بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 كانون الأول 2020 12:02ص التحصّن بالكمّامة وإسقاط القناع

حجم الخط
في الخمس الأول من القرن الماضي ظهر وباء «الإنفلونزا الإسبانية» بينما كان العالم يفيق من سنوات الحرب العالمية الأولى واجتاح العالم، وفي فترة وجيزة أوقع ضحايا بالملايين تراوح عددهم بين 50 و100 مليون شخص مخلفاً آثاراً واسعة غير متوقعة. وفي الخمس الأول من القرن الحالي ظهر وباء «كورونا» واجتاح العالم بضراوة، ولا يزال عدّاد أرقام الضحايا يرتفع من دون أن تنجح الخدمات الطبية وحملات الصحة العامة المتطوّرة من إيقافه حتى الآن.

«الكمّامة» سميت كأبرز سبل الوقاية من الوباءين، وهي كناية عن حاجز قماشي مصنوع من مواد متوفرة في الأسواق يكون مثبتاً بإحكام على الجانبين ومغطياً للفم والأنف وتُسهم خصائصه في الحدّ من انتشار القطيرات والرذاذ القابلين للانتقال من خلال التنفس أو السعال أو العطس أو التلفّظ، بصرف النظر عن التصنيف أو الفئة المُعتَمَدة والمشيرة إلى درجة الحماية.

الكمّامة التي تغطي الأفواه لا اعتراض عليها لأنها لا تستهدف حرية التعبير عن الرأي، وهي ليست قناعاً يخفي وجوه الأشخاص بل وسيلة حماية لهم من الإصابة بالوباء، وهي غير القناع الذي يرتديه بعض الناس ليخفوا وراءه الذات التي لا قيمة لها بهدف إخفاء ضعف تقديرهم لأنفسهم.

لبس القناع والتظاهر بمظاهر كاذبة ومخادعة تقود المقنّعين إلى سعادة زائفة؛ لأن السعادة الحقيقية لا تتحقق إلا بالتصالح مع الذات، وليس بإخفائها والظهور بقناع آخر. هؤلاء المقنّعين الذين قال عنهم جبران خليل جبران: «رأيت وجهاً يظهرُ بألفِ مظهر.. ووجهاً مظهره واحد أبداً كأنما قد سُبك في قالب»؛ يتحكّمون بمصالح الناس ومصادر أرزاقهم، ومن المؤلم أن يكون افتضاح أمر المقنّعين رهناً بظروف موجعة.

وها هي نتائج «وباء الفساد» تجتاح لبنان بأسره: فالاقتصاد المنهار جعل القطاع الخاص يحتضر وعشرات آلاف اللبنانيين دون عمل، وعملته الوطنية تتناثر، وشبح الفقر يخيّم على معظم اللبنانيين.

فهل سيُرينا ذلك حقيقة الوجوه التي أوهمت الناس بتفانيها لخدمتهم ومستقبل الأجيال الشابة؟ 

لا يضيّعن أحداً البوصلة: التحصّن بالكمّامة لمواجهة وباء كورونا، وإسقاط القناع عن الوجوه المخادعة للقضاء على وباء الفساد المستشري.