تعرّضت دبي لمحنة مالية عام ٢٠٠٨، نتيجة الأزمة المالية العالمية التي ضربت أسواق المال في نيويورك والبورصات الدولية الأخرى. خُيّل لكثيرين خلالها أن «معجزة» دبي انتهت، وأن حكاية الإمارة الصحراوية، التي تحوّلت إلى مدينة عالمية قد وصلت إلى فصلها الأخير.
نهضة دبي الحديثة قامت أساساً على أربع قنوات رئيسية: السياحة، العقار، الطيران، والموانئ. أدى الانفتاح المبكر للإمارة الحالمة إلى استقطاب حركة سياحية ناشطة، جمعت بين سياحة المؤتمرات والمعارض، والسياحات العائلية والأجنبية، التي وجدت الشمس والحرية الفردية والحياة العصرية على شواطئ دبي، فضلاً عن الترويج لشغف المغامرة في رمال الصحراء الذهبية. واستطاعت الإمارة أن تسجل أرقاماً فلكية في عدد السياح الوافدين إليها، من المنطقة ومختلف أنحاء العالم، خلال سنوات قليلة نسبياً.
أما العقار فتحوّل إلى مجال استثماري سريع العائد، للمواطن وللقادمين من الخارج، وظهرت المدن الجديدة بفترات زمنية قياسية، وسادت موجة مضاربات جنونية، ساعدت على مضاعفة الأسعار بنسب فاقت كل التوقعات، رغم طفرة بناء الأبراج الضخمة، ورغم تنفيذ مشروع بناء أكثر من منطقة، أو مدينة، في أوقات متقاربة جداً.
شكّلت شركة «طيران الإمارات» قناة النهوض الثالثة لدبي الحديثة. روى الشيخ محمد في كتابه الأخير «قصتي.. خمسون قصة في خمسين عاماً»، كيف اتخذ قرار إنشاء واحدة من أكبر شركات الطيران في العالم، إثر خلاف مع شركة «طيران الخليج» على سياسة الأجواء المفتوحة التي اعتمدتها دبي، لتشجيع الحركة السياحية، فكان أن نجحت الشركة الجديدة في إنشاء شبكة خطوط عالمية، امتدت شرقاً وغرباً، وبلغ عدد طائراتها اليوم ٢٦٠ طائرة، وتنقل سنوياً نحو ٦٠ مليون راكب، وتقدر أرباحها بنحو ٢٨ مليار دولار كل عام.
وجاءت عملية إنشاء المنطقة الحرة في ميناء جبل علي لتفتح الطريق أمام تجربة فريدة في تأسيس شركة دولية لإدارة الموانئ في العالم، تمكنت من الحصول على اتفاقات لإدارة موانئ عالمية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، وتحوّلت بسرعة إلى ذراع استثمارية مهمة للإمارة الصغيرة.
حافظ الشيخ محمد على هذه القلاع الاستثمارية في ذروة الأزمة المالية العالمية التي وصلت موجاتها العاتية إلى دبي. وسارع إلى طلب مساعدة جارته وشريكته الأقوى في تجربة الاتحاد الناجحة إمارة أبو ظبي، وأجرى تغييرات واسعة في صفوف قيادات الشركات العقارية المتعثرة، وأبعد «طيران الإمارات» عن تداعيات الأزمة، وأعاد هيكلة شركة الموانئ الدولية، والاحتفاظ بالمشاريع المربحة فيها!
ولكن تلك الأزمة الصادمة تركت آثاراً لم تمحَ في مسار الحركة الطموحة للإمارة الناهضة!
غداً: ماذا طلب العقيد معمر القذافي من الشيخ محمد؟