يبدو أن أزماتنا الداخلية شغلتنا عما يجري حولنا في العالم العربي، لا سيما في منطقة الخليج العربي، التي تشكل المدى الحيوي الأساسي للاقتصاد اللبناني.
ما جرى أمس من قصف حوثي صاروخي جديد على منطقة أرامكو في ينبع السعودية، هو أمر مستنكر ومُدان، بكل المقاييس الإنسانية والقومية، لأنه استهدف مواقع مدنية واستراتيجية بعيدة آلاف الأميال عن ساحات المعارك الدائرة في اليمن، منذ خمس سنوات، إثر الإنقلاب الحوثي، المدعوم من إيران ضد الشرعية اليمنية، ولإسقاط الاتفاق الوطني الذي توصلت إليه القوى السياسية والأحزاب الوطنية، بعد إندلاع الثورة الشعبية ضد نظام عبدالله صالح.
وانهماك الحكومة اللبنانية بأزماتها المالية والنقدية، لا يبرر استمرار هذا التقصير الديبلوماسي الفادح من قبل لبنان، تجاه أكبر دولة عربية تتعرض أراضيها لاعتداءات سافرة، حيث استمر الصمت اللبناني على مثل هذه الاعتداءات، كما كان الحال أيام الوزير جبران باسيل، فيما كانت عواصم القرار العربي والدولي تُسارع إلى إعلان إستنكارها وإدانتها للعدوان الحوثي، وتطالب الأمم المتحدة بإتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة المعتدي، الذي يتلقى سلاحه الصاروخي، كل أنواع الدعم العسكري والمالي من إيران.
المفارقة الغريبة، أن الموقف اللبناني المتخاذل جاء في وقت تتطلع فيه الحكومة اللبنانية الجديدة إلى مساعدة عاجلة من المملكة السعودية للخروج من النفق المالي الحالي، تلك المساعدة التي من شأنها أن تفتح أبواب المساعدات الخليجية وغير الخليجية للبنان، لإعانته على تجاوز تحديات أخطر أزمة مالية يتعرض لها في تاريخه الاستقلالي.
ولكن بأي منطق يُفكر أهل الحكم في لبنان، عندما لا يخجلون من عدم مناصرة الدولة العربية الكبرى، والتي كانت دائماً تقف إلى جانب الشقيق المشاغب، وتعمل على لملمة جراحه إثر كل إعتداء إسرائيلي غاشم، والتي عملت على إنهاء الحروب العبثية والتناحرية في بلد الأرز، من خلال إتفاق الطائف، فضلاً عن المساعدات السخية التي قدمتها الرياض لتسريع عمليات إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
اللبنانيون يدفعون اليوم الأثمان الباهظة لعدم إلتزام حزب الله بمبدأ النأي بالنفس، وإنخراطه في التدخلات الإيرانية بشؤون بلدان المنطقة. والله يستر من تداعيات الأيام المقبلة!