الملابسات المحيطة بتوزيع بعض المساعدات الغذائية والعينية، لاسيما الضجة المحيطة بهبتي الشاي والسمك، تؤكد أن ثمة خللاً ما في إدارة هذا الملف البالغ الحساسية والأهمية، لأنه يهم آلاف العائلات المتضررة من الإنفجار الزلزالي في مرفأ بيروت من جهة، ولأن الغموض وعدم الشفافية في إعلان كميات المساعدات الواردة والمواد التي تحتويها، يهز ثقة الخارج بالدولة، ويعزز الإتهامات الدولية للطبقة السياسية بالفساد، من جهة ثانية.
المسألة تتجاوز كميات الشاي السيلاني والأسماك الموريتانية وكيفية توزيعها، إلى علامات الإستفهام المحيطة يتوزيع بقية المساعدات العينية الإستراتيجية، مثل كميات الزجاج والألومنيوم التي قدمتها الشقيقة مصر لتخفيف الأعباء عن المتضررين، فضلاً عن مئات الأطنان من المواد الغذائية التي حملتها الجسور الجوية والبواخر البحرية، من الدول الشقيقة والصديقة، والتي يُباع بعضها في الأسواق.
تسلُّم الجيش مهمات إدارة المساعدات أثار إرتياحاً واسعاً في صفوف اللبنانيين، نظراً للثقة والرصيد الوطني اللذين تتمتع بهما المؤسسة العسكرية بتميز عن باقي مؤسسات الدولة، الموسومة بالفساد والإهمال والإنحياز.
ولكن لا ندري لماذا لم تتجاوب القيادة العسكرية مع الإقتراحات والنداءات، التي شاركنا في إطلاقها، لإعتماد قواعد الشفافية والحوكمة الحديثة في تنظيم موقع الكتروني يُبيّن تفاصيل المساعدات الواردة، وطرق توزيعها وتسمية الجهات التي إستلمتها، خاصة من هيئات المجتمع المدني، التي تناسلت بسرعة مدهشة غداة وقوع الكارثة، بحجة العمل على مساعدة أهالي الأحياء المنكوبة، إلى جانب إتباع الأساليب المناسبة للمحافظة على كرامة الأسر المتضررة في إيصال المساعدات إليها.
قد يكون إجراء تخصيص كميات الأسماك الموريتانية للجيش خطوة مفهومة ومبررة، بعدما حرم فساد الطبقة الحاكمة درع الوطن من مادة اللحوم، فضلاً عن الإعتبارات اللوجستية الدقيقة التى يتطلبها تخزين مثل هذه الكمية من الأسماك.
ولكن أن تخصص كميات الشاي السيلاني للحرس الجمهوري حصراً، فمسألة غير مفهومة ولا مبررة، وتُعيد إلى الأذهان مهزلة أحد الأفلام المصرية المعروفة: شاي.. سمك .. تمر هندي، التي تُجسّد حالة التخبط والإنهيار التي تعيشها السلطة في المراحل الصعبة!
ورغم كل هذا التردي والإنهيار، مازال أهل الحكم يناقشون عملية تأليف الحكومة على قاعدة: الملائكة ذكوراً أم أناثاً، والمواصفات: شاي.. سمك.. تمر هندي!!