بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آب 2019 12:30ص دور الرئيس: حَكم أم خصم ؟

حجم الخط
المتابع لسيرة عهود الإستقلال يلاحظ بسهولة أن الأزمات السياسية في البلد تبدأ عندما يدخل رئيس الجمهورية في معمعة اللعبة الداخلية، ويُصبح فريقاً في الصراعات السياسية والحزبية، متخلياً عن دوره كحَكم بين الأطراف المتنافسة، ومغادراً لمكانته فوق مستوى النزاعات المحلية.

 لم تشفع للرئيس الإستقلالي الأول الشيخ بشاره الخوري أُبوته لمعركة الإستقلال، وأضُطر لمغادرة القصر الجمهوري في منتصف ولايته الثانية مُرغماً على إنتفاضة شعبية، بعدما بلغ تدخله والبوطة التي حوله في الوحول السياسية حد تزوير الإنتخابات النيابية، من خلال شقيقه «السلطان سليم»!

 وتكرر المشهد في سناريو أكثر عنفاً مع خلفه الرئيس كميل شمعون، عندما انحاز إلى حلف بغداد، متجاهلاً المعارضة الشعبية لهذا الخيار، وإقدامه على تزوير إنتخابات عام، « ١٩٥٧، وإسقاط الزعامات السياسية والحزبية فيها، مما أدى إلى إندلاع ما عُرف بـ«ثورة ٥٨ التي إنتهت بمغادرة شمعون قصر الرئاسة على دوي الرصاص وقذائف البازوكا، الذائعة الصيت في تلك الأيام!

 وحده الرئيس فؤاد شهاب حافظ على دور الرئاسة الأولى ومكانتها، رغم وجود كتلة النهج البرلمانية إلى جانبه، فكان عهده الأكثر إستقراراً وإزدهاراً من كل العهود الإستقلالية الأخرى.

 الرئيس شارل حلو لم يحتذِ بتجربة سلفه، وإختار تأييد الحلف الثلاثي بمواجهة جماعة النهج الشهابي، مما أفسح المجال أمام التدخلات الخارجية في المسرح السياسي الداخلي، والتي بلغت ذروتها بتدفق الفدائيين الفلسطينيين ومنظماتهم إلى لبنان، بعد إتفاق القاهرة، فكان أن إنتهى عهده والبلد يتململ فوق صفيح ساخن!

 ورغم الأجواء الوطنية التي أحاطت بإنتخاب الزعيم الزغرتاوي سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، إلا أن التناقضات الداخلية التي إرتفعت وتيرتها بعدما أصبح الوجود الفلسطيني عاملاً ناشطاً فيها، وتفضيل سيد بعبدا إستخدام القوة لحسم الإنقسامات الداخلية، فتح أبواب الحرب الداخلية على مصراعيها عام ١٩٧٥، والتي إستمرت بأشكال مختلفة حتى أواخر عام ١٩٨٩، وإستنزفت بجولاتها المتعددة عهدي الرئيسين الياس سركيس وأمين الجميل.

 حافظ الرئيس الياس الهراوي على التوازن في علاقاته مع الأطراف السياسية، ونجح في قيادة مرحلة إعادة الإعمار مع الرئيس رفيق الحريري، وإعادة لبنان إلى الخريطة الدولية.

 أما الرئيس أميل لحود فاختار أن يكون فريقاً في اللعبة السياسية، فكان أن أنهى عهده الممدد على دوي الإنفجارات الأمنية ومسلسل الإغتيالات، وإندلاع إنتفاضة ١٤ آذار، التي كادت تجتاح قصر الرئاسة لإخراج الرئيس عنوة، لولا تدخل البطريرك الراحل مار بطرس صفير، الذي عارض المس بمقام رئاسة الجمهورية.

 الرئيس ميشال سليمان وصل إلى الرئاسة بإجماع داخلي وعربي ودولي نادر المثيل، وحاول عبر طاولات الحوار التغلب على الإنقسامات العامودية بين فريقي ١٤ و ٨ آذار، وعندما جاهر بمعارضته للمعادلة الخشبية إعتبره فريق ٨ آذار منحازاً للفريق الآخر، مما أدى إلى تنكر هذا الفريق لكل ما تم التوافق عليه في جولات الحوار، وخاصة إعلان بعبدا الذي شدد على حياد لبنان وإعتماد سياسة النأي بالنفس عن البراكين المتفجرة في المنطقة وخاصة الحرب السورية.

 مواقف الرئيس ميشال عون الأخيرة توحي بأن خيار الإنحياز إلى بعض الأطراف السياسية بدأ يتبلور، ويصبح أكثر وضوحاً من المراحل السابقة، خاصة بعد حادثة قبر شمون، فهل يتحمل البلد تجربة مريرة جديدة في حال تخلى الرئيس عن دور الحَكم واختار أن يكون في موقع الخصم لبعض الأطراف السياسية؟