحترقون بالجوع والغضب، والجيش والقوى الأمنية تُدفع للمعركة ضد أهلها، دفاعاً عن هيبة الدولة ومؤسساتها، وأهل الحكم ينامون على حرير الثروات والصفقات، ويتلهون بلعبة المحاصصات والمصالح، وكأن الكوارث التي تنقضّ على البلد هي بردٌ وسلامٌ على هذا الشعب المسكين.
أخطر ما يتعرض له لبنان في هذه المرحلة المصيرية الحرجة، هو فقدان مناعة المحاسبة والمساءلة، فضلاً عن غياب الحد الأدنى من القيم الأخلاقية، والمبادئ الوطنية، التي لا بد من توفرها في كل من يتحمل المسؤولية العامة، ويتحسس معاناة شعبه وأهل وطنه.
ما يجري في طرابلس في اليوم الثالث على التوالي من مواجهات دامية، بين المواطنين والقوى الأمنية والجيش، نتيجة التدهور المعيشي، وإرتفاع نسبة الفقر الأعلى، ليس في لبنان وحسب، بل على مستوى مدن البحر المتوسط عامة، يؤكد هذا الإصرار الأعمى من قبل السلطة على ممارسة سياسة الإنكار، والإمعان في التنكُّر لتداعيات الأزمة المعيشية الخانقة، والتصرف وكأن البلد مازال يتحمّل ترف إضاعة المزيد من الوقت، في كباش وزاري كرتوني فارغ من أي مضمون سياسي، ويدور فقط حول المصالح الوزارية والحزبية الضيقة، التي تعطل البلد، وتؤخر مسيرة الحلول، وتضاعف من الإنهيارات اليومية التي تتساقط فوق رؤوس الناس الغلابى.
شرارة الغضب المشتعلة في الفيحاء، وترك المواجهة الدائرة بين الناس والقوى الأمنية على غاربها، من شأنها أن تتحول إلى أحداث شغب عارمة، وإلى تفلّت أمني واسع، في ظل دولة هي أعجز عن السيطرة على شارع واحد.
المطلوب تخلّي أهل السلطة عن هذه المكابرات الفارغة، والنزول من أبراجهم العاجية، والتفاعل مع أوجاع الناس ومعاناتهم في هذا الزمن الأسود!