اتصل بي صديقي الذي ترك البلد بعد ١٤ شباط ٢٠٠٥، متسائلاً بكثير من المرارة: علمت أنك ورفاقك في اللائحة قدموا الطعن بالعملية الانتخابية في بيروت، هل تراهنون جدياً على نتائج الطعن، في ظل الأجواء السائدة عندكم، والتي لا تبشر باحترام دور المؤسسات واستقلاليتها؟
قلت له بكل بساطة، وبكثير من الوضوح: الطعن خطوة لا بد منها، لأن ما حصل في انتخابات ٦ أيار من مخالفات وتجاوزات وتدخلات، لا سابقة له في تاريخ الانتخابات اللبنانية، والتي وإن كانت غالباً ما تشهد العديد من المخالفات، إلا أنها كانت تمرّ بشكل معقول ومقبول.
وأكدت لصاحبي بأن ثقتنا بالمجلس الدستوري كبيرة، رئيساً وأعضاء، وهم من أصحاب التاريخ القضائي الناصع، نزاهة وعلماً وخبرة، واستطاعوا في الآونة الأخيرة أن يتخذوا قرارات مدوية، باستقلاليتها وبجرأتها، حيث أبطلوا قانون الضرائب، ثم أصدروا قراراً شجاعاً بإبطال المادة ٤٩ من قانون الموازنة، التي أجازت منح إقامة دائمة في لبنان لكل عربي أو أجنبي يشتري منزلاً بثلاثمائة ألف دولار أميركي!
هل يستطيع المجلس الدستوري مقاومة ما قد يتعرّض له من ضغوط سياسية وسلطوية لإجهاض الطعون المقدمة له من معظم الدوائر الانتخابية، خاصة دائرة بيروت الثانية، التي تقدم فيها العدد الأكبر من الطعون؟
وبغض النظر عن القرارات المتوقع صدورها عن المجلس الدستوري، إيجاباً أم سلباً، فإن تقديم الطعن خطوة لا بد منها، لتأكيد رفض التسليم بالنتائج الكاذبة للعملية الانتخابية الأخيرة، التي افتقدت إلى أبسط معايير النزاهة، وغابت عنها حيادية السلطة بشكل فاضح.
رغم كل أجواء وممارسات الفساد المحيطة بالسلطة، ما زال اللبنانيون يراهنون على الدور الإنقاذي للمؤسسات، وخاصة الدستورية والقضائية، وطبعاً المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الأخرى!
يبدو أن صديقي لم يقتنع بهذا الكلام، فختم حديثه بعبارة تتضمن الكثير من الشفقة: كان الله بعونكم على هذه الطبقة السياسية الفاسدة!