بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 تموز 2023 12:01ص الدولة تتحمَّل مسؤولية الجريمة !

حجم الخط
ما جرى في القرنة السوداء جريمة مُدانة ومستنكرة بأشد عبارات الإستنكار، ليس فقط لأنها حصلت بين منطقتين متجاورتين تشتركان في مواجهة ظروف الحياة الصعبة، في تلك المناطق المهملة من الدولة العلية، بل وأيضاً لأن مثل هذه التصرفات المتهوّرة تُهدد السلم الأهلي، وتنفخ في رماد الفتن التي تأكل الأخضر واليابس، ولا يخرج منها أحد منتصراً.
النزاعات الأرضية والمائية ظاهرة مألوفة في المناطق التي لم يجرِ المسح الطوبوغرافي لها، بحيث يتم تحديد النقاط الفاصلة بين القضاء والآخر، خاصة في المشاعات العامة، كما هو الحال في القرنة السوداء، أو رسم الحدود بين القرى المتجاورة، وتحديد المناطق العقارية لكل قرية، كما هو الحال في قرى بلاد جبيل.
هذه النزاعات تبقى في إطارها الجغرافي الطبيعي، في حال وجود دولة تسهر على رعاية مواطنيها، وتفصل عبر القضاء والأجهزة المعنية بالمسح الطوبرغرافي في المناطق المتنازع عليها، وتحدد لكل منطقة، ولكل قرية، حدودها الجغرافية والعقارية، حفاظاً على مصالح المواطنين من جهة، وحماية للسلم الأهلي، وتجنباً لإنتشار فوضى العنف والسلاح من جهة أخرى، عندما يشعر كل مواطن أنه مضطر إلى تحصيل حقه بيده.
الإشكال الحاصل حول المياه في القرنة السوداء ليس وليد ساعته، بل يعود إلى بضع سنوات سابقة، وكاد يتطور إلى ما لا يُحمد عقباه قبل سنتين، لولا جهود الحكماء من الطرفين. ومع ذلك مازالت الدوائر المعنية في الدولة العلية، تماطل في إنجاز المسح الطوبوغرافي الحاسم، لإظهار الحدود الجغرافية لكل منطقة، والمصادر المائية التابعة لها، بما يؤدي إلى تجنب وقوع مثل هذه الحوادث المؤسفة، والتي تُشكل خطراً على الإستقرار الهش وعلى السلم الأهلي.
فهل تُبادر الدولة العلية إلى حزم أمرها وتتصرف بما تمليها عليها المسؤولية الوطنية تجاه مواطنيها الأبرياء، أم يحلو للمسؤولين أن يستمروا في دفن رؤوسهم في رمال العجز والتقصير، تاركين لرياح الخلافات العشوائية أن تنفخ في رماد الفتن؟.
تحية لأهالي بشري والضنية الذين رفضوا الإنجرار وراء العصبوية والفتنة، وكل التقدير للجهود التي بذلتها القيادات الروحية والسياسية من الطرفين لقطع الطريق على المصطادين في مياه القرنة السوداء.