الكلام عن تخفيض رواتب الموظفين والمتقاعدين بحجة تفادي الانهيار المالي، هو كمن يحاول أن يواجه النمر المفترس بإمساكه من ذنبه!
لا ندري كيف يتجرّأ مسؤول على تحميل الطبقة المتوسطة والفقيرة من الموظفين، أعباء الأزمة المالية المتفاقمة، ويتجاهل حجم الفساد والهدر المستشري في أوساط الطبقة السياسية، والذي تصل أرقامه إلى عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، بسبب سوء الإدارة وسوء الأمانة في الحفاظ على المال العام، والإصرار على عقد الصفقات والسمسرات، وعدم تمرير المشاريع وعقد الالتزامات من دون الحصول على عمولات فادحة!
التخفيض المطروح لرواتب القطاع العام يوفر ملياري دولار سنوياً، أي ما يساوي، أو أقل بقليل، عجز الكهرباء المستمر منذ أكثر من عشرين سنة، ويشكل نصف المديونية العامة تقريباً. وثمّة عشرات المليارات تذهب سنوياً هدراً على مؤسسات عامة، بعضها لا يعمل مثل مصلحة سكة الحديد، وبعضها الآخر لا يُنتج مثل هيئة حفظ الطاقة، والمجلس الأعلى للخصخصة، والهيئة الوطنية للنفط ، ومشروع أليسار المتوقف منذ نحو عشرين سنة، ورواتب النواب السابقين، فضلاً عن رواتب الوزراء والنواب الحاليين والتقديمات المختلفة التي يحصلون عليها، وإمكانية تخفيض مخصصات الرئاسات الثلاث، ووقف سفر الوزراء والوفود الفضفاضة، حيث يحرص بعض المحظوظين على السفر دائماً على متن طائرات خاصة، إلى جانب استعادة عائدات الجمارك وقيمتها بمئات الملايين من الدولارات.
والطريف أن طرح تخفيض الرواتب، كأولوية لتخفيض العجز، طوى الحديث عن مكافحة الفساد، وإمكانية ملاحقة الفاسدين، ومطالبتهم بإعادة بعض الأموال المنهوبة، على غرار ما فعل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي استعاد مئة مليار دولار لخزينة بلاده، في إطار حملته لمكافحة الفساد. «يا عيب الشوم» على هذه الطبقة السياسية، التي يصح فيها القول: «اللي استحوا ماتوا!».