بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 حزيران 2020 08:09ص الرئاسة المقاوِمة في زمن رجال الدولة..

حجم الخط
كانت الدولة اللبنانية في حالة من التلاشي والغيبوبة المتمادية، عندما تسلَّم «الشيخ أمين الجميل» رئاسة الجمهورية في ذلك الخريف الأسود. الإحتلال الإسرائيلي يضغط على صدر بيروت، حواجز الجيش الإسرائيلي تطوِّق قصر بعبدا، دبابات شارون « تتمخطر» في الجنوب والشوف والمتن وكسروان، والمؤسسات الشرعية يتحكم فيها شلل الإنقسامات، والبلد في حالة ذهول بعد إغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل، وما تلاه من مجازر إبادة في مخيمي صبرا وشاتيلا.

 الإنتخابات الرئاسية جرت على عجل في ثكنة عسكرية، القوات الأطلسية المتعددة الجنسيات مُنتشرة في العاصمة وضواحيها، الجيش والأسلاك الأمنية مشرذمة على الخريطة السياسية والطائفية المضطربة، وما تبقَّى من مرافق حيوية وشرعية وقع في قبضة الميليشيات المتقاتلة.

 المفارقة في المقارنة بين هذا الوضع المأساوي، وما نحن فيه في «زمن السلم الأهلي»، أن معارك الحروب العبثية التي قطّعت أوصال الوطن، وباعدت بين أطرافه السياسية،لم تُعطل الإنتخابات الرئاسية في إستحقاقين متواليين، حيث كان النواب يجتمعون تحت قصف الميليشيات والجهات المتضررة من وجود الشرعية، ويؤدون مهامهم الدستورية، بكل شجاعة وإندفاع، على عكس ما حصل في السنوات الاخيرة من تعطيل متعمد لإستحقاقين متتاليين، ساهما في خلخلة قواعد الدولة، والنيل من هيبة الدستور والشرعية.

 ورغم التقاطعات الدولية وصراعاتها المحتدمة، في خضم الحرب الباردة بين «الجبارين» الأميركي والسوفياتي، والتي إتخذت من لبنان إحدى ساحات المواجهة، فقد صمد «الرئيس المقاوم» في وجه العواصف الداخلية والإقليمية، وتمسك بثوابته الوطنية، ولم يخضع لأساليب الترهيب الإسرائيلية،وأقدم على إلغاء إتفاقية ١٧ أيار، حاصلاً على دعم رئاسي أميركي مباشر لخطوته، ولم يضعف أمام سياسة الترغيب التي حاولتها معه دمشق حيث عرض عليه الرئيس حافظ الأسد البقاء في الرئاسة «مدة طويلة»، مقابل التوقيع على «إتفاق تعاون إستراتيجي» طويل الأمد، على حساب السيادة والنظام الديمقراطي في لبنان.

 كثيرة هي الوقائع والمحطات في مذكرات الرئيس أمين الجميل «الرئاسة المقاوِمة»، التي ترسم قامات رجال الدولة في تلك المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان، والذين كانوا يصارعون حروب الآخرين في بلدهم من جهة، ويقارعون هيمنة الميليشيات على مؤسسات الدولة ومرافقها الشرعية.

 أين رجال الدولة اليوم مما تُعانيه البلاد والعباد من أزمات ونكبات طاحنة، هي أشد وطأة من آلام سنوات الحرب المظلمة؟