حملات التضامن والتكافل بين اللبنانيين، وما يتخللها من عمليات لجمع التبرعات العينية والمادية، لمساعدة العائلات المتعثرة والمحتاجة، تستحق الدعم والمناصرة، كلٌ حسب قدرته، ومن موقعه، لتجاوز هذه المرحلة الصعبة على الجميع.
ولكن هذه المبادرات الإنسانية والوطنية الخلّاقة من قبل جمعيات ومؤسسات وأفراد، فضحت حجم تقصير دولة الفساد والنهب تجاه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين تحولوا إلى ضحايا لسياسات الإستئثار والسيطرة على موارد الخزينة، والتسابق الحاصل بين أهل السياسة على جمع الثروات على حساب الناس الفقراء وصغار الموظفين، دون أي رقابة أو وازع من ضمير!
لقد تحول التوافق على تشكيل الحكومات، إلى تواطؤ بين مكوناتها السياسية على تقاسم المشاريع العامة، والإمعان في المحاصصات المالية والمصلحية الفاسدة، وإلى مضاعفة الأسعار في تنفيذ البنى التحتية، وإلى إفتقاد الخدمات الضرورية للناس، خاصة في المعالجات الصحية والإجتماعية والتربوية. وأصبح المرضى المعوزون يموتون على أبواب المستشفيات، وكبار السن يبحثون عن مأوى أو مُعيل، ورب العائلة ينتحر لأنه عجز عن تأمين الأقساط المدرسية لأولاده.
والأنكى من كل ذلك أن البلد ينحدر في مهاوي الإنهيار، وأهل السلطة يتصرفون بكل بلادة وطنية، وبكثير من قلة المسؤولية، في التفاعل مع مطالب الشعب في إنتفاضته الوطنية التاريخية، ويعالجون ملف تشكيل الحكومة بمنطق المصالح الضيقة، وبأساليب العناد الفارغ، وبسياسة الإنكار والإستكبار، في التعامل مع الواقع المستجد بعد مرور شهرين على إنطلاقة الإنتفاضة.
وكأن سياسات الهدر والنهب التي مورست طوال سنوات، وبلغت ذروتها في العهد الحالي، ليست كافية لحث المسؤولين على العمل ليل نهار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من إقتصاد ومالية البلد، قبل أن يقع السقف فوق رؤوس الجميع، وتطال تداعيات الكارثة الجميع، وفي مقدمتهم المُختلفين والمتهافتين على نفوذ السلطة، وما بقي من المغانم الذابلة.
ولكن هل هم قادرون فعلا على الإنقاذ قبل فوات الأوان؟