كلما سافرت عبر مطار الرئيس رفيق الحريري شعرت بالفارق الكبير بين ما نسمعه من المسؤولين عن تحسّن الخدمات في هذا المرفق الحيوي، وبين استمرار تردّي الخدمات والأوضاع العامة في هذه الواجهة الأمامية للبنان الحضاري والسياحي.
أجهزة الجمارك ما زالت تمارس عمليات مسح الحقائب بوسائل بدائية، وبآلات أكل عليها الدهر وشرب، وبأسلوب لا يخلو أحياناً من قلة الاحترام لعشرات الآلاف من المسافرين يومياً، حيث لا تتوفر آلية حديثة لحركة الحاويات التي يضع المسافر فيها حاجياته الشخصية من جاكيت أو حزام أو جهازه الخليوي أو الآيباد وغيرها، ثم يعيد المشهد نفسه في حواجز التفتيش الموضوعة قبل الوصول إلى بوابات العبور.
أما حواجز تدقيق الأمن العام فما زالت متعددة، وتمر بأربع محطات تدقيق يدوي قبل عبور الممر الأخير الذي يوصلك إلى باب الطائرة.
ورغم افتتاح قاعات جديدة لاستقبال ركاب درجة رجال الأعمال، والدرجة الأولى، إلا أن مستوى الصيانة والنظافة ما زال دون المستوى الذي يليق بمطار العاصمة، وتجاوز عدد مسافريه الثمانية ملايين نسمة.
تدخل طائرة «طيران الشرق الأوسط»، فتشعر بسرعة أنك انتقلت إلى عالم مختلف. الترحيب عفوي بالابتسامة والكلمات الرقيقة، ترافقك المضيفة إلى مقعدك، وتساعد مَن يحتاج لرفع حقيبته الصغيرة، «الكاري أون»، إلى مكانها المناسب، وتأخذ عنه سترته وتسأله عن طلباته من عصير فواكه أو مشروب مُنعش، والصحيفة التي يريد قراءتها.
وأثناء التحليق فوق الغيوم، وعلى ارتفاع ٣٥ ألف قدم، تتذكر كيف كانت هذه الشركة الوطنية الكبرى في حالة يُرثى لها من التردي والعجز الإداري والمالي، حيث كانت تكلف الخزينة سنوياً ٨٥ مليون دولار على الأقل، وتستأجر طائرات مُستهلكة، وأسطولها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وأين أصبحت اليوم بقيادة شابة وجريئة، تولاها محمد الحوت، بإقدام وشجاعة، وجعل «الميدل إيست» المثل والمثال لأضخم عملية إصلاحية في مؤسسات الدولة، فأوقف الهدر، وأقفل أبواب التدخلات السياسية، والتوظيفات الزبائنية، وجدد أسطول الشركة، ليصل تعداد طائرات أجنحة الارز عام ٢٠٢٢ إلى ٢٢ طائرة جديدة، ومجهزة بأحدث المعدات، وانقلبت أرقام خسائرها إلى أرباح، تعزز رهان مالك الشركة، مصرف لبنان ورئيسه رياض سلامة، على إمكانية نجاح عمليات الإصلاح ووقف الهدر والفساد، متى توفرت الإرادات الحقيقية لذلك!