ها هي ثورة الجياع توحّد اللبنانيين، وتجمع الشباب الغاضب من كل المناطق ومن كل الطوائف في الشوارع والساحات، بعد اجتياح الانهيار النقدي كل الخطوط الحمر، والحكومة وكل أهل الحكم مشغولون بمحاصصات التعيينات، وبمغانم السلطة!
لم تعد مجرد مسألة تظاهرة شعبية عارمة، بقدر ما هي ثورة شاملة تجاوزت كل الخلافات الحزبية، والانقسامات السياسية، وجسّدت الرفض الشعبي لهذا الواقع المزري الذي غرقت به البلاد والعباد، بسبب الفساد المستشري في أوساط الطبقة السياسية، والعجز المتفاقم في إدارة الأزمة، والحد من الانحدار السريع في الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بعد فشل المحاولات الخجولة لمعالجة مسببات المحنة التي سقط فيها البلد.
لا إقالة حاكم البنك المركزي، ولا حتى استقالة الحكومة، كافية لاستيعاب هذه الثورة الشاملة، بل اصبح مصير العهد كله على المحك، بعد الفشل الذريع في تحقيق الحد الأدنى من الإصلاحات، وتعطيل عجلة النمو الاقتصادي، وإجهاض التشكيلات القضائية، التي كانت بمثابة البداية العملية لتحقيق استقلالية القضاء، عن نفوذ السياسيين الفاسدين.
لم تعد لعبة تغيير الوجوه الوزارية والإدارية تشفي غليل الناس، الذين فقدوا الثقة بأهل الحكم الغارقين في دوامة المصالح وتقاسم السلطة على حساب لقمة عيش هذا الشعب المسكين، والاكتفاء بترديد شعارات جوفاء عن الإصلاح واسترداد الأموال المنهوبة، فيما صفقات الفساد والنهب العلني مستمرة بوقاحة مقززة، دون رادع ولا حسيب.
إن استفحال الاستخفاف بوجع الناس وغضبهم، والمكابرة الفارغة في إنكار أسباب وأهداف انتفاضة ١٧ تشرين، والإصرار على ممارسة الحكم بعقلية الاستئثار والتسلط على مقدرات الدولة، ونهب مواردها، والهيمنة على السلطة التنفيذية، كلها عوامل أدت إلى انكشاف «العهد القوي»، واستنزاف شرعيته الشعبية، وانفجار الوضع تحت ضغوط تداعيات الفشل والتخبط في تطويق الأزمات المتلاحقة، وعدم إيجاد الحلول المناسبة لها قبل الوصول إلى مرحلة الانهيار الشامل.
ثورة الجياع تدق أبواب الحكم بقوة، فهل يخرج فريق العهد من عقلية المكابرة والهيمنة والاستئثار قبل فوات الأوان؟